عماد بوظو
يشكل الإسلاميون نسبة بسيطة جدا من المسلمين لا تتعدى 1 أو 2 في المئة، والإسلاميون هم الذين يعتقدون أن الإسلام ليس دين وصلاة وصوم فقط، أو مجرد علاقة بين الإنسان وربه، بل هو تحكيم شرع الله في جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والقانونية والإجتماعية، وعلى أساسه يجب أن تبنى مؤسسات الدولة، وحسب رأيهم، لا يكتمل إيمان المسلم إذا لم يعمل على أسلمة المجتمعات وبناء الدولة الإسلامية، قسم من هؤلاء الإسلاميين منظم ضمن أحزاب الإسلام السياسي، فيما الغالبية غير منضوية تحت أي حزب، لكن تعمل وتفكر حسب هذه النظرة، ومن الطبيعي وضعهم في مجموعة واحدة.
ويتواجد الإسلاميون في مختلف بقاع العالم، ولكنهم في كل منطقة يتصرفون بطريقة مختلفة عن الأخرى، ففي دول الغرب، توجد نسبة غير قليلة من الإسلاميين، وتستقر منذ عقود الكثير من قيادات الإسلام السياسي التي تستغل مناخ الحرية المتاح هناك، لتقوم بتنظيم عملها ضمن جمعيات ثقافية وخيرية، ومؤسسات إعلامية وتعليمية، ويتبنى الإسلاميون في الغرب خطابين مختلفين تماما، الأول موجه إلى المسلمين، ويهدف إلى بناء مجتمع مواز لهم في تلك الدول، معزول عن المجتمعات الغربية، ويرفض قيمها وثقافتها، والثاني موجه للمجتمعات الغربية.
ففي خطابهم الموجه للمسلمين، يركزون على نقاط الخلاف مع الثقافة الغربية، ويعملون على إقناع المسلمين بأنهم مرفوضون ومحاربون من قبل تلك الدول والمجتمعات، ويقومون بفضل فائض المال المتوفّر لديهم ببناء أعداد كبيرة من المساجد، ويجعلون منها مراكز لجمعياتهم ومؤسساتهم، ولكن الهدف الرئيسي منها، هو توفير محيط ومجتمع بديل للمسلمين عن المجتمعات الغربية، كما يقومون في هذه المساجد بتجنيد إسلاميين من الأجيال الجديدة في تنظيماتهم، خاصة من الشباب الذين يعانون من مشاكل مالية أو إجتماعية، أو صعوبة في التأقلم مع محيطهم الجديد.
ولكن اللافت أن هؤلاء الإسلاميين أنفسهم، الذين يروجون لخطاب الكراهية بين المسلمين في الغرب، يرتدون قناعا مختلفا تماما عندما يخاطبون أو يتعاملون مع أبناء المجتمعات الغربية، ويبدأون ذلك بتشذيب ذقونهم، وإرتداء الثياب الغربية من البذلات الرسمية أثناء العمل، حتى ملابس الرياضة بعد العمل، ليظهروا غير مختلفين عن الآخرين، كما يتظاهرون باللطف الشديد مع جيرانهم وزملائهم في العمل، وينتهزون أي فرصة لعرض المساعدة عليهم، رغم أنهم في قرارة أنفسهم ينظرون إليهم على أنهم “أنجاس”، إما لأنهم يربون كلابا في منازلهم، أو لأنهم يأكلون لحم خنزير، أو يتناولون المشروبات الكحولية.
كما يعتبرونهم قليلي الشرف، لأن ابنتهم تأتي إلى بيت أهلها خلال إجازتها من عملها أو جامعتها مصطحبة معها صديقها لتعرفهم عليه، بما يعني أن العلاقة بينهما قد تطورت إلى مزيد من الجدية والإلتزام، والغريب أن نفس هؤلاء الإسلاميين، يعتبرون قدوم رجل ثري في منتصف العمر، وله زوجات وأبناء للزواج من فتاة فقيرة في الخامسة عشر من عمرها جنس “شريف وحلال”، لأنه إصطحب معه رجلا له لحية لقّن أبوها أن يكرر وراءه، “أنكحتك إبنتي على مهر معجّله كذا ومؤخره كذا”!.
وفي نفس الوقت يعمل هؤلاء الإسلاميون على إختراق الحياة السياسية في دول الغرب عبر الدخول في أحزاب الخضر واليسار، وهناك يدعون زورا أنهم مع حقوق الإنسان، ومع إحترام حق الإنسان في الإعتقاد والإيمان بما يريد، كما يدفعون النساء المسلمات إلى هذه الأحزاب، حتى يظهروا وكأنهم مع تمكين المرأة، وقد حققوا خلال السنوات الأخيرة نجاحات لا يستهان بها في هذا المجال، مستفيدين من انتهازية الأحزاب السياسية في الغرب، التي تسعى للفوز في الإنتخابات، حتى لو كان ذلك على حساب القيم الأساسية التي قامت عليها الحضارة الغربية، كما نجحوا من خلال علاقاتهم بالتسلل إلى عدد من الصحف ومراكز الأبحاث، وتعلموا إختيار المواضيع التي تفيد توجهاتهم، وكيفية طرحها بطريقة لا تكشف حقيقتهم.
أما في الدول ذات الأغلبية الإسلامية والتي لا يتولى الإسلاميون السلطة، فيها مثل مصر وباكستان، فيرتدي الإسلاميون قناعا آخر، حيث يؤكدون في جميع المناسبات على زهدهم بالسلطة، ويدعون تأييدهم للحاكم، بل يدعون له في احتفالاتهم الدينية، ولكنهم في نفس الوقت يتبنون شكلا أكثر تزمتا للإسلام، من إخوانهم في الغرب، يبدو بوضوح في مظهرهم فلحيتهم تصبح أكبر، وثيابهم تعود قرونا للخلف، بما يعتقدون أنها الثياب الإسلامية، كما ينشئ هؤلاء الجمعيات الخيرية والمدارس الدينية، ويتغلغلون ضمن مؤسسات الدولة خاصة في قطاعات بعينها مثل التعليم الذي يعتبرونه مفتاح السيطرة على المجتمعات.
وفي هذه الدول، يشكل الإسلاميون قوة ضغط إجتماعية كبيرة، يستخدمونها لدفع الناس للصلاة في المساجد، حتى يقودونهم من هناك لحضور الدروس الدينية والنشاطات التي تمنحهم قدرا أكبر من السيطرة على سلوكهم والتحكم في طريقة تفكيرهم، كما يضغطون على النساء والفتيات لإرتداء الحجاب. ولتحقيق ذلك، يستخدمون مواقعهم ونفوذهم داخل مؤسسات الدولة، أو من خلال التحكم بمن تتم مساعدته في جمعياتهم الخيرية، وهذا موضوع حساس في البلدان الفقيرة.
كما يستخدمون القضاء حين اللزوم لملاحقة تصريح أو مقال تمت كتابته أو ثوب لبسته إمرأة، ويفرضون قيمهم المتشددة على المجتمع حتى تبدو رؤيتهم المتزمتة للإسلام، وكأنها هي الإسلام الحقيقي في نظر أغلبية مجتمعاتهم، ويتلخص هدفهم الأخير في بناء مجتمع ذو لون إسلامي واحد، بحيث يصبح الاستيلاء على السلطة في الوقت المناسب تحصيل حاصل، ورغم ذلك، فإن حكومات تلك الدول ما تزال، لسبب ما، تتجنب مواجهتهم.
أما في البلاد الإسلامية التي يحكمها إسلاميون فتظهر الحقيقة العارية للإسلام السياسي، ويكشفون عن وجههم كما هو، حيث لم يعد هناك ضرورة لتجميله، كما يحدث في إيران منذ عدة عقود، وكما يحدث في أفغانستان هذه الأيام، وهناك من الممكن مشاهدة حكم الشريعة على حقيقته، حيث يرتدي الحكام الثياب الشرعية، ويفرضونها على الجميع، ويقيمون دوريا حفلات لتطبيق حدود الله بشكل علني لزرع الرعب في قلوب الشعب، وهناك تتبين حقيقة عدم وجود إقتصاد إسلامي أو علوم إسلامية، وفي هذه البلاد يتم التأكد بأن الإسلام ليس دين ودولة.
ورغم تعدد الأقنعة التي يرتديها الإسلاميون حسب المنطقة التي يعيشون فيها، إلا أنهم في جميع أماكن تواجدهم، يتبنون نفس المواقف من كافة الأحداث التي تقع في العالم، فتراهم جميعا وفي تناغم غريب يهاجمون نفس القادة والزعماء، ويدافعون بشراسة عن قادة آخرين، وكأن مايسترو واحد يحركهم، فعلى سبيل المثال، تراهم اليوم يهاجمون جميعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ويحشرون اسمه في أي حدث عالمي يمكن وضعه في سياق مؤامرة على الإسلام، كما يمكن مشاهدة ترحيبهم جميعا بما أسموه هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، وانتصار حركة طالبان، وكيف يطالبون اليوم بإعطاء طالبان فرصة للحكم، أي مساعدتها اقتصاديا وماليا في بناء دولة جديدة للرعب هناك.
وفي النهاية، كما يعمل الإسلاميون بشكل منسّق ضمن ساحة تشمل العالم كله، فلا بد من مواجهتهم باستراتيجية شاملة على المستوى العالمي، ويجب التذكير بأن نسبتهم البسيطة إذا تم احتسابها مع العدد الكبير للمسلمين في العالم، تجعل عددهم بعشرات الملايين أي أن مهمة مواجهتهم ليست بالأمر السهل، ولكن الخطوة الأولى في سبيل ذلك، هي توضيح أن الإسلاميين هم مجموعة واحدة سواء كانوا أعضاء في تنظيمات الإسلام السياسي، أم رجال دين في المؤسسات الرسمية، أم سلفيون، فجميعهم يسعى إلى هدف واحد، وهو عودة البشرية إلى الوراء والحياة في الماضي، ونشر مشاعر الغضب والكراهية بين المسلمين ضد كل من يختلف عنهم، ولابد من مواجهتهم جميعا بنفس الدرجة من الجدية.
المصدر: الحرّة