إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

شارك

إنها السويداء.. ونيّف

إنها السويداء.. ونيّف

عمر قدور

استمر يوم الاثنين الإضراب والوقفات الاحتجاجية في السويداء وريفها، ومن بين اللافتات التي رُفعت في ساحة الكرامة لافتة تطالب بـ”الحرية للناشط السلمي أحمد إبراهيم إسماعيل”، من اللاذقية، وكانت ابنته قد أعلنت عن اعتقاله بتسجيل مصوّر من حسابه على فايسبوك، بعد تلقيه اتصالاً “مشبوهاً” من مديره في العمل، وقد دعت الابنة إلى أن اعتبار اعتقال أبيها قضية رأي عام. كان أحمد إسماعيل قد وضّح من قبل على صفحته أنه خارج أي مكوّن سياسي، محمِّلاً “طرفي الصراع” مسؤولية تدمير سوريا، وشتمَ كل مَن هلّل لأية مجزرة بصرف النظر عن مرتكبها، مع إعلان عدائه لكل قوى الاحتلال بما فيها روسيا وإيران. لكن الأخطر، والذي من المرجَّح أنه تسبب باعتقاله، ظهوره على صفحته في تسجيل مصوّر في العاشر من الشهر، وتعرّض فيها لحوار بشار الأسد مع سكاي نيوز العربية، فاستهل إسماعيل حديثه قائلاً أنه سمع الحديث قبل سماعه، بمعنى أن الأسد كرر ما يقول ولم يأتٍ بجديد، بل ذهب أبعد من ذلك عندما شبّه ذلك بنشرة الأخبار أو الجرائد “بل بالكلمات المتقاطعة أيضاً” التي دأبت على تكرار الكليشيهات ذاتها أيام حكم أبيه في الثمانينات.

ننصح بالعودة إلى صفحة المعتقل أحمد إسماعيل لسماع التسجيل كاملاً، والذي نسيء لفحواه ودلالاته باختصاره. ما يلفت الانتباه بقوة تلك الوقفات الاحتجاجية في السويداء التي هتف فيها المشاركون بسقوط بشار، واستعادت أهازيجهم ذكريات 2011 بعبارة “يلا ارحل يا بشار” بلا تدخل من المخابرات والشبيحة حتى لحظة كتابة هذه السطور، في حين لم تتحمل مخابرات الأسد صوتاً مفرداً لرجل في اللاذقية. على صعيد متصل، ومن دون تبنّي الخبر نذكّر بما أشيع قبل أسابيع عن تعليمات من بشار لمخابراته كي لا يتعرّض عناصرها لأبناء السويداء بالاعتقال!

في الحصيلة، يظهر تسامح الأسد مع احتجاجات السويداء بمثابة استئناف لوضعية خاصة في العلاقة بين الطرفين، وبموجبها يحظى “الدروز” بتساهل مخابراتي. ووفق الصيغة نفسها، ينتهي التساهل عند حدود “الطائفة الدرزية”، وينبغي ألا يطمع الآخرون بنيله وأن يفهموا كونهم خارج الاستثناء، وأن قمعهم هو القاعدة المعروفة والباقية. جدير بالتنويه أن الاستثناء مرتبط أصلاً بالموقف من ثورة 2011، حيث كان مشروطاً بألا تصل الاحتجاجات “الدرزية” إلى عتبة الانخراط التام في الثورة.

بعبارة أخرى، هو استثناء مشروط بالانفصال عمّا هو وطني. استئنافه اليوم فيه الكثير من الخبث، فهو يؤطّر المنتفضين من أهالي السويداء طائفياً، ويجرّدهم من أحقيتهم بتمثيل فئات واسعة جداً من السوريين الناقمين على سلطة الأسد، والصامتين خوفاً منها؛ لأسباب متباينة أحياناً ومتشابهة أحياناً أخرى.

على ذلك ينبغي، “مع التشديد على هذا”، عدم الانزلاق بعيداً في الحديث عن “خصوصية درزية”، أو الانسياق وراء تحليلات تضع احتجاجات السويداء في قالب متخيَّل من المطالبة باللامركزية، رغم أن خصوصية أية جماعة ومطالبتها بنظام لامركزي لا ينتقصان من أحقيتها أو وطنيتها. في هذا السياق، الأولى هو تصديق المحتجين في ساحات السويداء؛ أولئك الذين هتفوا ويهتفون للمدن السورية الأخرى؛ أولئك الذين رفعوا لافتة تقول: هنا السويداء.. هنا سوريا.

ما يجدر الانتباه بقوةٍ إليه أن تأكيدات السويداء على الفضاء السوري للاحتجاجات ليست من قبيل الزجل الوطني العاطفي، ولا من قبيل الإنشاء الثوري. نحن إزاء شعارات ترفض “الاستثناء الدرزي” الملغوم، حتى إذا أتى الرفض بعدما استُنفذت أغراض ذلك الاستثناء. وهي تأكيدات تبعث برسائل متعددة، منها ما هو موجّه للأسد لجهة رفض تقزيم الاحتجاجات بلعبته الطائفية المعتادة، ومنها ما يتعلق بحاجة السويداء إلى مؤازرة من المدن الأخرى تعمّم ذلك الرفض.

لا يطرح المنتفضون في السويداء مطالب خاصة أو فئوية، وإذا رفع البعض منهم علَم “الحدود الخمسة” فهذا لا يعني وجود مطالب “طائفية باطنية”، ووجود لافتة تطالب بإسقاط قاتل كمال جنبلاط لا يعدو كونه تنويعاً عاطفياً يستثمر في التاريخ الإجرامي للسلطة. التركيز على هذه المظاهر يخدم الأسد، سواءً أتى بقصد أو من دونه، لأنه يساهم في التعمية على المطالب الأساسية التي يُتوقّع أن تمثّل طيفاً واسعاً من اليائسين من الأسد ومن قيامه بأية إصلاحات حقيقية وجوهرية، بعد استنفاذه كافة الفرص مع استنفاذ قدرتهم على التحمّل.

هتف أيضاً محتجو السويداء بشعارات عن وحدة حوران سهلاً وجبلاً، أي درعا والسويداء، وهو ما يخالف بالتأكيد تفكير الأسد وإن لم تُقابَل احتجاجات درعا بالقمع الوحشي حتى كتابة هذه السطور. وربما تكفي مؤقتاً الأسد رمزيةُ درعا كمهد لثورة 2011، وبها يخوّف كثر يخشون تكرار السيناريو المرعب، أي أن رمزية درعا تحتمل التذكير باستعداده الدائم لارتكاب المجازر بقدر ما تحتمل التأكيد على استمرار الثورات عليه.

بالعودة إلى السويداء، كان لافتاً موقف شيخ العقل حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، والذي طالما ظهر أقرب إلى التهدئة إذا تحاشينا اتهامات ناشطين له بالموالاة. الشيخ الهجري، في بيان له يوم السبت، قال مباركاً الاحتجاجات في تصعيد غير مسبوق منه: “ما هكذا يُعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات والتصرفات، والحجة حرب كونية، وأيّ حرب كونية وأنتم تدمّرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه؟!”. وتقديراً لموقفه ذهب محتجون يوم الاثنين إلى دارته، فخاطبهم الشيخ الهجري بلهجة تبدو أكثر “اعتدالاً” تجاه السلطة من لهجة البيان، إلا أنه تفوّه بعبارة لا ترضي بالتأكيد تلك السلطة وهي: “نحنا لسان حق لهذا الشعب السوري كله.. اللي يوماً ما كمان حكى بلسان حالنا”.

أيضاً من السهل ملاحظة أن عبارة الشيخ الهجري الأخيرة تتعدى المجاملة، وتُدرِج احتجاجات اليوم في السويداء ضمن سياق نضالات السوريين، وهذه فكرة قد تبدو للمفارقة دخيلة على الانقسامات العميقة فيما بينهم. لذا ربما يكون من أقل ما تُقابَل به انتفاضة السويداء قبولُ أنها تنطق باسم السوريين طالما اختار أبناؤها ذلك. الحديث هنا عن قبول قائم على الثقة، بلا نفاق أو تكاذب، وهو واقعي لأنه مبني على الحاجة إلى أولئك الذين يجهرون بما يجول في خاطر معظم السوريين تحت سيطرة الأسد. يستحق أبناء السويداء أن نتذكر كيف بذل الأسد أقصى طاقته ليلصق ثورة 2011 بطائفة، وهذه قد تكون لعبة اليوم مع انتفاضة السويداء، يستحقون أن نقول معهم: هنا السويداء.. هنا سوريا. أو بتعبير يتشبّه بلافتات لهم تهزأ من الأسد: إنها السويداء.. ونيّف.

المصدر: المدن

شارك