عبد الناصر العايد
تسرّبت مؤخراً معلومات شحيحة عما يوصف بمبادرة التطبيع العربي مع نظام الأسد، من خلال دبلوماسيين غربيين حضروا اجتماعاً دولياً وإقليمياً حول سوريا في العاصمة الأردنية عمّان، الأسبوع الفائت.
الاجتماع عُقد تحت عنوان موارب، وهو مناقشة تداعيات الزلزال على سوريا، وجاء بغرض وقوف القوى الغربية على حقيقة ما تفكر فيه الدول العربية حول عملية التطبيع المحتملة، وحضره مبعوثون من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والنروج وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.
الانطباع الرئيسي الذي خرج به المبعوثون الغربيون هو أنه لا وجود لمبادرة عربية، بل مبادرات جزئية، تذهب فيها الدول العربية مذاهب شتى، كعادتها دائماً. فكل عاصمة عربية لديها رؤيتها التي تدافع عنها وتحاجج بشأنها. بعضها يريد مكافحة المخدرات، وبعضها يريد مناقشة قضية اليمن، ومنهم من يعتقد بضرورة سحب الميلشيات الإيرانية، ومنهم من يفكر في مناهضة الهيمنة التركية، أو يبحث عن “الاستقرار” وتصفير المشاكل، أو ينشد دوراً إقليمياً. والخلاصة أن لا مبادرة عربية متبلورة أو دولة قائدة لديها خطة محددة. وعندما طرح السؤال بشكل محدد عن الهدف من هذه العملية، انكشف حجم التخبط وعدم الوحدة في الجانب العربي، ولجأ الدبلوماسيون إلى عرض أفكار عامة ومكررة مثل تطبيق القرار 2054 أو سياسة الخطوة بخطوة، وما إلى ذلك.
ثاني ملاحظات المبعوثين الدوليين، أن الدول العربية حذرة في تقاربها مع نظام الأسد، وهي لم تتقدم في التطبيع سوى خطوات يمكن التراجع عنها في أي لحظة. وأنها تشاطر الغربيين عدم الثقة المطلقة في النظام، وتصفه بالكاذب المُجرَّب، لكنها “ستحاول..”، مع العلم أن محاولتها تلك غير محددة، وتتوقف على ما يمكن أن يقدمه نظام الأسد من براهين على جديّته، والقائمة هذه المرّة على وعود قطعها لأكثر من طرف في لقاءاته ومن خلال مبعوثيه ووسطائه.
الاستنتاج الثالث للمبعوثين الدوليين هو أن الدول العربية، باستثناء دولة واحدة، تحاول استطلاع الموقف الغربي لاتخاذ قرار التطبيع أو عمقه على الأقل. ومن خلال النقاشات المتبادلة تبين أن الدبلوماسيين العرب، كلّ على حدة، يريد بدوره معرفة صدى الأخبار المتوالية عن التطبيع في الدوائر الغربية وفي واشنطن تحديداً، مع تأكيدهم أن الأخبار مبالغ فيها، وأن المسؤول عن رفع السقف الإعلامي لما يجري هو النظام، الذي يريد فرض نفسه كمنتصر على معارضته الدول العربية والإقليمية بهذه الطريقة.
قاد تبادل الرأي بين المبعوثين الغربيين والدول العربية إلى وضع موجّهات سياسية عامة للمحاولات الجارية، مع تأكيد الدبلوماسيين الغربيين أن ما يقولونه مجرد “نصائح” للطرف العربي. وتمحورت تلك النصائح حول عدم التسرع بتقديم أي مكاسب للنظام، إلا في حال قدم تنازلات محسوسة وبمقدار تلك التنازلات، لا أكثر. وأكد العرب أنهم لا ينوون فعل ذلك، وأنهم لن يدفعوا الأموال على وجه التحديد، وأن الخطوات محسوبة ومفكر فيها جيداً، وليست بالسذاجة التي يتخيلها الطرف الغربي.
لم يمنح الغربيون ضوءاً أخضر ل”المبادرات” العربية التي استمعوا إليها، لكنهم لم يضعوا الفيتو عليها أيضاً، لعدم وضوحها أساساً، ولم يبد أن الدول العربية قد استغلت الاجتماع لمراجعة وتوحيد رؤاها وجهودها.
خلاصة ما وجده الغربيون أن الموقف العربي في الواقع ينطوي على تردد وحذر، ويكتنفه في العمق تياران: أحدهما يريد الاشتباك مع الوضع الراهن وتحقيق مكاسب خاصة بكل دولة وعدم ترك الصراع السوري مفتوحاً إلى ما لانهاية والبقاء خارج حلبته. وطرف آخر يتمسك برفض التطبيع مع نظام قاتل ومجرم من منطلقات قيمية وواقعية، مؤداها أن تجريب المُجرّب ليس خياراً منطقياً، ويعول أصحاب هذا التوجه على ظهور استراتيجية أميركية حول سوريا في نهاية المطاف، تعلن نهاية حقبة وبداية أخرى في هذا البلد.
أما نصيحة الغربيين للمعارضة السورية بُعيد هذا اللقاء، فهي العودة إلى الميدان بقيادة موحدة وذات مصداقية، ومعاودة “النضال” السياسي، وعدم ترك الساحة العربية لخصمهم. مع اليقين، والكلام دائماً للمصادر الغربية، بأن ثمّة في الصف العربي، سواء من رافضي التطبيع اليوم، أو ممن سيخيب أملهم في المستقبل القريب، من سيسعون لملاقاة السوريين فيما لو تحركوا بفعالية. يضاف إلى ذلك موقف غربي ثابت وغير قابل للتراجع بخصوص اعتبار نظام الأسد إجرامياً، ولا يمكن التعاطي معه حتى وفق استراتيجية الخطوة بخطوة أو “إتبع الكذّاب إلى ما وراء الباب” كما يسميها ويريدها “بعض” العرب، لا كلهم.
المصدر: المدن