جسر: تقارير:
يخرج منصور الحرستاني “ببوره” الذي يعود إلى “القرون الوسطى”، كما يصفه ويضعه على رف المطبخ قائلاً “اللي مالو قديم مالو جديد” ويبدأ بإعداد وجبة فطور رمضان عليه، بعد أن عجزت بطاقة الأسد الذكية عن تأمين متطلباته من مادة “الغاز”.
“الببور” وسيلة تعمل على “الكاز”، اضطر أهالي غوطة دمشق الشرقية، إلى إعادة استخدامها في زمن الحصار الذي فرضه نظام الأسد عليهم، مع بداية الثورة، أثناء سيطرة قوات المعارضة عليها، ولكن الآن عادوا إلى استخدامه مع وسائل أخرى، بعد أن قررت حكومة النظام توزيع مادتي الغاز والخبز من خلال ما يسمى بـ “البطاقة الذكية” عن طريق معتمدين من قبل الحكومة، يتوزعون في أحياء المدن الكبرى وحارات المدن الصغيرة والقرى السورية.
“مافي غاز”
يؤكد “منصور الحرستاني” العامل في مجال البناء في مدينة حرستا، أن “الببور المتواضع” يفي بالغرض في هذه الظروف الصعبة، فمادة الكاز متوفرة وبكثرة وهي أفضل بالنسبة له من أفران “البتوكاز”، يقول “صحيح بيقولو للي فاقد عقلو، انو خالص كازو، بس الحمدلله النظام خالص كازو وغازو كمان”.
أدوات الحصار التي كان سكان الغوطة يستخدموها في سنوات حصارهم الطويل كان أبرزها، مدافئ الحطب و”ببورات الكاز” و”صاجات” الخبز اليدوية التي عادت جميعها بفضل نظام “البطاقة الذكية”.
ويتقاسم “عدنان مالك”، معاناة “منصور”، فأسرته الصغيرة التي تقطن في دوما، لا تلبي احتياجاتها “البطاقة الذكية”، يقول مالك إن ” نظام البطاقة الذكية الخاص بأسطوانات الغاز يقضي بتوزيع أسطوانة واحدة للعائلة، كل 23 يوم بسعر 2700 ليرة سورية، لكن هذا النظام بعيد كل البعد عن الواقع، فأنا لم أحصل سوى على اسطوانتي غاز منزلي خلال 6 أشهر مضت”.
ويضيف “مالك” العامل في محل لبيع الخضروات “كل 23 يوماً اذهب لمعتمد توزيع الغاز في حارتنا، فيصرخ علي من بعيد وقبل وصولي للمركز قائلاً : “لا يوجد غاز”.
ويشبه مالك نظام توزيع الغاز هذا بالمثل القائل “العملية الطبية تنجح ولكن المريض يموت” فنظام البطاقة سار، ولكن الغاز غير متوفر.
الغاز ضرورة
وتباع أسطوانات الغاز في دمشق وريفها بشكل مهرب خارج نطاق البطاقة الذكية، ولكن بأسعار مضاعفة عن السعر الذي تفرضه حكومة النظام، حيث يحدد السماسرة سعرها ما بين ال 15 ألف ليرة سورية و20 ألف ليرة سورية، “حسب السمسار وضميره” وفقاً لـ “سعيد عبد الحميد” بائع الفلافل بمنطقة القابون شرق دمشق.
“سعيد” لا يستطيع الاستغناء عن أسطوانات الغاز المنزلي إطلاقاً فهي أساس عمله “فبسطة” الفلافل المتواضعة التي يملكها في أحد الأحياء الفقيرة بحي القابون بدمشق، مصدر الرزق الوحيد الذي يملكه لإعالة عائلته.
ويستعين سعيد بـ “صاجة” الخبز البدائي لإنتاج الخبز الذي يستخدمه في السندويش اليومي للفلافل، وفي تزويد عائلته منه مع نهاية يوم عمله، فالحكومة لا توزع للعائلة المؤلفة من 6 أفراد سوى ربطة خبز واحدة يومياً تزن 1500 غرام، وهو ما أجبر سعيد على الاستعانة بطرق بدائية، لإنتاج الخبز مستعيداً خبرة الحصار القديم.
وبدأت حكومة النظام بتطبيق نظام البطاقة الذكية على المواطنين السوريين منذ نهاية العام الماضي، كإجراء جديد يهدف للحد فوضى توزيع مادتي الغاز والخبز وللاستغناء عن الطوابير الطويل أمام المخابز.
وفرضت قوات النظام سيطرتها على الغوطة الشرقية ربيع عام 2018 بعد حملة عسكرية كبيرة مدعومة من روسيا استمرت نحو 40 يومياً وقضت بتهجير بنحو 40 ألف مواطن إلى الشمال السوري من عناصر المعارضة المسلحة والمدنيين الرافضين للعيش ضمن سيطرة قوات النظام.