جسر: متابعات
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً وثقت فيه أبرز انتهاكات الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية في غضون الأسبوع الأول لجلساتها مُشيرة إلى أن استمرار ارتكاب جرائم الحرب من قبل النظام السوري وحلفائه دليل إضافي على إهانة الدستور والمجتمع الدولي.
ويرى التقرير أنَّ مؤتمر سوتشي الروسي الذي انعقد في 30/ كانون الثاني/ 2018 شكَّل مرجعية تشكيل اللجنة الدستورية، التي تعتبر المخرج الأساسي منه، على الرغم من أن المعارضة السورية السياسية قد رفضت المشاركة فيه، و قد تم تبني فكرة اللجنة الدستورية لاحقاً من قبل المبعوث الدولي السابق ستافان ديمستورا، وسار السيد جير بيدرسن المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا على المسار ذاته.
استعرض التقرير السياق الذي تشكلت عبره اللجنة الدستورية الموسعة، التي انطلقت اجتماعاتها في 30/ تشرين الأول/ 2019 مُشيراً إلى أن اختيار الممثلين فيها تم من قبل مكتب المبعوث الأممي وفق آليات ومحددات هو يضعها وغير معلنة، واعتبرها التقرير غير مفهومة، حيث تضم اللجنة شخصيات لا علاقة لها بالقانون الدستوري أو حقوق الإنسان أو العدالة الانتقالية وما إلى ذلك. وأضاف التقرير أن السيد جير بيدرسن أعلن في 1/ تشرين الثاني/ 2019 عن تشكيل اللجنة الدستورية المصغرة، على أن تبدأ عملها في 4/ تشرين الثاني، لمدة أسبوع.
ويهدف التقرير إلى استعراض أبرز الانتهاكات التي تمكَّن فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان من توثيقها من قبل الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية (قوات النظام السوري وحليفه الروسي وفصائل في المعارضة المسلحة) في غضون أسبوع منذ بدء جلساتها في 30/ تشرين الأول/ 2019 حتى 6/ تشرين الثاني/ 2019، ولا يتضمن التقرير انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية ولا قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ولا قوات عملية نبع السلام (القوات التركية والجيش الوطني السوري).
وجاء في التقرير أن المجتمع السوري توقع أن تنخفض وتيرة الانتهاكات الممارسة بحقه وقسوتها بعد أن ينطلق المسار الدستوري، وغالباً ما يكون البدء بالمسار الدستوري بعد توقف النزاع والبدء بالمفاوضات وصولاً إلى تسوية معينة ثم يقوم الأطراف بصياغة ما تمَّ الاتفاق عليه ضمن وثيقة إعلان دستوري، لكن النزاع في سوريا لا يزال مستمراً ولا يزال النظام السوري وحلفاؤه يمارسون مختلف أنواع الانتهاكات، التي يشكل بعضها جرائم ضد الإنسانية ويشكل بعضها الآخر جرائم حرب، فلا تزال عمليات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز مستمرة، ولا تزال عمليات قصف المراكز الحيوية وأبرزها المراكز الطبية مستمرة، ولم يتم الكشف عن مصير المختفين قسرياً لدى الأطراف المتفاوضة.
رصد التقرير في غضون الأسبوع الأول لبدء جلسات اللجنة الدستورية عمليات قصف عنيفة وعشوائية في كثير منها، نفذتها قوات النظام السوري على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي، مع ارتفاع وتيرة القصف على مدينتي كفر نبل وجسر الشغور ومحيطهما في ريف إدلب، كما شهدت مدينة عندان في شمال محافظة حلب ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة الهجمات الأرضية في الأيام الثلاثة الأخيرة. وقد بلغ عدد الهجمات الأرضية التي وثقها التقرير في غضون هذا الأسبوع قرابة 162 هجوماً.
كما سجل التقرير أول غارة للطيران ثابت الجناح التابع لقوات النظام السوري، في 4/ تشرين الثاني، بعد انقطاع استمر قرابة شهر ونصف الشهر، وبحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 11 غارة تم تنفيذها على منطقة خفض التصعيد الرابعة -جلها في ريف محافظة إدلب الغربي-، منذ ذلك التاريخ.
وأشار التقرير إلى أن القوات الروسية تقوم بالتوازي مع جلسات جنيف بقصف عنيف ومركز على بلدات عدة في ريفي إدلب الجنوبي والغربي، على الرغم من أن اللجنة الدستورية فكرة روسية، وقد بلغ مجموع تلك الهجمات قرابة 46 غارة.
وطبقاً للتقرير فقد استمرت قوات النظام السوري في سياسة الاعتقالات خلال هذا الأسبوع وتركَّزت هذه الاعتقالات في محافظة ريف دمشق مستهدفة بشكل أساسي الأشخاص الذين أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية سابقاً، كما أن حركة النزوح في منطقة إدلب في المدة المذكورة كانت ضئيلة جداً وانحصرت في ريف إدلب الجنوبي وبلدات ريف إدلب الغربي، حيث أن جميع المناطق التي تعرضت للقصف خالية تقريباً من سكانها.
استعرض التقرير حصيلة أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري وحليفه الروسي منذ بدء انعقاد جلسات أعمال اللجنة الدستورية في 30/ تشرين الأول/ 2019 حتى 6/ تشرين الثاني/ 2019.
ووفقاً للتقرير فقد قتلت قوات الحلف السوري الروسي 24 مدنياً، بينهم 6 طفلاً، و1 سيدة (أنثى بالغة)، منهم 10 مدنيين بينهم 2 طفلاً قتلتهم قوات النظام السوري و14 مدنياً بينهم 4 طفلاً و1 سيدة قتلتهم القوات الروسية.
كما سجل التقرير 19 حالة اعتقال على يد قوات النظام السوري في المدة التي يغطيها، إضافة إلى ما لا يقل عن 15 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد قوات الحلف السوري الروسي، بينها 2 على مدارس و2 على منشآت طبية، و1 على مكان عبادة، و6 على مراكز للدفاع المدني (منشآت وآليات)، قوات النظام السوري كانت مسؤولة عن 12حادثة اعتداء في حين أن القوات الروسية نفذت 3 حوادث اعتداء.
ونوه التقرير إلى أنه لم يتم تسجيل عمليات قصف تسبَّبت في وقوع خسائر مادية أو بشرية من قبل فصائل في المعارضة المسلحة على مناطق سيطرة النظام السوري في المدة التي يغطيها.
أكد التقرير أن قوات الحلف السوري الإيراني الروسي خرقت بشكل لا يقبل التَّشكيك قراري مجلس الأمن 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، وخرقت عدداً واسعاً من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، وأيضاً انتهكت عبر جريمة القتل العمد المادتين السابعة والثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
مشيراً إلى أن عمليات القصف، قد تسبَّبت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضرَّر الكبير بالأعيان المدنيَّة. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأنَّ الضَّرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة، كما أن الهجمات لم تميز بين المدنيين والعسكريين في أغلب الحالات، ويبدو أن بعض الهجمات تعمدت استهداف مراكز حيوية ومناطق مدنية.
ونوَّه التقرير إلى موافقة الدول بالإجماع في قمة عام 2005 على مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، مؤكداً أن هذه المسؤولية تستلزم منع هذه الجرائم، ومنع التحريض على ارتكابها بكافة الوسائل الممكنة، وعندما تخفق الدولة بشكل واضح في حماية سكانها من الجرائم الفظيعة، أو تقوم هي بارتكاب هذه الجرائم كما في حالة النظام السوري، فإن من مسؤولية المجتمع الدولي التدخل باتخاذ إجراءات حماية بطريقة جماعية وحاسمة وفي الوقت المناسب.
طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في عرقلة العملية السياسية.
وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
وأشار التقرير إلى ضرورة الطلب من النظام السوري وحليفه الروسي وفصائل المعارضة التوقف عن كافة الانتهاكات وتأمين إجراءات حسن النية عن طريق إيقاف القصف وكشف مصير المختفين قسرياً على أقل تقدير.
كما طالب التقرير مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254 وبضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وأكد على ضرورة إحلال الأمن والسلام وتطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين، لحفظ أرواح السوريين وتراثهم وفنونهم من الدمار والنهب والتخريب، وطالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول، التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة.
في ظلِّ انقسام مجلس الأمن وشلله الكامل، أكد التقرير على وجوب التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشَّعب السوري، ويتجلى ذلك في حمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدَّعم المقدمة على الصعيد الإغاثي. والسَّعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين.
دعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، واللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يُعرقل حماية المدنيين في سوريا.
وأوصى التقرير المفوضة السَّامية أن تُقدِّم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الانتهاكات الواردة فيه باعتبارها نُفِّذت من قبل أطراف النِّزاع وزيادة تدريب المنظمات السورية على البدء بإزالة الألغام والذخائر العنقودية غير المنفجرة ورفع التَّوعية المحلية لمثل هذا النوع من المخاطر وإنشاء منصَّة تجمع عدداً من المنظمات السورية الفاعلة في مجال توثيق الانتهاكات والمساعدة الإنسانية؛ بهدف تبادل الخبرات مع المجتمع السوري.
طالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بفتح تحقيقات في الحالات الواردة فيه وغيره من التَّقارير السَّابقة، وتحديد المسؤولين عن الهجمات بشكل واضح في حال التوصل إلى نتائج ترجح ذلك، وبشكل خاص القوات الروسية التي تكاد تخلو تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية من حوادث تحملها مسؤولية هجمات جوية باستثناء حادثة واحدة فقط طيلة ثلاث سنوات من التدخل الروسي في سوريا.
كما طالب التقرير النظام السوري بالتَّوقف عن انتهاك الدستور السوري عبر قتل المواطنين السوريين وتدمير منازلهم وإخفاء وتعذيب عشرات الآلاف منهم و إيقاف عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق واستخدام الذخائر المحرمة والبراميل المتفجرة، وإيقاف عمليات التعذيب التي تسبَّبت في موت آلاف المواطنين السوريين داخل مراكز الاحتجاز والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني والدستور والقانون السوري.
وأوصى التقرير النظام الروسي بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين. وتعويض المراكز والمنشآت المتضررة كافة وإعادة بنائها وتجهيزها من جديد، وتعويض أُسر الضحايا والجرحى كافة، الذين قتلهم النظام الروسي الحالي والتَّوقف التام عن قصف المشافي والأعيان المشمولة بالرعاية والمناطق المدنيَّة واحترام القانون العرفي الإنساني.