جسر: خاص:
في محاولتها السيطرة على مدينة السويداء، انتهجت إيران عدة تكتيكات؛ تنوعت بين استخدام بعض الأطراف والقوى المجتمعية المحلية ضد أبناء المدينة للضغط عليه إلى جانب العمل على سحب السلاح من أياديهم. وفيما يلي استعراض ﻷهم هذه التكتيكات:
اللعب بورقة داعش
صرح مندوب النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري أن تنظيم داعش استطاع الانتقال من الشمال السوري إلى تلول الصفا، وقَدّر عدد الأفراد الذين تم نقلهم بما يزيد عن 2000 عنصر.
وكما هو معروف للجميع، فإن النظام ومعه إيران مسؤولان عن نقل مقاتلي التنظيم من مخيم اليرموك جنوب دمشق إلى بادية السويداء، وذلك عبر اتفاق تم الإعلان عنه وتنفيذه، رغم اعتراض أهل السويداء عليه. وإلى حد ما تعتبر مدينة السويداء المنطقة الوحيدة في الجنوب السوري الخارجة عن سيطرة النظام وحزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية، فقد جرت عدة محاولات للسيطرة عليها باءت جميعها بالفشل وتنوعت بين شراء أراض في المدينة أو بناء مراكز دينية تابعة لإيران أو تجنيد مجموعات تابعة للحزب فيها. وكانت آخر هذه المحاولات هي تسهيل هجوم داعش على المدينة في 25 تموز/يوليو 2018، أو ما يُعرف بالأربعاء الأسود. وتم خلال تلك الأحداث التحقيق مع عناصر في التنظيم ممن قبض عليهم فصيل “مشايخ الكرامة” المحلي، واعترف هؤﻻء العناصر خلال التحقيق بتدريب وتسليح مشترك لهم من إيران وحزب الله اللبناني، إضافة لاعترافهم بوجود ثلاثة مواقع متفرقة تتبع لحزب الله ضمن بادية السويداء الشرقية، وهي نقاط مراقبة وإمداد كانت تقوم بتزويد عناصر التنظيم بالطعام والشراب والمواد الطبية، وتشرف على تأمين حركتهم من عمق البادية السورية في صحراء تدمر إلى منطقة تلول الصفا.
واللافت في الأمر أن عملية النقل تلك سبقتها عمليات دفع أموال طائلة من أجل شراء أكبر كمية ممكنة من السلاح من محافظة السويداء؛ ما يُشير إلى هجوم كبير يتم التحضير له، والهدف منه السيطرة على المدينة بعد إحكام الحصار عليها من كل الجوانب.
اقرأ ايضا: استراتيجية إيران وحزب الله في السيطرة على محافظة السويداء (1)
تجنيد البدو المنتشرين على أطراف المحافظة
على الرغم من الزيارات المتكررة لبعض المرجعيات الشيعية والإيرانية إلى السويداء بهدف تسويق وجود مقامات دينية شيعية في المحافظة، قوبلت هذه الجهود والمساعي بالرفض من قبل مختلف القيادات المحلية والمجتمع، حيث لا يوجد تاريخيا أي مقامات دينية شيعية في المحافظة.
ولذلك عمل حزب الله على استقطاب البدو المنتشرين على أطراف المحافظة، وتجنيدهم لحسابه، إذ توجد نسبة لا بأس بها منهم تتبع المذهب الشيعي، ومجموعات كبيرة منهم معروفون بتبدل ولائها.
ففي بداية الثورة السورية عملت مجموعات من البدو لصالح الأمن العسكري التابع للنظام، ومن بعدها عملوا مع الفصائل المسلحة المعارضة، ومن ثم “جبهة النصرة”، وأخيرا مع تنظيم داعش قبل طرده من المنطقة باتجاه عمق البادية شرق السويداء، واليوم يبدو أنهم يميلون إلى حزب الله والمليشيات الإيرانية.
وقد نجحت إيران ومليشيات حزب الله في هذا الأمر إلى حد كبير، حيث أن أكبر المجموعات التابعة لحزب الله في الجنوب السوري هي مجموعة يقودها فيصل الصبيح نائب قائد ألوية العمري السابق ومساعده مفلح البصرة، ويصل عدد مقاتليها إلى قرابة 700 مقاتل جلهم من بدو محافظة السويداء الذين تم تطويعهم مؤخرا لصالح ميليشيا حزب الله، وتنشر هذه المجموعة في كل من منطقة اللجاة والشريط الحدودي السوري-الأردني جنوب درعا. فضلا عن انتشار مجموعة كبيرة في منطقة حوش حماد، وهي عبارة عن ميليشيا مكونة من 300 عنصر جميعهم من بدو اللجاة والسويداء، وتتبع للنظام شكليا، وكانت تعمل في ريف السويداء الشرقي، وتم نقلها إلى منطقة اللجاة عقب عمليات التسوية حيث تم تجنيدها من قبل ميليشيا حزب الله.
محاولات تفريغ السويداء من السلاح
شهدت مدينة السويداء عملا مشتركا ومكثفا من قبل النظام ومليشيات إيران من أجل تفريغ المدينة من السلاح عبر إرسال تجار لشرائه بأسعار مغرية، إضافة إلى وكلاء من أبناء المحافظة نفسها، وقد تراوحت أنواع السلاح الذي تم شراؤه بين الخفيف والمتوسط، بالإضافة إلى شراء الذخائر واستهداف الأشخاص الذين يعانون من ضائقة مالية لشراء السلاح المتوفر لديهم مقابل دفع مبالغ كبيرة.
ويهدف النظام بهذه الخطوة إلى سحب أكبر عدد ممكن من السلاح الموجود لدى الفصائل والأهالي، مستغلا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه نسبة لا بأس بها من أهالي المحافظة، وترافق ذلك مع تقدم قوات النظام وميليشياته باتجاه المحافظة، ودخول قسم من قواته إلى مدينة السويداء تحت ذريعة حماية المباني التابعة للنظام، وحفظ الأمن بضبط واعتقال عصابات الخطف والسرقة المدعومة أمنيا من الأفرع التابعة له.
وحقيقة، فإن هذه الخطة العسكرية والأمنية التي قام بها النظام داخل المحافظة أتبعها بقرار محكم بالتنسيق مع شيخ العقل في السويداء يوسف جربوع وشيخ العقل في لبنان ناصر الدين الغريب حصر دخول رجال الدين من لبنان إلى سوريا ببطاقة موقعة من قبل الشيخ الغريب في لبنان، وهو ما تم ترجمته على أنها خطوة جديدة في تطويق المحافظة، فالنظام ساهم حتى بفرز رجال الدين بين موال ومعارض، والهدف من هذا الإجراء منع وصول أية مساعدة مالية أو دعم مباشر لأبناء المحافظة و”رجال الكرامة” من لبنان عبر ضبط تحركات رجال الدين غير المقربين من عباءة النظام.
أن التنوع سمة من سمات المنطقة بشكل عام وسورية بشكل خاص، و يمكن أن يكون أساسا للوحدة ويسمح للمجتمع بالعيش من دون نزاعات أو عنف كما يقول جاك شيراك الرئيس الفرنسي الأسبق1، وأن يكون عامل قوة وصمود، إلا أن أبشع ما لجأ إليه النظام وحليفيه (إيران وحزب الله) في الحالة السورية أنه نقل الاختلاف بين المكونات من وضع الكمون والتعايش إلى وضع الاقتتال المعلن، وحاول ترسيخه بشكل كبير في مدينة السويداء من خلال محاولاته الحثيثة لزرع الفتنة بين السهل والجبل تارة، وإذكاء الصراع والتناحر بين بدو السويداء السنة وأبناء المدينة من الدروز. إلا أن ما تعيشه السويداء اليوم بسبب موقفها الرافض لخطط النظام وحلفائه يدلل على ضرورة التغيير في سورية، وعلى ماهية الثورة السورية أنها لكل السوريين دون استثناء.
_______________________________________________________________________________
1- سلام الكواكبي، العربي الجديد، إدارة التنوع مقياس التطور