فريق التحقيقات في “جسر”
كثر الحديث مؤخراً عن المنطقة (الأمنية) بقيادة أحمد الجربا، ويتم الترويج لها اعلامياً وسياسياً بصورة ملفتة، جسر تقصت واقع هذه الخطة اليوم، بعيداً عن الضجيج المثار حولها.
من هو الجربا:
يعتبر أحمد عاصي الجربا (القامشلي ١٩٦٩) أحد أكثر السياسيين السوريين اليوم ديناميكية، وعلى الرغم من عدم تلقيه تعليماً أكاديمياً، وجهله الثقافي الذي صار مدار تندر للسوريين عندما أطلق مصطلح ثقافة الثقافة، إلا أن من احتكوا به عن قرب يعترفون بمهارته السياسية الفطرية، فالرجل نشأ في بيت زعامة قبلية عمرها نحو ثلاثمائة سنة، وادارت عشيرته وعائلته بالذات عشرات الملفات المعقدة عبر تاريخها الطويل. وتعتبر حتى اليوم، المنافسة القبلية الأبرز لقبيلة عنزة، التي يتحدر منها آل سعود، على الرغم من خمود الصراع ظاهرياً منذ سقوط مملكة آل رشيد. ويبدو أن احمد الجربا ورث جزءاً لا يستهان به من ذلك التراث وتحول إلى مهارات عفوية في شخصيته المثيرة للجدل، إضافة الى الطموح السياسي والرغبة في التزعم والبروز التي لازالت تلازم عددا من افراد العائلة، حيث طرح العديد منهم فكرة (امارة شمر) في سوريا والعراق في أكثر من مناسبة.
تدخل الجربا في الثورة السورية جاء من بوابة التسليح، فوفق قيادي تسلم أعلى منصب في المعارضة السورية في وقت سابق، وفضل عدم ذكر اسمه، فقد “كان الجربا هو المعتمد سعودياً في غرفة تنسيق الدعم العسكري، والمخول باستلام وتسليم الاموال المخصصة لهذا الغرض، وعمل إلى جانب سعد الحريري عقاب صقر وآخرين على شراء أسلحة للمعارضة السورية المسلحة من شركة اوكرانية، لكن الوسطاء-منهم الجربا- كانوا يقدمون عقوداً بشراء أسلحة جديدة، و يشترون في الواقع أخرى مستعملة، ويحتفظون بفارق السعرين، وبعد أن يتولى الاميركيون شحنها إلى تركيا، تقوم غرفة تنسيق الدعم بإدخالها إلى سوريا عبر الحدود، حيث يتم بيع جزء منها إلى بعض الفصائل، ودعم فصائل مقربة بجزء آخر”. ويضيف المتحدث لـ”جسر:” إن اكتشاف الفصائل لحقيقة كون هذه الاسلحة مقدمة مجاناً من الخارج، هي ما دفع ما يسمى الجبهة الإسلامية حينها (جيش الإسلام وحركة احرار الشام) لشن هجوم على مستودعات هيئة الأركان، التي يرأسها سليم ادريس، يوم ٩/١٢/٢٠١٣ ونهبها”.
وقد دخل الجربا الائتلاف الوطني، من خلال الكتلة الديمقراطية التي كان يتزعمها ميشيل كيلو، ثم ليصبح رئيسا للائتلاف اعتباراً من تموز ٢٠١٣، لمدة سنة كاملة. وبعد انتهاء فترة ولايته، قام بتأسيس تيار الغد السوري، الذي أطلقه في القاهرة، وظهر إلى جانبه الفلسطيني محمد دحلان، مما أوحى بدعم اماراتي سعودي مباشر له.
وتم تناقل الكثير من الشائعات لاحقا حول جفاء سعودي مع الجربا على خلفية اكتشافهم لاحتفاظه بنحو ٥٠ مليون دولار من المبالغ المقدمة من السعودية لدعم المعارضة السورية. ثم تم تداول اشاعات عن خلاف مع دحلان وبالتالي الإمارات.
لم يقم تيار الغد بالكثير من النشاطات، ويبدو كما لو كان مجرد منصة يقف عليها الجربا بعد فقده لمنصبه الرسمي في الائتلاف، حيث فرض ممثلين عنه في وفد التفاوض متعدد المنصات في جنيف، وتدخل من خلاله مع الروس لإنجاز بعض صفقات التسوية مثل التي حدثت في الغوطة وأخرى في حمص، ورعى مؤتمرا قبلياً اسماه المجلس العربي في الجزيرة والفرات، ( عقد بعشرة اشخاص فقط لا غير، ولا يوجد بينهم أي شيخ قبيلة)، كما شكل ما يعرف بقوات النخبة، وهي قوات عشائرية قوامها الرئيسي من أبناء قبيلة الشعيطات، وشاركت إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في معارك تحرير الرقة، لكن “قسد” سرعان ما اوقفتها عن العمل، بذريعة “الخيانة” إذا حملتها مسؤولية مقتل ١٦٠من قوات سوريا الديمقراطية، وبأنها فتحت ممراً لعناصر من فوج الانغماسين التابع لداعش، في منطقة “العكيرشي”. بينما يقول مصدر قيادي في النخبة “إن الايقاف كان على خلفية قتلهم لـ١١ داعشياً في ريف الرقة الشرقي، كانت قسد تريدهم أحياء لإعادة اطلاق سراحهم كما حدث لاحقا مع معظم عناصر داعش وقياداته، لكي تتذرع بهم في استمرار حربها واستمرار الدعم المقدم لها”.
ووفق القيادي ذاته فقد “بلغ عديد قوات النخبة في اقصى اتساع لها ٣٠٠٠ منتسب، منهم ٨٥٠ تحت السلاح، قبل أن تبدأ الانشقاقات عنها نحو قسد (مجلس دير الزور العسكري) لتنخفض الاعداد إلى نحو ٥٠ مقاتلا فعليين، ونحو ٤٥٠ مسجلين على الورق” “لكن أي من عناصر النخبة لم يتلق راتبه منذ ستة إلى سبعة أشهر ” وفق تصريح القيادي ذاته، وكانت رواتب ونفقات هذه القوة تقدم من “صندوق دعم الشعب السوري” الذي كان يقدم الدعم أيضا لفصائل أخرى مثل “جيش اسود الشرقية.
خطة الجربا الحالية:
يتحرك الجربا باستمرار، في الكواليس الإقليمية والمحلية، مقتنصاً الفرص السياسية، لكن بكتمان شديد حتى عن أقرب مساعديه. وقد لاحت له فرصة جديدة مؤخراً عندما بدا أن الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا على نحو مفاجئ، فقدم نفسه وسط الحالة المستجدة بسرعة فائقة، إذ زار في ١٠/١٢/٢٠١٨ مسقط رأسه في القامشلي لمدة ساعتين على متن حوامة تابعة للتحالف الدولي، قيل إن غرضها عيادة والدته المريضة، لكن التغطية الإعلامية لها دفعته إلى واجهة الاخبار على الرغم من عدم اعلان لقائه بأي قيادي في قسد أو مجلس سوريا الديمقراطية. وما أن أعلن الرئيس الاميركي انسحاب قواته من سوريا حتى هرع الجربا للاتصال بقوات سوريا الديمقراطية، عارضاً فكرة احلال قوات تابعة له على الشريط الحدودي مع تركيا، فقبلت قيادة “قسد” التي كانت تحت الصدمة، بتفويضه عرض المقترح على انقرة، على أمل أن يساعدها ذلك باستطلاع حقيقة الموقف التركي، وجديّة التهديد باجتياح شرق الفرات. وعلى الأساس نفسه، ولمعرفة حقيقة موقف “قسد” الراهن، وافقت انقرة على استقبال الجربا، بعد أن كانت منعته من دخول أراضيها لسنوات لأسباب غير معروفة، لكن قيل إنها على خلفية اتصالاته مع قيادة وحدات الحماية الذاتية وحزب PYD، بهدف فتح مقرات لتياره في القامشلي. وما بين هواجس الطرفين، استطاع الجربا أن ينتزع وعد ملموس من تركيا بالسماح لقواته بالانتشار في منطقة البوابة الحدودية في تل ابيض، بعرض ١٠ كم وعمق ٣٠ كم، إذا وافق “حلفاؤه” الاكراد على ذلك، لكن قيادة قسد أرجأت قرارها، بانتظار بعض المعطيات.
(علي العاصي الجربا، ابن عم أحمد الجربا واقرب مساعديه مع مهيدي أحمد الجعيله قائد قوات النخبة)
كانت المشكلة التي تواجه الجربا وتمنعه من توسيع هذه الاحتمالية عدم وجود غطاء إقليمي له، خاصة فيما يتعلق بالتمويل، فالسعودية والامارات لن تمويل عملاً مشتركاً مع الاتراك، والأتراك لن يقدموا سوى الموافقة، وقوات النخبة المزعومة لا يزيد عدد الملتزمين بها عن ال٥٠ مقاتلاً، ومعظمهم لم يقبض راتبا منذ أشهر.
قام الجربا عند ذلك بمناورة واسعة، ليحط في قطر بمساعدة أقاربه، وأشار أحد المطلعين على خفايا الصراع الخليجي/ الخليجي، بأن “أقارب الجربا في قطر، يرددون ما معناه، أن شمر هي الخصم والمنافس التاريخي لآل سعود وقبيلتهم، وأن مكانهم الطبيعي هو في خندق قطر، و(ربما) على هذا الأساس، وجد الجربا طريقه إلى وعد قطري بالتمويل، مع نوع من الغطاء السياسي الاقليمي”. وقد شوهد الجربا يوم الخميس ٣١/١/٢٠١٩ على متن “القطرية” للطيران، عائداً من الدوحة إلى إسطنبول.
لكن خطة الجربا كانت تواجه أيضاً معضلة حساسة، وهي التجمعات الكردية في المدن والبلدات الحدودية، التي لن تقبل بسيطرة قوات عربية بعد كل ماجرى، ووجد الجربا ضالته في هذا الخصوص في إقليم كردستان العراق، وبفضل العلاقات الطيبة بين زعماء شمر في شمال العراق، وبين حكومة الاقليم، تمكن من الحصول على موافقتها على وضع جزء من عناصر البيشمركة، من أصول سورية تحت تصرف الجربا للانتشار في المدن والبلدات الكردية، وفي تصريح لجسر، قال السيد “قاسم الخطيب”، عضو تيار الغد، والائتلاف الوطني، الذي زار حكومة الاقليم مؤخراً رفقة رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري، بأنه “سمع شخصياً تأكيدا من مسعود البرزاني على القبول بوضع نحو سبعة آلاف مقاتل من البيشمركة السوريين في خدمة خطة الجربا فيما لو تم اعتمادها”.
(صورة اعلان تم تداوله على واتس آب للدعوة للتجنيد في صفوف قوات بقيادة أحمد الجربا في شمال شرق سوريا)
تفكر انقرة، التي تعتبر القلق الكردي على حدودها الجنوبية أهم شواغلها، بثلاثة سيناريوهات:
آ-منطقة آمنة: تمتد من جرابلس إلى فيش خابور، تسيطر عليها قواتها وقوات من الجيش الوطني السوري المتحالف معها، وهذه تحتاج لقبول أميركي بالدرجة الاولى، وتتيح لها “ضخ” نحو مليون سوري مقيم في تركيا في ذلك الشريط وصناعة حزام “عربي” يفصل إلى الأبد بين مناطق الاكراد في سوريا ومناطقهم في تركيا، ويؤدي تلقائيا الى ضمور المشروع الكردي في جنوب ذلك الخط، حيث لا أمل للأكراد بإقامة أي كيان في وسط اغلبية عربية رافض للسلطة الكردية المستجدة. بعبارة أخرى: تعقيم شمال سوريا بشكل نهائي من أي مشروع كردي مستقبلي، وترسيخ التغيير الديمغرافي في عفرين ومده شرقاً، وجعله نهائيا، خاصة مع خلو كوباني من السكان حتى الآن.
ب- منطقة أمنية: إذا لم يتح لها ذلك فيمكن لخطة الجربا أن تكون بديلا، بحيث تكون القوات العربية غطاء لتدفق عسكري واستخباراتي وبشري موال لتركيا، لتحقق نتائج شبيهة بتلك التي تحققها الخطة ( آ ) في نهاية الأمر.
ج-اضنة الموسعة: القبول باتفاقية اضنة مع النظام السوري بعد توسيعها إلى نحو ٣٠ كيلو متر عمقاً، ضمن اتفاق شامل تتعهد فيه روسيا والنظام بسحق ما يتبقى من المشروع الكردي، مقابل اعتراف تركي صريح أو ضمني بنظام الأسد ورعاية بقائه.
تسعى انقرة لانتزاع القبول الدولي بالخطة آ بنفسها، وتقوم وفود منها بزيارة العاصمة الاميركية بهدف اقناع واشنطن بها، بينما تركت الخطة ج الروسية كخيار أخير، أما خطة الجربا فقد منحته تفويضاً مشروطاً، بالعمل لإقناع الأطراف الأخرى بها، خاصة الاكراد وروسيا، وتنتظر نضج الظروف للاختيار بين احداها. وعلى هذا الأساس، وبمعونة قطرية، طار الجربا إلى موسكو، وقابل لافروف يوم الخميس ٧/٢/٢٠١٩، لكن يبدو أن جهوده لم تسفر عن الكثير من النجاح، فالروس لا زالوا يعتقدون أن الخيار ما بعد الانسحاب الاميركي واضح، وهو مفاضلة الملف الكردي، بالقبول التركي ببشار الأسد ونظامه.
تتضمن خطة الجربا في آخر نسخة بلورها، وسربها تياره لصحيفة الشرق الاوسط: “توفير بين 8 و12 ألف مقاتل من “قوات النخبة» العربية ومن «البيشمركة» الكردية السورية التي تدربت في كردستان العراق، بحيث تنتشر بين نهري دجلة والفرات. وراعى الاقتراح، بحسب المشرفين عليه، الحساسيات العرقية، إذ يتضمن انتشار العرب في تل أبيض التابعة للرقة، ورأس العين التابعة للحسكة، فيما ينتشر مقاتلون أكراد بين فش خابور على نهر دجلة ومدينة القامشلي.” ” وإذا كان امتداد المنطقة الأمنية واضحاً بين جرابلس وفش خابور، فإن عمقها يختلف من مكان لآخر، إذ يتراوح بين 28 و32 كلم في مناطق تل أبيض والمالكية وعامودا، مع استثناء مدينة القامشلي بسبب وجود مربع أمني لدمشق، يتضمن مقرات أمنية وعسكرية.وأضافت المصادر أن الخطة تتضمن أيضاً دعم المجالس المحلية في عين العرب (كوباني) ورأس العين وتل أبيض وباقي المنطقة، بحيث تكون القوات العربية – الكردية الجديدة المنتشرة غطاء لهذه المجال”.
صعوبات وصعوبات.. يمكن للجربا أن يذللها:
تتمثل اول التحديات التي تقوم أمام الجربا في كون تركيا غير جادة في قبول خطته، وهي ان قبلتها فإلى حين فقط، ريثما تستطيع اختراقها، وهو ما يقلق “قسد”، التي تخشى أيضاً الخطتين الاخريين المحتملتين. وسيتعين عليها التمسك بالجربا في حال قررت الولايات المتحدة التخلي عنهم بشكل نهائي، وهذا احتمال قائم، وموعده المفترض في شهر نيسان القادم، بعيد القضاء على آخر جيب لداعش.
الصعوبة الثانية تتمثل في إمكانية تامين عشرة آلاف مقاتل منصاعين له، وكوادر قيادية عسكرية ومدنية. فقوات النخبة حاليا وفقا لقيادي فيها، يبلغ عددها على الأرض فعليا ٤٥٠ مقاتل، معظمهم يعيشون حياتهم المدنية، لكنهم مستعدون لحمل السلاح عند طلبهم، ولديهم مقر في بلدة أبو حمام وآخر في أبو خشب بريف دير الزور. وهي حصيلة لا تكفي لتسلم زمام الأمن في بلدة واحدة. لكن الجربا ما أن بدأ تحركاته حتى أعطى أمراً لوكلائه للبحث عن متطوعين، وبسبب عدم وجود خيارات أخرى، فقد اقبلت اعداد كبيرة من الشبان العرب على مكاتبه، حتى اضطرت قسد لملاحقة وإيقاف مدراء تلك المكاتب الذين وزعوا رسائل واتس آب للترويج، تتضمن عناوين وارقام هاتف. لكن هذه الواقعة كشفت إمكانية التجنيد، وقال مصدر محلي مطلع أن الجربا في حال توفر رواتب للجنود يمكنه تجنيد نحو ١٥ ألف مقاتل بسهولة، من عشائر المنطقة.
الضعف العشائري: رغم كونه من عائلة الزعامة في شمر، إلا أن الجربا يعاني من نقطة ضعف هنا، فالجسد الأساسي للقبيلة في العراق، ويقتصر وجود الشمريين في سوريا على ريف القامشلي، ويتركز في قرية تل علو مقر آل الجربا التاريخي، و اليعربية، وعلى الشريط الحدودي مع العراق، وبعض قرى منطقة جنوب الرد. ولا يزيد عددهم عن ١٥ ألف شخص، وهو رقم ضئيل مقارنة بالقبائل السورية المجاورة لها، والتي تعد كل واحدة منها بمئات الالاف. وحتى فيما يخص هذه الجماعة الصغيرة، فإن حميدي دهام الهادي، شيخ مشايخ شمر المعتمد، يهيمن عليها، إذ شكل منهم ما يعرف بقوات الصناديد، وتعد نحو ٥٠٠ مقاتل، لكن الجربا هنا أيضا لم يعدم الحيلة، إذا يثابر على تمتين علاقته بقبيلة العقيدات، واحدة من أكبر قبائل سوريا، وخاصة فرع الشعيطات، مستفيدا بالدرجة الاولى من اعداد المقاتلين الكبيرة بينهم، وبدرجة أخرى من علاقاته مع وجهاء القبيلة، الذين يقيم عدد كبير منهم في الخليج العربي.
التمويل: يقال أن الجربا يستثمر نحو ٥٠ مليون دولار، قدمت سابقا للائتلاف، ويتحرك بفضل عوائدها، لكن هذا المبلغ لا يكفي بالتأكيد لإنشاء وتشغيل قوة عسكرية وإدارية في المنطقة الأمنية. وكان الاتراك قد وعدوه بالسماح له بجباية عوائد معبر تل ابيض كتمويل لقواته في حال انتزع موافقة الاكراد، لكن الخطوة لم تكتمل، وفي كل الأحوال لا تفي عائدات المعابر بتكاليف القوات المطلوبة، ويبدو أن انظاره تتجه الى قطر، ولكن هذه لن يتمكن من قبول دعمها الا إذا غادر الحضن السعودي/الاماراتي، وهو جريء بما يكفي لفعل ذلك، إن لم يكن قد فعله حقاً.
مقاومة الخصوم السياسيين: بسبب هبوطه على المعارضة السياسية السورية من خارج اوساطها التقليدية، وعدم وجود قاعدة أهلية يستند إليها، يعاني الجربا من جفاء الطبقة السياسية وعدم قبولها له، كما أن إمكانيات المحيطين به، الإدارية والتقنية، ليست بحجم طموحاته السياسية، لكن الجربا سبق له أن قاد الائتلاف السوري، وتجاوز العقبات التقنية بنجاح، على سبيل المثال ألقى أهم الخطابات التي أطلقها قادة المعارضة، ويقال أنه استعان بشركة علاقات عامة بريطانية لدى كتابتها، كما استطاع تجنيد كوادر متميزة ادارياً لإدارة نشاطاته، منها ما هو أجنبي، كذلك استطاع الوصول إلى عدد من القبائل واستقطاب أبنائها، وبالمختصر لديه المرونة والانفتاح اللازم لتجاوز هذه العقبة، فيما لو توفر له المال اللازم.
سيصل إلى شيء ما يوماً:
يعتمد الجربا تكتيكين سياسيين يفتقر إليهما معظم شخوص المعارضة السورية، وهما الديناميكية المثابرة، أي الحركة الدؤوب والنشطة، والبراغماتية المغلفة بالغموض، بعيداً عن التهويمات الفكرية والثقافوية التي تروج بشدة في معسكر السياسيين السوريين المعارضين. وهما ما مكناه من الثبات حتى اليوم في ميدان دخله متأخراً، وحتى “متعدياً”، وفق وجهة نظر الكثير من الفاعلين والمنظرين السياسيين، لكن هذا لم ولن يمنعه من مواصلة مساعيه لانتزاع مكان له في المشهد السياسي السوري، سواء تمكن من انشاء المنطقة الأمنية أم لا.