جسر-عقيل حسين
نهاية الشهر الماضي، وفي لقاء له مع قناة الشرقية نيوز، أشار السياسي العراقي المعروف “عزت الشابندر” إلى وجود مساع أمريكية لتشكيل قوة عسكرية من المكون السني غرب العراق.
الشابندر، وهو نائب سابق ومن عرابي السياسة الأقوياء في العراق منذ سقوط النظام السابق، اعتبر أن أي سياسي أو جهة عراقية تقبل وبأي شكل كان بهذه الخطة ستعتبر “عدواً”.
طبعاً الشابندر ورغم أنه كان دائماً صاحب خطاب وطني مناهض للطائفية، ورغم علاقاته الواسعة مع السياسيين السنة، إلا أنه ينطلق في توصيفه الأخير (عدو) من موقفه المؤيد لإيران، وبالتالي فهو يرى أن هذه الخطة تستهدف مصالح طهران،، ليس في العراق فقط، بل وفي سوريا أيضاً وكذلك لبنان، أو لنقل في عموم المنطقة.
بعد أيام فقط، وفي منتصف الشهر الحالي تحديداً، قالت مستشارة وزير الخارجية الأميريكية ماري كيسل: “إن على الولايات المتحدة أن تعتمد على قوى محلية في العراق وغيرها من بلدان المنطقة، وليس على الحكومات، من أجل مواجهة التغول الإيراني في هذا البلد، منتقدة موقف بغداد المتضامن مع طهران فيما يتعلق بالتصعيد الأمريكي ضد “الجمهورية الاسلامية” مؤخراً.
وفي لقاء جمعها مع قوى محلية محافظة مؤيدة للحزب الجمهوري وللرئيس ترامب، قال كاتي وهي من أركان “حزب الشاي”: كيف يمكن لحكومة مدعومة من قبلنا وتحصل على مساعداتنا أن تقف في جانب (العدو)” في إشارة طبعاً إلى معارضة العراق لبيان القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مكة المكرمة، البيان الذي حمل بشدة على إيران، وحمّلها مسؤولية ما يجري في المنطقة من أزمات وتوتر.
المستشارة الأمريكية أوضحت بعض ما كان قد أشار إليه السياسي العراقي قبل ذلك فيما يتعلق بخطة أمريكية ما بخصوص حوض الفرات، حين أكدت في كلمتها التي نقلت مقتطفات منها قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، أن على إدارة الرئيس ترامب أن تبدأ بالعمل مع قوى ومكونات محلية متضررة أو معارضة لإيران وحلفائها في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، حيث اقليم كردستان العراق شمالاً، والعشائر العربية السنية غرب الفرات (العراق) وقريباتها العشائر السورية شرق الفرات، المنضوية في تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده الأكراد، أو القابلة للانضمام والتشارك مع هذا التحالف المدعوم من الولايات المتحدة وحلف الناتو بشكل عام، بشرط، تضيف ساندي، أن تتعلم الحكومة الحالية في واشنطن من أخطاء إدارة الرئيس السابث باراك أوباما، التي تخلت عن القوى العربية السنية التي تحالفت معها سياسياً في العراق، أو التي التجمعات العسكرية التي قاتلت القاعدة إلى جانبها، قبل أن يترك أوباما الجميع فريسة لإيران.
خلال نفس الفترة، او لنقل منذ بداية ربيع هذا العام، فصائل الحشد الشيعية العراقية أجرت وبشكل مكثف العديد من المناورات وعمليات اعادة الانتشار غرب العراق، وخاصة في محيط معبر القائم-البوكمال الحدودي، كما نفذت عمليات تمشيط بالمشاركة مع فصائل محلية سورية مدعومة من أيران أيضاً على جانبي الحدود، تحت عنوان ملاحقة خلايا تنظيم داعش، بينما كان الهدف حسب الكثير من المتابعين، تهيئة الظروف لوضع الطريق البري بين بغداد ودمشق في الخدمة، بعد أن فشل الحليف الروسي في جر البي واي دي إلى اتفاق مع النظام.
ولقطع الطرق على هذه المحاولات وغيرها، ومن أجل تكريس الوضع القائم شمال شرق سوريا على ما يبدو، تأتي الزيارات المتلاحقة التي ينفذها مسؤولون في دول حلف الناتو إلى مناطق سيطرة قوات مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” والتي كان آخره زيارة وفد سويدي يوم ١٩-٦ وقبل ذلك الزيارة التي أجراها وفد أمريكي-سعودي والتقوا جميعاً مع قيادات من المجلس الذي يعتبر الواجهة السياسية والمدنية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
زيارات تترافق مع معلومات عن بدأ تحرك أمريكي سعودي اماراتي لتشكيل القوة العسكرية العشائرية السنية غرب العراق، وهي قوة ينتظر، حسب مصادر خاصة، أن تضم في النهاية، وبتنسيق مع الاقليم الكردي (خمسين ألف) مقاتلاً، ينتظر منهم ليس فقط عرقلة الخطط الإيرانية، بل وخلق توازن عسكري مقابل الفصائل المدعومة من طهران، والتي تعتبر أحد أدوات القوة الأساسية بالنسبة لإيران في مواجهة التصعيد الأخير ضدها، حيث كشفت تقارير استخباراتية عدة عن تجهز هذه القوى الشيعية لاستهداف المصالح الأمريكية المدنية والعسكرية في العراق حال تنفيذ واشنطن تهديداتها ضد الجمهورية الإسلامية، وهو أمر متوقع جداً في ظل هيمنة ونجاح حروب الوكالات التي يخوضها أبناء المنطقة لصالح الدول الأخرى!.
والسعي لخلق ميليشات سنية أو كردية حليفة للغرب ودول الخليج ليس جديداً بطبيعة الحال، لكن الطريق أمامها لن يكون سهلاً، حيث باءت محاولات السعودية خاصة ودول خليجية أخرى باستمرار في استتباع ميليشيات سنية عراقية بالفشل لاعتبارات مختلفة، بينما تخلت الولايات المتحدة عن قوى حليفة لها بكل سهولة، بعد أن استفادت من خطة الجنرال (بترايوس) عام ٢٠٠٦ حيث ساهمت ميليشيا الصحوات التي شكلها ودعمها الجيش الامريكي في المناطق السنية العراقية في هزيمة تنظيم “القاعدة”، الأمر الذي يتطلب عملاً كبيراً ووقتاً طويلاً لبناء ثقة متبادلة، الأمر الذي يؤكد أن هذه الخطة هي استراتيجية طويلة الأمد، ما يعني بالمحصلة أن المواجهة العسكرية المنتظرة مع إيران لن تكون بالسرعة التي تبدو عليها أو يعتقدها أو يتمناها الكثيرون.
فبالنسبة للسعودية ودول الخليج، فإن سعيها لخلق ميليشيات أو استتباع ميليشيات كان دائماً إما على اساس ايديولوجي ينقلب عليها غالباً، حيث تتجه هذه القوى لتكفير النظام السعودي وتصبح عدواً له، أو على أساس نفعي مادي يفشل دائماً لأسباب ليست بحاجة للشرح.
أما الولايات المتحدة التي كانت تجربة الصحوات سبباً في احجام القوى السنية السورية عن التعاون معها، وخاصة في ملف محاربة الإرهاب، فإنها، وللسبب ذاته، يبدو أنها تعتقد أنها ستواجه صعوبات مماثلة أيضاً مع سنة العراق، وبالتالي فكلا الطرفين، الغرب والخليج، يجد في أكراد الدولتين (سوريا والعراق) مخرجاً ممتازاً.
ولهذا السبب يرى مراسل صحيفة جسر في واشنطن “إياد السعيد” أن الولايات المتحدة لم تدعم خطة مسعود البارزاني للتصويت على انفصال اقليم كردستان، بينما تركز جهودها من أجل مزيد من الانفتاح من قبل قوات سوريا الديمقراطية وواجهاتها السياسية والمدنية على العرب في مناطق سيطرتها في سوريا.
سيكون الأكراد إذاً، الذين يتمتعون بالتنظيم والأريحية المعقولة في منطقة ملتهبة، حاملة المشروع الاستراتيجي الأمريكي-الخليجي لتقويض التغول الإيراني وكبح جموح طهران، وبانضمام العرب السنة إلى الأكراد شرقي الفرات وغربه، ستكون الفرصة كبيرة في نجاح هذا المشروع الاستراتيجي حسب التوقعات.
وعليه، فنحن غالباً سنكون حيال حرب باردة قوية جداً بين الغرب والخليج وبين إيران، إلى جانب الحرب الاقتصادية طبعاً، أو هذا ما تبدو عليه خطة الطرف الأول، ولذلك فإن محاصرة إيران وإضعافها، بالتزامن مع بناء أذرع تواجه أذرع عسكرية لمواجهة أذرع طهران في سوريا والعراق وربما لاحقاً في لبنان، هو الهدف على المدى المنظور، وليس شن حرب عسكرية كما توحي الحشود والتصريحات.
لكن كيف يمكن أن تتحرك إيران وأذرعها لمواجهة هذه الخطة؟!
سؤال في غاية الاهمية وتحتاج الاجابة عليه إلماماً بالكثير من التفاصيل أيضاً.