فرهاد حمي
ترسخت الخارطة السياسية في تركيا بين قطبين متضادين على المستوى الداخلي والخارجي منذ التسعينيات، الأول ينعت بـ” الكتلة الأطلسية”، التي تربعت على عرش السلطة عقب انقلاب الجنرال كنعان أفرين والعناصر العسكرية الموالية للناتو، وعكست مسارها السياسي في ظل حكومات (تورغوت أوزال، تانسو جيلر- دوغان جورش، وبولنت أجاويد)، ومن ثم عززت نفسها من خلال إيديولوجية جماعة فتح الله غولن وهيمنة حزب العدالة والتنمية (الجناح الموالي للغرب) في حقبة ما بعد الألفية.
الرافعة الاقتصادية التي ساندت هذه المجموعة هي جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسياد) واتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (توسكان) اللتان تعملان في نطاق عقيدة النيواليبرالية والإسلام السياسي المتكيف مع مذهب الاقتصاد الحر.
(الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع مستشاره يوغيت بولات)
في حين يُعرف القطب الثاني بـ”الأوراسيون” الذي يستوحي أيديولوجيته من النموذج الصيني- الروسي، وينشط محلياً من خلال النخب البيروقراطية الكمالية القومية الممتعضة جراء اقصائها من الليبرالية الغربية، والجماعات الإسلامية المضادة للغرب (نجم الدين أربكان) وميراثها التي تسللت فيما بعد إلى بنية حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى بقايا الماوية- اللينينة أمثال اليساري الكمالي دوغو برنتشيك. وكانت هذه المجموعة مدعومة اقتصادياً على المستوى المحلي من قبل أوليغارشية جمعية رجال الأعمال الأتراك المستقلين “موصياد”، التي ينحدر غالبية أعضائها من الطبقة الوسطى والبرجوازية المحلية ذوي خلفية قومية وإسلامية يمينية، وتؤمن بعقيدة رأسمالية الدولة المركزية على غرار النموذج الصيني- الروسي.
الاحتراب الذي دار بين هاتين المجموعتين على مستوى الصراع السياسي تمثل في تخندق المجموعة الأطلسية في فلك قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لرسم ملامح نظام دولي جديد ما بعد الاتحاد السوفياتي، في حين تمترست الكتلة الأوراوسية خلف صعود الصين وإعادة تموضع روسيا بالضد من النزعة الليبرالية الأمريكية. كتب دوغو برنتشيك عام 1996 أطروحة بعنوان “البديل الأوراسي” التي دونت رؤيته كمدافع شرس عن النظام الدولي الجديد من خلال بوابة صعود الصين وروسيا ضد الهيمنة الأمريكية الدولية. وهي الرؤية التي يتشاطرها زميله الروسي إلكسندر دوغين المبشر للنزعة الأوراسيوية، ويقدم خدمات استشارية لطاقم الرئيس الروسي بوتين.
دوغين – برنتشيك
من المهم ولو اختصاراً تتبع مسيرة الكسندر دوغين، الذي كان يوثق علاقات استراتيجية منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم مع دغو برنتشيك بغرض تشيد النزعة الأوراسية في كل من تركيا وروسيا معاً. حيث خاض دوغين _بالتعاون والتنسيق مع النخب الروسية القومية المتطرفة، وثلة من الطاقم العسكري والمخابراتي من بقايا النظام الروسي القديم_ صراعاً مفتوحاً ضد السياسيات الليبرالية التي كان ينتهجها الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، ودعم مساعي بوتين، عقب استلامه مقاليد الحكم، في هدم النيواليبرالية وتعزيز قبضة الدولة على الاقتصاد على الطريقة الصينية.
هذه التجربة السياسية في روسيا ستشجع دوغين على ترسيخ علاقات محورية مع دوغو برنتشيك بغرض تدشين مؤسسات مشتركة وتجميع مناصري أوراسيا بغية تكرار التجربة البوتينية في مواجهة المحور الغربي داخل تركيا. بيد أن حداثة هذا المحور الناشئ ستصطدم بقوة نفوذ الجيش التركي الموالي للناتو، الذي لم يفسح المجال أمام الكماليين والمجموعات الإسلامية اليمينية، المناهضة للنزعة الأطلسية، في تحول رؤيتهم السياسية إلى واقع مستدام. وكان الانقلاب الذي سمي “ما بعد الحداثة” عام 1997 رمزاً تاريخياً لهذه الانتكاسة.
وعلى الرغم من ذلك، لم يتراجع هذا المحور من مطاردة أهدافه، حيث تزايدت حظوظه مع إحكام بوتين قبضته على مقاليد السلطة في موسكو بالتنسيق مع الاوليغارشية القومية الروسية. وتضاعف حجم التنسيق بين دوغين والمجموعات الكمالية الحانقة ضد الغرب في تركيا في هذه المرحلة، إذ عُقدت سلسلة من لقاءات دورية في كل من اسطنبول وأنقرة منذ عام 2002 إلى 2012. وبهذا من الممكن صياغة هذه الحقبة بأنها مرحلة الانتقال الايديولوجي إلى الترسيخ المؤسساتي والفعل السياسي المعارض ضد الغرب.
شعر المحور الأطلسي مجدداً بمخاطر هذه التحركات، وكانت “قضية أرغانكون”، التي وصفت بأنها محاولة تنفيذ انقلاب عسكري من قبل النخب الكمالية المناصرة لأوراسيا عام 2007، بمثابة محاولة انقلابية ثانية أجهضت من قبل المحور الأطلسي، حيث اُعتقل على إثرها أكثر من /70/ شخصية عسكرية وإعلامية وأكاديمية مرموقة، فضلاً عن اعتقال زعيم حزب الوطن دوغو برنتشيك، بتهمة تدبير الانقلاب، وإنكار إبادة الأرمن على أنها ” كذبة امبريالية” على حد تعبيره.
وصف الكسندر دوغين، في مقالة صحفية نشرها حينذاك، هذه الحادثة بأنها انقلاب ضد المحور الأورواسي الموالي لموسكو، وطالب موسكو في الوقت نفسه بدعم هذه المعارضة بقوة ضد المحور الأطلسي. في حين نُعتت هذه الحادثة من قبل الأوساط السياسية المحايدة في تركيا بأنها عبارة عن تطهير بقايا منظمة الغلاديو التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الاتحاد السوفياتي أبان الحرب الباردة، وذلك لإفساح المجال أمام “الغلاديو الجديد” الذي تقوده المجموعة التركية الأطلسية من أجل مؤازرة الرؤية الأمريكية حول أوراسيا.
تصديق أردوغان
مع تفجير “الربيع العربي” راقب الكثير من الخبراء والمحللين ميول أردوغان لمسايرة هذه الكتلة، وخرجوا باستنتاجات تفيد بأن حزب العدالة والتنمية يستخدم ورقة “أوراسيا” لتدعيم موقفه الاستراتيجي في مواجهة أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل في المنطقة، في الوقت الذي رجحت العديد من الأوراق البحثية والأكاديمية بوصف هذه البراغماتية الاردوغانية من خلال تأجيج خطاب أوراسيا المعادي للغرب كوسيلة ابتزازية من أجل نيل نصيب من الكعكة المنشودة، لا سيما أنّ الخطاب التركي ينظر إلى الأحداث المضطربة في الشرق الأوسط على أنها تدشين “الشرق الأوسط الجديد”.
وفي هذه الأثناء، وتحديداً في فترة 2013 -2015، ستكون تركيا أمام أحداث انعطافيه وتاريخية؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سحب منظومة صواريخ باتريوت من الأراضي التركية بعد سقوط الطائرة الروسية، ونفض قبل ذلك يده من التيار الإسلام السياسي في المنطقة بعد إخفاقه في إحداث تغيرات مرجوة، وخاصة بعد مقتل السفير الأمريكي في ليبيا على يد الجماعات الإسلامية المتشددة، وتعثر الجماعات المسلحة في سوريا على قلب الطاولة على نظام بشار الأسد، تزامناً مع تعزيز النفوذ الكردي في سوريا في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتنسيق مع التحالف الدولي.
كان عام 2013 ، وفق ما يقوله البرفسور اوكتاي تانرسفر في كتابه “التحول التركي صوب أوراسيا”، نقطة مفصلية في الخارطة السياسية التركية، وذلك عقب تفجير أحداث “غازي بارك” التي وصفت من قبل مناصري أوراسيا بأنها مؤامرة غربية- أطلسية ضد تركيا، وبموازاة ذلك، تم إجهاض مشروع السلام بين أوجلان ورجب طيب أردوغان من قبل الأخير، حيث اُعتبر (مشروع السلام) من قبل الأوساط الأوراسية، على أنه محاولة غربية لتقسيم تركيا من خلال رؤية الاتحاد الاوروبي في فدرلة تركيا.
يسرد أكتاي هذه الأحداث بصورة تفصيلية، ويشير بأن غالبية قيادات كتلة أوراسيا كانت تقبع في السجون، ومن ثم جرى الإفراج عنها، وعلى رأسهم دوغو برنتشيك بداية عام 2014، وبدأت تغير تموضع هذه الكتلة التي كانت تقف في صف المعارضة لتمسك زمام النظام الرسمي، مؤكداً بأن أردوغان نفسه قدم لهم الشرعية والنفوذ داخل الدولة عام 2013.
وتعزز هذا المسار بصورة متسارعة عقب مقتل السفير الروسي في أنقرة، وسقوط الطائرة الروسية في الأجواء التركية- السورية، والانقلاب الفاشل عام 2016، لتصبح المجموعة الأوراسية نافذة بقوة في السلطة، وبدعم مباشر من موسكو على المستوى الأمني والعسكري من جهة، وبالتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني بغرض تعميق العلاقات الاقتصادية بالضد من النفوذ الاقتصادي الغربي من جهة أخرى.
برنتشيك – بولوت
في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو عام 2016 وما تلاها من الأحداث، سيبرز اسم برنتشيك بقوة في الساحة السياسية. حيث كتب المحلل السياسي ليوناردو فينزيني، الذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية “صوت أوروبا”، مقالة بحثية ملفتة بعنوان” إذا كان لأردوغان رئيساً، يجب أن يكون دوغو برنتشيك”، وسرد فيها أهمية نفوذ برنتشيك داخل جهاز الدولة. موضحاً أن عمليات تطهير داخل جهاز الدولة شملت (القوات المسلحة، والبيروقراطية المدنية، وجهاز المخابرات المركزي ومناصري جماعة فتح الله غولان ..إلخ)، وتالياً أبقت العديد من المناصب شاغرة، مما كان يتطلب إشغالها بصورة عاجلة، وعلى وجه التحديد جهاز المخابرات المركزي وقيادة الدرك ووزارة الدفاع. ولفت أن غالبية الذين شغّلوا هذه المناصب كانوا من أتباع دوغو برنتشيك، وأن ثلاثة من رؤساء جهاز المخابرات المركزي “ميت” قبل فترة الرئيس الحالي حقان فيدان كانوا ينتسبون إلى حزبه (حزب الوطن). وينطبق هذا الأمر على السلك القضائي والإعلامي والبيروقراطي المدني.
لن يكتفي أردوغان، الذي انشق من المحور الأطلسي في هذا التوقيت، بالتنسيق حصراً مع برنتشيك، بل سيستعين بشخصية غامضة ستفاجئ الساحة السياسية التركية. إذ سيعّين في عام 2013 “يغيت بولوت”، صحفي واقتصادي تركي ينحدر من خلفية قومية متطرفة وقريبة من ميول حزب دولت باهجلي، كما أنه من أشد مناصري أوراسيا بالضد من النزعة الأمريكية في تركيا، بمنصب كبار مستشاريه.
تتطابق رؤية بولوت، الذي كان يعمل في السلك الإعلامي ويدير قناة /24/ التركية، بصورة شاملة مع دوغو برنتشيك، ويعتبر من صقور حزب العدالة والتنمية في الوقت الحالي، وعرَّاب تمكين محور أردوغان- برنتشيك – باهجلي، ويطالب بضرورة قطع أوصال المحور الغربي الأطلسي داخل تركيا. كما يعد مروِّجَ نظرية المؤامرة التي كانت تزعم بوجود مخطط غربي يهدف إلى تصفية أردوغان من قبل مناصري المحور الأطلسي خلال أحداث غيزي بارك.
بولوت، الذي أصبح مستشار أردوغان الرئيسي، اتفق مع برنتشيك على أن تركيا تخوض حرب الاستقلال الثاني ضد الامبريالية الغربية، وعليه، شدد بضرورة عقد علاقات استراتيجية مع كل من روسيا والصين لردع المحور الأطلسي في المنطقة، واقترح منذ عام 2013 بوجوب تأسيس نظام رئاسي والذي يعتبر ضرورة ملحة بغية الانقلاب على الغرب. وعلى هذا النحو، كان بولوت يقف خلف مبادرات أردوغان لتصفية ميراث الإصلاحيين الأطلسيين داخل حزب العدالة والتنمية كأمر لا بد منه، وذلك من أجل تعبيد الطريق أمام تركيا صوب النظام العالمي الجديد بقيادة الصين وروسيا، وفق ما نقلته صحيفة المونيتور الأمريكية.
اعتباراً من هذه اللحظة سوف يتحرك بولوت مع دوغو برنتشيك في تمتين العلاقات مع الصين وروسيا بريادة الرأسمال البرجوازي التركي الموالي لأوراسيا” موصياد”، وتقليص نفوذ الجمعيات الاقتصادية التركية الموالية للمحور الأطلسي” توسياد” وإزالة أعمال “توسكان” بصورة كاملة عقب الانقلاب الفاشل. هذه الانعطافه التاريخية في بنية الاقتصاد ستكون من أهم مسببات جوهرية وراء الأزمة الاقتصادية الحالية.
التوجه صوب الصين
وعليه، سيتقدم أردوغان وبالتشاور مع بولوت وبرنتشيك في فتح قنوات التواصل مع الصين بغرض الاستفادة من التكنولوجية الصناعية المتطورة وخاصة في المجال الطاقة النووية والبديلة والتكنولوجية العسكرية لتعزيز القدرات الدفاعية المحلية، فضلاً عن رغبة المحور الأوراسي التركي في استغلال مبادرة الصين للحزام وطريق الحرير الجديد في إحداث توازن مع النفوذ الاقتصادي الغربي في تركيا؛ وفي هذا السياق، يشكل إنشاء طريق” باكو- تفليس- قارص- ادرنة” محور المحادثات التركية- الصينية في هذه الفترة.
وتأكيداً على ما سبق، أشار بولوت في إحدى مقابلاته الصحفية: “تركيا لا تحتاج إلى المنتوجات الغربية والأمريكية، ويجدر استبدال هذه العلاقات التجارية بتعزيز العلاقات الاقتصادية بشكل متين مع روسيا والصين”، فضلاً عن إصرار برنتشيك- أردوغان في دعم مبادرة شنغهاي الصينية بالضد من عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، غير أن ثمة تحديات تقف حجرة عثرة في هذا المسعى من بينها “قضية الإيغور الترك” في إقليم تشنجيانغ الصينية، وهو ما يحاول الطاقم الأوراسي التركي تجاوزه.
خلال السنوات الثلاثة الماضية، زار برنتشيك مع وفود اقتصادية من “موصياد” إقليم تشنجيانغ بالتنسيق مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني من أجل تعزيز رأسمال القومي التركي “موصياد” في تلك المنطقة بهدف امتصاص سخط الأقلية الإيغورية، في المقابل، طلبت الحكومة الصينية، وفق التقارير التي تراقب حيثيات هذه الزيارات، بوجوب تراجع حكومة أردوغان عن تأجيج هذه الورقة التي تزعزع الاستقرار الصيني الداخلي، وتخدم المساعي الأمريكية في قطع طريق الحرير الجديد.
يروج برنتشيك وفق ما تنشره موقع حزبه “الوطن” بأن أمريكا تسعى إلى إنشاء كردستان في قلب الشرق الأوسط وزعزعة الأمن الصيني من خلال ورقة الإيغور الأتراك بغرض إجهاض محور أوراسيا وقطع طريق الحرير الجديد. وتبعاً لنتائج هذه الزيارات والمؤتمرات المشتركة بين الطرفين يُلحظ تراجع أردوغان بصورة جلية وتدريجية عن إثارة ملف الإيغور الترك وخاصة منذ العام الماضي.
استناداً إلى جملة التصريحات واللقاءات التي نشرت على لسان دوغو برنتشيك ويغيت بولوت، ستكون الحماية الأمنية لتركيا من بوابة روسيا، وتعزيز القدرة الاقتصادية من خلال الصين بمثابة بديل حيوي للناتو وللاقتصاد الليبرالي الغربي الناشط في تركيا. وذهب بعض مناصري أوراسيا مؤخراً إلى أبعد من ذلك، حينما طالبوا بهدم البورصة وسوق الأوراق المالية في تركيا، تمهيداً لتحطيم نفوذ الشركات الغربية الكبيرة في تركيا لصالح الاقتصاد الذي تديره الدولة.
واعتبروا بأن هذه الخطوة، وإن كانت ستفقد القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة في تركيا، من المرجح أن تعزز من هيمنة الدولة عبر النظام الرئاسي الذي شيده أردوغان كما يقول الصحفي التركي المعروف مراد يتكين، وتالياً ستخرج تركيا من مقصلة ابتزاز النزعة النيوليبرالية الاقتصادية الموالية للأطلسية في تركيا كنسخة من تكرار النموذج الصيني – الروسي بالنكهة التركية.
ترسيم الاستقطاب ضد الغرب
انطلاقاً من هذه المعطيات المرتسمة، خرجت “البراغماتية الاردوغانية” ضد الغرب من كونها مناورة سياسية لتعزيز موقعه السلطوي إلى استراتيجية متكاملة الأطراف على المستوى الداخلي والخارجي، وخصوصاً مع تنصيب صواريخ إس /400/ الروسية على الأراضي التركية مؤخراً، الذي وصفه دوغو برنتشيك عبر تغريدة على حسابه تويتر” بأنه انتصار لروح الثورة الكمالية ضد الغرب”.
على ضوء هذه الوقائع المذكورة، تبدلت خارطة الاستقطاب الداخلي في تركيا تبعاً لتغّير بوصلة النظام الدولي المحتدم في المنطقة وفق ما يقوله الكاتب التركي سلجوق جولاك أوغلو، حيث انفك الإسلام اليميني المتطرف بقيادة أردوغان عن مناصري المحور الإسلامي المرن الذي كان يقوده عبد الله غول وداوود أوغلو وعلي باباجان وفتح الله غولن، في حين
حدثت القطيعة من قبل النخب الكمالية اليسارية أمثال دوغو برينتشيك وبعض القيادات البيروقراطية والعسكرية مع سياسة قليجدار أوغلو وعناصر الجيش، الموالية لحلف الناتو، والذين جرى تقليص نفوذهم جراء حملات الاعتقال المنظم نتيجة الانقلاب الفاشل، بينما تخندق زعيم الحزب القومي التركي دولت باهجلي مع محور برينتشيك- أردوغان- بولوت في
مواجهة الزعيمة القومية ميرال اكشنار الموالية للغرب. وفي محصلة التناحر الاقتصادي، تصاعد نشاط جمعية “موصياد” المتحالفة مع النظام الرئاسي التركي على حساب تراجع نفوذ “توسياد” وتحطم “توسكان” من المشهد الاقتصادي المحلي.
وجراء هذا الاستقطاب الحاد، تم محاصرة التيار الذي يقوده صلاح الدين دمرتاش تحت يافطة “الخط الثالث” كضحية لصدام هذين القطبين بسبب المناخ الاستبدادي العنفي في تركيا. إلى هذه اللحظة، تبدو كفة الغلبة راجحة للأوراسيين ضد المجموعة الأطلسية.