محمد صبرا
رغم فقدان الائتلاف لرمزيته وتمثيله لأي شيء سوى مجموعة أعضائه الذين يدخلون ويخرجون، فلا نعرف من دخل لماذا دخل، ومن خرج لماذا خرج، إنها تطبيقات الباب الدوار الذي لا نعرف من بوابه الحقيقي ومن حارسه الفعلي، الذي يعطي الإذن بالدخول أو يرفع البطاقة الحمراء للخارجين، لذلك ليس من المهم الحديث عمن خرج أو عمن دخل، وهو أمر لا يعنينا من قريب أو بعيد.
لكن السمة الأخطر فيما يحدث الآن في “الائتلاف” أن كلا المجموعتين المتخاصمتين عليه وفيه، تزعمان انطلاقهما من “مبدأ الإصلاح”، فيا لبؤس الإصلاح عندما ينشطر الخطأ والخطايا إلى مجموعتين متماثلتين، هنا يقع الشبيه على الشبيه، فتمحى الحدود الفاصلة بين الخطأ والصواب، بين الحق والباطل، وتفقد كلمة “الإصلاح” معناها وشرفها، وتصبح بغيا يستخدمها الطرفان لستر سوءتهما.
فالحديث ليس عما أحدثه الطرفان من جراح في جسد القضية الوطنية السورية، ولا عن خياراتهما السياسية التي اتفقا عليها، والتي سار الائتلاف بموجبها منذ أعوام، ولعدم وجود أساس للخلاف السياسي فإنه لا يمكن القول رلا أن نزاعهم هذا ، هو نزاع على أدوارهم في الائتلاف وعلى مكانتهم التي يتخيلون أنهم يشغلونها في عالم السياسة، ولذلك ولأن الخلاف بين الطرفين ليس في الخيارات السياسية فإنني لم أجد وصفا سياسيا يناسب تأطير هاتين المجموعتين ووصفهما، سوى التعريف اللغوي لحالتهما، من خلال استخدام اسم المفعول به ، مجموعة “المجلَسين” من الفعل أجلس، وهي المجموعة التي تزعم أنها إصلاحية، ومجموعة “المصروفين” والتي تزعم أنها تيار إصلاح، وقد كنت أتمنى لو أن اسم الفاعل ينطبق على حالهما، فأقول مجموعة الجالسين ومجموعة المنصرفين، لكنهم حتى في هذه فإن همتهم تقصر عن الجلوس وهناك من أجلسهم ،لذلك فاسم “المفعول به” أنسب وأكثر انطباقا على واقع الحال.
لقد أثبتت البيانات التي أصدرتها مجموعة “المصروفين” أن وجودها طيلة هذه السنوات في الائتلاف والمجلس الوطني، كان خطيئة لم يدرك السوريون حجمها إلا بعد أن أفصح أعضاؤها عن مكنوناتهم وعن رغباتهم وعن استعدادهم بتحطيم كل شيء سعيا وراء متاع من الدنيا رخيص، ويبدو أن كاتب بيانات هذه المجموعة ومحركها الأساس، قد استفاد طويلا من خبرته الإعلامية في بغداد، في كنف صدام وبعثه، فجاءت بياناته مستمدة من قاموس الخطاب السياسي للبعث العراقي، سواء من حيث الديباجات أو الأوصاف التي يطلقها على خصومه.
أما مجموعة ” المجلَسين”، وهي الفئة التي تزعم أنها صرفت هؤلاء، إصلاحا للائتلاف، فحالها أشد خيبة وأكثر بؤسا، وينطبق عليهم قول جرير في هجاء تيم:
ويُقضى الأمرُ حين تغيب تيمٌ ولا يُستأمرون وهم شهود..
وقد يطول بنا المقال إذا أردنا أن نفند ما ارتكبوا من رزايا وما اقترفوا من خطايا، لكن سأكتفي بالاتفاق الكامل مع قول أحد رموزهم في لقاء تلفزيوني قبل أسبوع، حيث قال :” إن الائتلاف ابن الحالة السورية”، نعم صحيح، الائتلاف ابن الحالة السورية التي ثار السوريون لتغييرها، الائتلاف ابن المحسوبية والاستزلام والعقلية الفردية، ابن الحرتقة السياسية والدجل الأيديولوجي والشعارات الكاذبة، هذه الحالة التي كانت موجودة قبل عام 2011، هي الحالة السورية التي ثار السوريون لتغييرها وللخلاص منها، وبالتالي فإن كلمة ” رمز المجلَسين”، تدل على أنهم يمثلون حقبة يكرهها السوريون ولا يريدونها، ولا يريدون إعادة إنتاجها.
وما آلت إليه الأمور، رغم محاولات السوريين ونداءاتهم لهؤلاء، يكاد يفجعنا بأنفسنا وبذاتنا السورية، ويكاد يدفعنا للتساؤل عن جدوى كل شيء بعد كل هذه الدماء وسيل التضحيات.
في مطلق الأحوال، فإن ما قام به “المجلَسون”، هو استكمال لإفراغ الائتلاف من السياسة، لقد كنا ومنذ سنوات نشكو، من أن الائتلاف يحضر فيه كل شيء، ويغيب عنه شيء واحد أساسي هو السياسة، وكنا نعيب على الائتلاف أنه يمثل نادياً مغلقا لأشخاص، تمت تسميتهم باسم التفخيم “شخصيات وطنية”، مع أن مفهوم الائتلاف هو التحالف السياسي بين أحزاب ولا مكان لأشخاص أيا كانت قيمتهم في تحالف سياسي يفترض به أنه يمثل تيارات فكرية وسياسية لها قواعدها الشعبية، والحركة الأخيرة في الائتلاف حولته بالمعنى الحرفي إلى مجرد مجلس تمثيلي للمكونات المجتمعية ما قبل الدولة، فالجميع حاضر في الائتلاف “العرب السنة، والكرد، والتركمان، والقبائل، والآشوريون، والعسكر”، الغائب الوحيد عن هذا المشهد هو القضية الوطنية السورية، فجميع الموجودين الآن، يمثلون مكونات مجتمعية وكأن الهدف من حصر التمثيل في هذه النقطة هو إلغاء أي دور للمعارضة في القضية السياسية، ومما يزيد الأمر سوءا أن هذا التمثيل يكاد يذهب باتجاه فصل القضية الوطنية السورية عن مسار الائتلاف بالكامل، وحصر الحالة السورية بأنها حالة خلاف بين ” الشمال السوري” الذي بات ممثلا بإثنياته وقبائله وعشائره، وبين باقي أرجاء سوريا المحكومة بميليشيا بشار الأسد.
هنا نخشى أن يكون “المجلَسون” قد انزلقوا من حيث يدرون أو لا يدرون، إلى موقع يتم فيه نقض جوهر القضية السورية باعتبارها قضية وطنية تهدف لإعادة إنتاج الدولة والاجتماع السياسي السوري، والذهاب باتجاه نقيض الدولة وهو التمثيل “الملي الإثني” الذي ينتمي لعقلية القرن التاسع عشر.
وسيقول بعض “المجلَسين”، إن في الائتلاف الآن أحزابا وتيارات سياسية ويستشهدون على ذلك بوجود الإخوان وتيار المستقبل والتيار الوطني، ومع تحفظي على اعتبار التيار الوطني أو تيار المستقبل أحزابا لافتقادهما لأي قاعدة شعبية حقيقية، وأيضا فإن الإخوان حالة سياسية سابقة في مشروعها للثورة ولم تعد تجد من القبول ما يؤهلها لأن تزعم تمثيل أحد سوى جوقة المنضوين تحتها أو الداعمين لنهجها، ولذلك فإن هؤلاء الثلاثة تم الحفاظ عليهم باعتبارهم ممثلين عن العرب السنة وليس لسبب آخر، أي إن من اتخذ قرار “إعادة الهيكلة” وبالمناسبة فإن صاحب القرار ليس “المجلَسين” بل جهة أخرى، أرادت أن تحصر تمثيل العرب السنة بثلاثة نماذج من الإسلام السياسي، وأيضا مع تحفظي على اعتبار أن التيار الوطني وتيار المستقبل يمثلان أيَّ بعد سياسي أو فكري أو أنهما يمثلان خطاً في الإسلام السياسي.
وحتى لا يبقى الكلام مجرد نقد لما حدث من دون تقديم رؤية بديلة، فإنني سأورد جزءا من ورقة، سبق أن أعددتها قبل عامين مضيا، حول إعادة هيكلة الائتلاف بناء على طلب من إحدى الجهات السورية، والنص الذي سأنشره هو فقط الجزء المتعلق باقتراح إعادة هيكلة الائتلاف، لأن الورقة طويلة وتتضمن مواضيع أخرى تتعلق بمجمل الحالة الوطنية السورية، مع ملاحظة أن الورقة كتبت بناء على النظام الأساسي القديم للائتلاف والذي لم يتغير كثيرا في التعديلات التي جرت في مطلع هذا الشهر، فقط قمت بتعديل بعض الجمل لتتناسب مع النظام الحالي.
أولا: أبرز الإشكالات الموضوعية والإجرائية في بنية الائتلاف:
التعريف الموضوعي للائتلاف:
يعرف الائتلاف نفسه في المادة الثانية من نظامه الأساسي الجديد بأنه ” ائتلاف وطني للقوى والشخصيات السياسية والثورية التي تهدف إلى تحقيق الانتقال السياسي من خلال إسقاط النظام بكافة رموزه………..الخ “.
هذا التعريف بحد ذاته يعتبر تراجعا عما كان عليه الحال في النظام الأساسي السابق لأنه أسقط مفهوم التحالف السياسي من النظام الأساسي وحوّله إلى ” ائتلاف وطني بين قوى وشخصيات …” ما يعني تحويل الائتلاف لخليط من أفراد لا يمثلون أي توجه سياسي فضلا عن أن وجودهم في الائتلاف يستند أساسا لإكمال التمثيل المناطقي والاجتماعي وأحيانا الديني والقومي من دون أن يكون معظم هؤلاء ممثلين حقيقيين للمكونات التي يدعون تمثيلها.
إذاً نقطة البداية في مشكلة الائتلاف الإجرائية تتمثل في التناقض بين مفهوم التحالف السياسي الذي يفترض أن ينشأ بين أحزاب وتيارات سياسية لها رؤيتها وبرامج عملها وهياكلها التنظيمية الواضحة، وبين تمثيل فردي عابر جاء استجابة لرغبة جهات خارجية أو لرغبة النواة الصلبة في الائتلاف إن جاز التعبير، وهذا التمثيل استند وفق منطق المحاصصة التصويتية إلى أعضاء هذه النواة الصلبة والتي لا يتجاوز عددها 8 أعضاء.
وبالتالي فإن إصلاح أو إعادة هيكلة الائتلاف يجب أن تنطلق من إعادة الاعتبار للتمثيل القائم على أساس مفهوم التحالف السياسي الذي لا يمكن أن ينشأ إلا بين قوى سياسية متبلورة وواضحة الحدود والمفاهيم والبنية التنظيمية الحقيقية.
أولاً: العضوية:
في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة، ورد “ويكون للائتلاف النظر بعضوية الأفراد والمكونات ويصدر قرار ضمهم للائتلاف بموافقة ثلثي أعضاء الهيئة العامة “.
هذه الفقرة تحديدا جعلت من الائتلاف ناديا مغلقا على أعضائه، بحيث أن العضوية بحد ذاتها سواء بزيادتها أو إنقاصها باتت بيد الأعضاء الموجودين في الائتلاف من دون أي معايير موضوعية وموحدة لهذه العضوية.
هذا الخلل الإجرائي سمح للنواة الصلبة بأن تغير في أعضاء الائتلاف وفق متطلباتها التصويتية وبما يسمح لها بالبقاء في مركز القرار في الائتلاف، حيث إن لكل عضو من أعضاء النواة الصلبة مجموعة تابعة من أعضاء الائتلاف يصوتون له ويدعمون قراراته.
وبالتالي لا بد من إصلاح نظام العضوية بشكل جذري، وهذا يجب أن يستند للملاحظة الأولى في ضرورة التحول من مفهوم التجمع الفردي الذي يسود الآن في الائتلاف إلى مفهوم التحالف بين القوى السياسية الحقيقية.
ثانياً: خطوات نحو إعادة هيكلة الائتلاف:
إن أي محاولة إصلاح أو إعادة هيكلة للائتلاف لا تراعي مجمل التحولات في الوضع السوري، والتطورات التي حدثت على الأرض أو على مستوى العملية السياسية في سوريا ستكون مجرد حالة تجميل مؤقت لجسم مريض وقبيح ومتهالك، بات يشكل في بعض الأحيان نوعا من العقبة أمام توحيد القوى السياسية السورية على برنامج عمل موحد وقابل للتطبيق.
في هذا الإطار يمكن أن تراعي الإصلاحات، الخطوات التالية:
أ- مؤتمر القوى السياسية:
1- هو مؤتمر سياسي وطني جامع، يضم جميع الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية إضافة للأجسام النقابية والمؤسسات التي تؤطر عمل الإداريين وموظفي الدولة، كما تدعى إليه منظمات المجتمع المدني بكافة أشكالها وأنواعها بصفة مراقب من دون الاشتراك بالتصويت أو العضوية.
2- يضع مؤتمر القوى السياسية خطة عمل سياسي وميثاق عمل وطني كامل للعملية السياسية وكيفية الوصول للمرحلة الانتقالية وإعادة بناء الدولة السورية ومؤسساتها.
2- يحضر مؤتمر القوى السياسية 500 مندوب يمثلون هذه القوى وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار، السياق التاريخي للحزب المدعو، إضافة لمستوى الاتساع التنظيمي للحزب أو التجمع أو النقابة، ويمكن في هذا الصدد أن يحدد عدد ما من التوقيعات اللازمة التي يجب أن يقدمها الحزب أو التيار السياسي أو التجمع النقابي والوظيفي، ليحصل على عضوية مؤتمر القوى السياسية، يمكن تحديد هذه التوقيعات بين 5000-10000 آلاف توقيع من مواطنين سوريين في الداخل أو الشتات، وفق آلية يتم وضعها على شكل موقع إلكتروني يستلم هذه التفويضات أو التوقيعات، ويتم ضبط مستوى الدقة والأمان في هذا الموقع من خلال برنامج متخصص للتحقق من صحة هذه التوقيعات.
3- الهدف من التفويضات السابقة حصر الدعوة بأحزاب وتيارات سياسية حقيقية لها امتدادها الجماهيري على الأرض، سواء في الداخل السوري أو في الشتات.
4- يتم توزيع عدد أعضاء المؤتمر وتحديد نسب الحضور وفقا لعدد التفويضات التي حصل عليها كل حزب من هذه الأحزاب، من المواطنين السوريين، ويوضع جدول تمثيل نسبي، وفقا لما يلي:
يجمع العدد الكلي للتفويضات ويقسم على رقم 500
يكون الناتج هو العدد اللازم للتفويضات التي يجب أن يحصل عليها كل حزب للحصول على مقعد ممثل واحد من أصل ال500 عضو في مؤتمر القوى السياسية.
يجمع عدد تفويضات كل حزب ويقسم على الناتج السابق، لمعرفة عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها.
توزع فوائض الأصوات وفق معادلة، تأخذ بالتوزيع النسبي لهذه الفوائض بعد جمعها وتقسيمها على العدد اللازم للتفويضات بالنسبة لكل حزب أو تيار.
5- يتمتع مؤتمر القوى السياسية بعد تشكيله وضبط عضويته وتوجيه الدعوات لأعضائه، بكامل الصلاحيات في إعادة هيكلة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ووضع نظام داخلي جديد، ويبقى مؤتمر القوى السياسية بمثابة هيئة رقابية على عمل الائتلاف وعلى عضوية أفراده.
6- يضع مؤتمر القوى السياسية نظام عمله وينتخب هيئة إدارية لمتابعة أعماله وشؤونه التنظيمية.
ب- الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة:
بعد تشكيله من قبل مؤتمر القوى السياسية يجب ألا يزيد على 50 عضوا، يتوزعون على هيئتين أساسيتين:
1- الهيئة السياسية وهي مؤلفة من 11 عضوا ويرأسها رئيس الائتلاف، وتكون هي صاحبة السلطات التنفيذية في الائتلاف.
2- الهيئة العامة ومؤلفة من 39 عضوا، وتتولى رسم البرامج وخطط العمل الشهرية للهيئة السياسية وتشرف على تنفيذها.
3- إن عضوية الائتلاف هي عضوية تمثيلية تستمد أساسها من انتداب الحزب أو التيار السياسي الممثل في مؤتمر القوى السياسية لهذا العضو، وبالتالي يمكن لصاحب الانتداب تغيير ممثله متى شاء.
4- لا يمكن قبول عضوية أي فرد في الائتلاف تحت اسم شخصيات مستقلة أو شخصيات وطنية لتناقض ذلك مع مفهوم التحالف السياسي.
5- تنقل جميع اللجان الخدمية واللجان الفنية والعسكرية وتوضع تحت إشراف الحكومة المؤقتة التي ترتبط بالهيئة العامة للائتلاف كجهة إشرافية ورقابية على عملها.
6- يتم تشكيل مجالس متخصصة تشرف عليها الهيئة العامة للائتلاف من دون أن يسمح بازدواج العضوية بين هذه المجالس وبين عضوية الهيئة العامة.
7- يتولى الائتلاف الوطني الوظيفة الديبلوماسية والسياسية ويكون هو صاحب الصلاحية في كل ما يتعلق بالعملية السياسية، بكل أبعادها.
هذا القدر الذي أستطيع نشره من ورقة مقترح إعادة هيكلة الائتلاف، وأخيرا وأمام ما يحدث في الائتلاف الآن، فإنني وككل السوريين أفوض أمري إلى الله فهو حسبي ونعم الوكيل.
المصدر: تلفزيون سوريا