أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

شارك

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

أزمة أوكرانيا من منظار سوري

جسر – صحافة

منذ أربعة شهور، تتوالى التحذيرات الغربية من تحضيرات روسية لغزو أوكرانيا، بعدما حشدت موسكو قواتٍ يتجاوز عديدها أكثر من مئة ألف جندي. وهذه القوة، كما قال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل، “لم تأت لاحتساء القهوة”. وإذا أضفنا للتحذيرات والتهديدات المتواصلة، دعوة واشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى مواطنيها لمغادرة الأراضي الأوكرانية قبل فوات الأوان، يخال للمراقب وكأن روسيا فعلاً ستغزو بعد ساعات أو أيام. وحتى هناك من يضع سيناريوهات مُتخيلة بناء على هذه الفرضية، مثل توقع “خبير” اقتصادي لبناني أزمة خبز عالمية ولبنانية أيضاً بعد اندلاع حرب أوكرانيا وانقطاع انتاجها الوفير من القمح.

لكن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك على مستويين. أولاً، ليست روسيا وحدها في موقع المعتدي، بل هناك فعلاً توسع غربي باتجاه حدودها من خلال ثلاث سياسات هي عضوية الاتحاد الأوروبي واتساع الحلف الأطلسي (الناتو) ودعم الانتفاضات الديموقراطية لانتاج حكومات موالية أو قريبة من الغرب. وسبق أن نكثت واشطن وحلفاؤها وعوداً شفهية سابقة للاتحادين السوفييتي والروسي حيال عدم التوسع شرقاً. حصل ذلك خلال لحظات ضعف روسية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وولّد عدم ثقة بين الجانبين. لكن معالجة مخاوف روسيا وبعض مطالبها، بإمكانها أن تُشكل مدخلاً لحل دبلوماسي. ومن هذه المطالب على سبيل المثال، تعهد خطي بعدم انضمام أوكرانيا للحلف الأطلسي (الناتو).

المستوى الثاني هو أن التصعيد الروسي الحالي تجاه أوكرانيا هو حركة تفاوضية ولديه هدف سياسي. ومن الضروري هنا الإفادة من الدروس السورية في السلوك العسكري والسياسي الروسي، وهي على ارتباط بالحسابات الواقعية للرئيس فلاديمير بوتين وفريقه، وتفادي أي تهور في عملية اتخاذ القرارات. التدخل الروسي في الحرب السورية لمصلحة النظام، جاء في لحظة انسحاب وعدم اهتمام أميركية في سوريا. كما كان تقريباً خالياً من مشاركة على الأرض، ويعتمد على الميليشيات الموالية لإيران ومنها “حزب الله”، والمرتزقة في توفير المقاتلين لتجنب تكبيد قواته خسائر بشرية، لما لذلك من انعكاسات سياسية.

وحين تطورت عمليات القصف الإسرائيلية في سوريا، لعبت موسكو دور الوسيط والمنسق، بدلاً من المواجهة. كان التفاوض مع تركيا وإسرائيل حيال حدود كل طرف في اللعبة الأممية في سوريا، يجري على حافة التصعيد العسكري (بعد اسقاط تركيا الطائرتين الروسيتين على سبيل المثال، أو غداة ضرب إسرائيل طائرة عسكرية روسية). كان الخيار الروسي دوماً عدم الدخول في مواجهة عسكرية، والقبول بتسويات وآليات تواصل.

وفي ذروة التوتر مع الميليشيات الموالية لطهران، لم تقطع موسكو صلتها بها، وواصلت الاعتماد على مرتزقتها الأفغان واللبنانيين والعراقيين وحتى السوريين في مواجهات الشمال السوري. وهذه مقاربة لا تقتصر على الحرب في سوريا، بدليل الاعتماد على الميليشيات الرديفة في أوكرانيا وجورجيا لخوض مواجهات وتقويض سلطة الحكومات المعارضة في حروب محدودة وسريعة.

وفي أوكرانيا، ليس الأمر مختلفاً. عسكرياً، من الصعب تخيل غزو روسي كامل للأراضي الأوكرانية، كون ذلك ينطوي على مخاطر واحتمالات وقوع خسائر بشرية قد لا تقوى موسكو على تحملها سياسياً. لهذا فإن أي تصعيد عسكري سيكون محصوراً جغرافياً، وهدفه السياسي الحصول على تعهدات خطية أو ورقة تفاوض جديدة باتجاه تحقيق ذلك.

في المقابل، ليس الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي) ببعيد عن هذه الصورة. لا بل إن التصعيد السياسي والإعلامي الغربي جزء من عملية التفاوض، تماماً كالحشد العسكري الروسي على الحدود الروسية-الأوكرانية والبيلاروسية-الأوكرانية. رفع منسوب التهديدات ومحاولة التنصل من مطالب الجانب الروسي، هدف أساسي هنا.

ليست لروسيا اليوم مصلحة في الدخول في نزاع طويل الأمد وعالي الكلفة في أوكرانيا أكان عسكرياً أو لجهة العقوبات وتبعاتها الاقتصادية. ولهذا فإن هناك مسارين محتملين، الأول هو الحصول على ضمانات خطية أوروبية للخروج بحل سياسي، والثاني غزو محدود جغرافياً بأقل الخسائر بانتظار تنازل الطرف الآخر (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).

وفي الوقت الضائع، ينفع التهويل والتهديد كثيراً في رص الصفوف وتحقيق بعض التنازل عند الجانب الآخر.

المصدر: موقع المدن

شارك