جسر: ترجمة:
حسن قاسم
أفردت مجلة “إيكونوميست” غلاف عددها اﻷخير، الصادر أول من أمس، لصورة بشار اﻷسد فوق ركام سوريا تحت عنوان “انتصار اﻷسد اﻷجوف”، وخصصت مقالها اﻷول للحديث عن آثار المأساة السورية المستمرة على المنطقة والعالم، ومصير إدلب والسوريين فيها. تضع جسر بين أيديكم النص الكامل للترجمة العربية للمقال.
“اﻷسد أو نحرق البلد” لسنوات لطخت قوات اﻷسد بهذه العبارة جدران البلدات التي استعادتها. دفع الثوار الطاغية إلى حافة الهاوية. لكن اﻷسد تجاهل تهديدات القادة الغربيين الفارغة، واستعان بمساعدة إيران وروسيا. وفياً لشعاره، دمر اﻷسد مدناً بأكملها، ضرب شعبه بالغاز وجوّعه. البقية من الثوار، تتحصن في إدلب، وهي أيضاً ستسقط قريباً. رغم كل الصعاب، فقد انتصر الوحش.
ومع ذلك فهو انتصار أجوف، بعيد عن توفير الاستقرار، كما يدعي اﻹيرانيون والروس؛ فقد هجر اﻷسد نصف السكان. ثماني سنوات من الحرب اﻷهلية دمرت الاقتصاد وكلفت 500.000 حياة. لا يملك اﻷسد أي خير يقدمه لشعبه. بلاده ستكون تعيسة مقسمة. والعواقب ستكون محسوسة بعيداً وراء حدودها.
في إدلب، ستحدد لحظة انتصار اﻷسد بدقة. حوالي 3 ملايين شخص يعيشون هناك، كثير منهم فر من الاقتتال في مناطق أخرى. يتحكم بالمنطقة الثوار اﻷكثر صلابة، الجهاديون المرتبطون بالقاعدة، وهم لن يغادروا بهدوء. وهذا أيضاً، إرث وحشية اﻷسد. فقد أطلق سراح مئات الجهاديين في 2011؛ على أمل أن يشوهوا وجه اﻻنتفاضة السلمية متعددة الطوائف. يقصفهم النظام اﻵن، إلى جانب المدنيين والمشافي. سيأخذ الاجتياح وقتاً وسيكون دموياً.
حين سيتوقف القتال ستبقى التوترات التي هددت النظام باﻷساس، لكنها ستكون أسوأ منها في أي وقت مضى. بداية بالدين، تمسك والد اﻷسد، حافظ، ابن اﻷقلية العلوية، بالسلطة من خلال الموازنة بين الأديان في البلاد. أما ابنه فصور معارضيه السنة كأصوليين، كوسيلة لتعبئة الأقليات الدينية الأخرى، مثل المسيحيين والدروز والسوريين العلمانيين، لدعمه، ونزح ملايين السنة من البلاد، ما أدى إلى خلق ما تحدث عنه الأسد (مجتمع أكثر صحة وانسجاما)، ومع ذلك بقي ملايين السنة الذين شاهدوا بيوتهم تنهب، وأملاكهم تصادر، وأحياء تسيطر عليها الجماعات الموالية للأسد، ولهذا السبب سيظلون بسبب سخطهم واضطهادهم المصدر الرئيس لمعارضة النظام.
أما الأمر الثاني فهو مظالم السوريين، ففي عام 2011 وحّد الفقر وفساد النظام وغياب المساواة الاجتماعية، السوريين، لكن الأمور أصبحت أسوأ من ذي قبل، وتعتقد الأمم المتحدة أن ثمانية من كل عشرة سوريين فقراء، أما البلد فمعظمه دمار وأنقاض، إلا أن خطط الحكومة لإعمار البلاد قد تؤدي إلى تمزيقه، وستكلف عملية الإعمار ما بين 250- 400 مليار دولار أمريكي، ولهذا وجه الأسد الموارد المتوفرة للإعمار في المناطق الموالية له، أما أحياء الفقر السنية، التي لم تحصل على موارد، فقد تم إعادة تطويرها لتخدم البرجوازية الداعمة له، ويحصل أصدقاؤه على الأرباح في وقت تظهر فيه خطوط الصدع الدينية والطبقية وتتوسع أكثر.
ثم هناك وحشية الأسد، فقد احتفظ والده حافظ بالسلطة من خلال الشرطة السرية وحملات القتل المتفرقة. أما الابن، الذي كاد أن يخسر السلطة، فعمل على تعذيب وقتل أكثر من 14 ألف شخص على الأقل في شبكة النظام الواسعة من السجون السرية، وبحسب منظمة (هيومان رايتس ووتش) والمنظمات غير الحكومية، فإن هناك ما يزيد على 128 ألف معتقل لا يزالون في أقبية السجون، مع احتمال وفاة معظمهم. وحتى مع قرب احتمال نهاية الحرب، لم يتوقف الإعدام، وفقد كل سوري، تقريباً، أحد أقاربه في الحرب، ويتحدث المحللون النفسيون بتشاؤم عن انهيار المجتمع.
أخيراً، هناك ديون اﻷسد ﻹيران وروسيا، فهو مدين بانتصاره ﻹمداداتهم؛ من قوة نارية، ومشورة، وأموال، واستعدادهم لدعم مارق منبوذ. وهم يتوقعون السداد مع الفائدة.
انتصار اﻷسد بالنسبة للسوريين كارثة، لكن خصومه مستنزفون، لذلك، وعلى الضد من ضعفه، فإنه مازال يستطيع التمسك بالسلطة لسنوات، ومع استمراره في المنصب، فإن بؤس سوريا سيمتد عبر الإقليم.
جرت الحرب السورية عددا من القوى الإقليمية، وهذه فوضى مرشحة للنمو، إذ تتعامل إيران مع سوريا على أنها جبهة ثانية لمواجهة إسرائيل، ودعم حزب الله، وكيلها في لبنان. فيما شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية أثناء الحرب، وفي شهر آب شنت غارات بطائرات مسيرة على مقرات لحزب الله في بيروت. بينما تهدد تركيا، التي لديها قوات في شمال سوريا، بشن هجمات ضد الأكراد الذين ترى أنهم إرهابيون، ما قد يؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية، التي تدعم القوات الكردية وتحاول تهدئة اﻷتراك.
سيزعزع اللاجئون استقرار جيران سوريا أيضًا. أولئك الذين فروا من الأسد لا يريدون العودة، بل إن أعدادهم ستزداد مع اجتياح إدلب. وكلما بقوا في المخيمات، زاد خطر تحولهم إلى الشتات الدائم. إنهم بالفعل يُقلقون البلدان المضيفة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، حيث يتهمهم العديد من السكان المحليين باستنزاف الموارد وشغل الوظائف. وقد أعادت تركيا بعضهم، حتى إلى أماكن مثل إدلب.
وهذا قد يمتد إلى العالم الأوسع؛ يتعرض اللاجئون المُهجَّرون من بلادهم، وغير المرغوب فيهم في الخارج، لخطر التطرف. تركت تكتيكات الأسد الوحشية قطاعات واسعة من شعبه معذبة ومهمشة. سجونه ستحتضن التطرف، و هي أخصب أرض لتنظيم “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”، والتي تقول الحكومة الأميركية إنها “تعاود الظهور في سوريا”! في أيار، ألقت الولايات المتحدة 54 قنبلة وقذيفة على الجهاديين في العراق وسوريا، وارتفع هذا العدد إلى أكثر من 100 في كل من حزيران وتموز.
بعد فشلها في التحرك في الأيام الأولى للحرب، عندما كان بمقدورها طرد الطاغية، فإن الدول الغربية اﻵن لا تستطيع فعل الكثير لتغيير المسار في سوريا. يعتقد بعض الزعماء الأوروبيين أن الوقت قد حان للتعامل مع الأسد، والمشاركة في إعادة الإعمار في سبيل إعادة اللاجئين إلى الوطن. هذا مضلل؛ لن يعود اللاجئون طواعية، أما إعادة الإعمار فلن تفيد إلا النظام وأمراء الحرب والأجانب الذين ساندوه. الأفضل ترك الفاتورة لروسيا وإيران.
بدلاً من ذلك، يجب على الغرب تقديم المساعدة الإنسانية لتخفيف معاناة السوريين، والتهديد بالانتقام فيما لو قام النظام بأعمال شنيعة؛ كاستخدام السلاح الكيماوي. يجب أن تبقى الولايات المتحدة منعاً لظهور داعش والقاعدة مجدداً. وما دام اﻷسد مخولاً بإدارة سوريا وإفسادها، فإن من الأفضل إنفاق أموال المساعدات في مساعدة جيرانها. لقد عانى السوريون بشدة، ومع انتصار الأسد، سيستمر بؤسهم.