جسر: رأي:
قال لي السير ألفرد لايل مرة، المتحدث هنا هو إيفلين بارينغ “لورد كرومر”:
– إن الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقي. وإن الافتقار للتنظيم الذي يتحلل ليصبح انعداما للحقيقة، هو في الواقع الخصيصة الأساسية للعقل الشرقي.
– أما الأوروبي فهو ذو محاكمة عقلية دقيقة وتقريره للحقائق خالٍ من أي التباس رغم أنه قد لا يكون درس المنطق. أما عقل الشرقي فهو على النقيض من ذلك يفتقر للمناظرة ومحاكمته العقلية ذات طبيعة مهلهلة إلى أقصى درجة.
– والحقيقة أن الشرقي يتصرف ويتحدث ويفكر بطريقة هي النقيض المطلق لطريقة تفكير الأوروبي.
“الاستشراق – إدوارد سعيد ص 74-76”
“الإسلام هو تعصب لم تعرف مثله حتى إسبانيا في زمان فيليب الثاني. الإسلام هو الاستخفاف بالعلم، هو إزالة المجتمع المدني. هو بساطة العقل الساميّ الفظيعة التي تقلص دماغ الإنسان وتغلقه دون أية فكرة لطيفة ودون كل إحساس رقيق ثم دون كل بحث عقلاني ليواجهه بالتحصيل الحاصل الأزلي: الإله هو الإله”.
“أرنست رينان – La Réforme intellectuelle et morale,1871”
- مما يؤخذ على الاستشراق والراحل إدوارد سعيد. أنه أوغل بالاستشهاد بقادةٍ عسكريين ومسؤولين سياسيين ككرومر وسواه وبالتالي جَانَبَ الوجه الأكاديمي للرؤية الأوروبية. التي بدورها بالنسبة لنا لم تكن أقل عدائية من الرؤى السياسية وحتى الإستعمارية.
والحقيقة أن ما هو بالغ الأهمية بالنسبة لنا هنا ما نراه من تحول هام في طبيعة الاستشراق من حيث التوظيف:
- فالاستشراق كان بالنسبة لنا، خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مصدرا تأخذ منه الدولة وأركان العمل السياسي رؤيتها ومجمل توجهاتها لتؤسس من خلاله طبيعة مقاصدها وممارستها السياسية والعسكرية. والتحول الذي نراه مهما أنه أمسى اليوم مصدرا لتزويد المجتمعات الأوروبية بطبيعة رؤيتها عن الشرق.
وإن عدنا للتاريخ قليلا نجد أن عصر التنوير ارتكز في تبلوره كظاهرة على مجموعة من الأفكار التي اشتملت على سيادة العقل والأدلة على الحواس باعتبارهما مصدرا أساسيا للمعرفة، وعلى المثل العليا كالحرية والرقي والتسامح والإخاء والحكومة الدستورية وفصل الكنيسة عن الدولة. فتضمنت المبادئ الأساسية لفلاسفة التنوير في فرنسا؛ الحرية الفردية والتسامح الديني، مقابل الملكية المطلقة والعقائد الثابتة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. والذي كان رموزه كبار المفكرين والفلاسفة والأدباء كمونتسكيو وفولتير وهوم وروسو وسواهم.
- والواقع أن الإسهاب في الشروحات وسيطرة لغة الخطاب والامتلاء بقناعة التفوق القدري قادت الوعي الأوروبي مجتمعا إلى قناعة مفادها أن العقل الأوروبي أصبح يمتلك من المعرفة والرؤى والتنظير وحتى الخبرة في الممارسة ما يكفيه أن يعود إلى ذاته لينسج مستقبلا واضح الملامح دون حروب ودماء و كوارث، وتطور تراتبي الإيقاع يقود إلى مرحلة جديدة سيكون فيها العقل الأوروبي هو البوابة الوحيدة نحو الحضارة.
وللأسف “كانت النتيجة ليس فقط فشل مفهوم التعايش المستند إلى تخمة المعرفة بين الدول الأوروبية التي بالأمس رأت أنها امتلت حد الطفح. بل إلى توحشٍ جاء أشبه بالحيوانية البدائية التي تكشفت عن فداحة انفصال مطلق بين الواقع والممارسة من جهة وبين المخزون النظري من الحقوق واحترام الحريات من جهة أخرى، فرأينا ما جرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وكيف أن آلاف الجنود كانوا يقتلون صراعا على بضعة أمتار تقع في صحار لم يطأها أحد منذ قرون.
ربما يرى أحدهم أن هذا أدى في حقيقته إلى أن الوعي الأوروبي أدرك لاحقا أن بناء الدولة هو الحل الأمثل وفي هذا نقول ألا أحد اليوم على وجه الأرض يمتلك قدرة إدارة مفهوم الدولة لربط مصالح المجتمع من جهة وتطوير النهج القانوني ليكون الضامن للسلم الإجتماعي من جهة أخرى كالوعي الأوروبي المعاصر.
إلا أن كل ذلك وكل المتغيرات بقيت تتحول وتتكشف وتقارب وتتطور وتتحلل وتنتج داخل العقل الأوروبي ذاته. ولذلك بقيت برأينا رؤية الوعي والميراث الأوروبي كله ذاتها لم تتغير. الإنسان المعرف بـ”أل” هو الأوروبي حصرا وهو المعني بكل تقدم على هذا الكوكب.
فأوروبا العجوز لن تسمح لأحد أن ينافسها على سيادة العقل أبدا.
والآن بعد كل هذا نصل لما أردنا أن ننفذ إليه ولم نستطع أن نظهره دون هذا التقديم المسهب بالنسبة للبعض فنكتب هذه العناوين:
- مغربي يقتل ابنه ثم ينتحر ملقيا نفسه من شرفةِ منزله في ألمانيا
- سوري يقتل زوجته أمام أطفاله.
- مصري يقتل ابنته انتقاما من زوجته
- سوري يقتل رجلا عربيا ويحرق جثته في ألمانيا لأنه صاحب زوجته.
- عشرات الحالات الأخرى متوفرة بكثرة على مواقع التواصل الإجتماعي.
هناك غياب مرعب لأي دور حكومي وقائي لدوافع الجرائم العائلية “المرتكبة من قبل شرقيين” في أوروبا عموما وألمانيا خصوصا. وفهمها من حيث طبيعتها وبواعثها وأسبابها وكينونتها. على العكس تماما؛ يرى الباحثون الاجتماعيون أن ما يقع من جرائم هو محض اختلاج طبيعي لولادة التَحَضُر على صعيد آلاف مؤلفة من الشرقيين الجدد في أوروبا.
وفي المقابل هناك حضور طاغٍ لجميعاتٍ عربية يَتَرَأَسُ غالبيتها “أميّين” يحملون شهادات جامعية. لم يعرفوا عن الشرق ومكوناته وإرث إنسانه وعبء تطلعاته سوى الوجه المقيت الذي يحاولون إثباته من خلال الشروخ التي تعتري من يرتكبون تيك الخطايا فمرةً أبٌ يقتل ابنته ومرةً زوج يقتل زوجته ومرةً أسوأ من ذلك.
والحقيقة برأينا أن الإعراض والرفضٍ هنا متعمّد تماما من قِبَلِ المؤسسات الاجتماعية والحكومية في أوروبا وألمانيا، لأي جهدٍ يمكن أن يكون ضامنا لمزيد من التفاهم والتعايش والإدراك التدريجي للآخر باعتباره آخر؟ أما من حيث هو تابع ومقلد ومنكر لانتمائه فهو بهذا مرحب به جدا.
وهناك صنفٌ آخر يلقى القبول وهو تيك النساء اللاتي تجاوزن كل خطاب معقول ينسجم مع طبيعة مجتمعاتنا ويعادين جملة كل الموروث الذي يصعب على غالبية العامة فهمه فكيف نقده ورفضه!. وذهبن بمحاولات فشلت قبل أن تبدأ لمد جسورٍ بالإكراه بين ثقافتنا والتصريح بأسماء الأعضاء التناسلية وذكر أحوال الأَسِرة التي عدنَّ منها صباحا.
والحقيقة أن الجهل السحيق والوقاحةُ المطلقة والسفه الخالص والأميّة العمياء هي المتكأ الوحيد لكل تيك الحمقاوات اللواتي نراهن اليوم في كل مكان لنضحك قليلا على حجم الدناءة ونصمت طويلا أمام هذا الطغيان والاتحاد غير المسبوق بين كل أدوات السقوط.
ولم يقابل عامة الناس هذه الفتوحات النسائية المتأتية من الأسفل سوى بمزيد من الإبداع باختراع شتائم جديدة وإساءات تعبر عن غرق مطلق في الأميّة. فثراء اللفظ الفموي الشرقي لا يُضاهى.
في خضم كل هذا تتزايد كل يوم الهوة والمسافة التي تفصل بين إمكانية التعايش والتقّبل من جهة وطبيعة المجتمعات التي نعيش فيها كشرقيين في الدول الغربية من جهةٍ أخرى. فسوادٌ عظيم من المجتمعات ونكاد نُكِلُّ كل مؤسسات الدول الأوروبية ترانا “كشرقيين ومسلمين مرضى وراثيا بمشرقيتنا”. ولا بد أن يختلج المريض المترهل ذاك وهو في مرحلة التعافي Stage a Recovery. بالألمانية Erholungsphase.
ولذا من الطبيعي بالنسبة لغالبية الباحثين الأوروبيين في علم الاجتماع “السوسيولوجيا” أو لنقل المؤثرين منهم أن تتعدد نوعية الجرائم التي يرتكبها أولئك الشرقيون وربما خاصةً المسلمون منهم “المجرمين” بنظر القانون لأنهم يشهدون مرحلةً أعلى من قدرة عقولهم على استيعابها وهو تََحضُرهم. لينتقلوا لمرتبة “تابعين“ للعقل الأوروبي الذي وصل لكل هذه الحضارة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا.
- يعرف القانون الألماني الجريمة أنها، ولا نجد مناصا من إيراد النص كاملا: “Unter einem Verbrechen wird ein schwerwiegender Verstoß gegen die Rechtsordnung einer Gesellschaft oder die Grundregeln menschlichen Zusammenlebens verstanden.”
وترجمته: الجريمة هي انتهاك خطير للنظام القانوني للمجتمع أو القواعد الأساسية للتعايش البشري.
- ويعرّف القانون الفرنسي الجريمة “Le crime est ce qui nuit grandement aux normes sociales et culturelles qui dictent le comportement naturel d’une personne”.
وترجمته: هي كل ما ينتقص بشكل كبير من المعايير الاجتماعية والثقافية التي تملي السلوك الطبيعي للشخص.
الحقيقة أنك لن تجد على وجه الأرض قانونا لا يربط الجريمة بالنظام الاجتماعي وطبيعة السِلم العام. وهذا ما يُغيبُ تماما عن الجرائم المرتكبة من قبل هؤلاء البسطاء الشرقيين. فالوعي الذي يملكونه لم ولن يستطيع أن يدرك حجم المتغيرات التي وجدوا ذواتهم محاصرين بها بغتةً. وهم بحد ذاتهم لم يخضعوا لمنهج تربوي حقيقي من ذويهم، أمسوا أباء وأمهات دون قيمِ يدركونها ومُثُلٍ يعرفونها. يرى أغلبهم أنهم حين يرتكبون الجريمة المُدانة من قبل مجتمعاتهم الجديدة، يكونون مبرئين من جهة أخرى أمام معتقداتهم ودفاعهم عن أخر خطوط وجودهم المرتبط بالأخرين دوما. فالبسطاء بسوداهم الأعظم يتنازلون عن الخصوصية لصالح الجماعة وهذا ما يجعلهم يفكرون بأن قيمتهم تكمن في كيفية تقييم الآخرين لهم. ولهذا لا يجدون مناصا من إرتكاب الجريمة حين يُحاصرون بانقلابات هائلة تفوق قدرة عقولهم لتقديم إجابات عن أسبابها وطبيعتها.
نقول أخيرا:
- إن الغرب الذي رأى في الاستشراق في البدء منهجا هائل الأهمية ليبرر احتلاله واستغلاله للشرق. يعيد اليوم ذات التوجه لا ليحتل ويستعمر بل ليثبت تفوقه ويبقى مستندا لسيادة العقل متكأ وحيدا فيعززها من خلال إثبات رؤاه وقناعاته عمليا من خلال جرائم البسطاء، ومن خلال آلاف مؤلفة أمسوا بالنسبة له شاهد عيان على كل ما كان يدعيه.. فلا يمكن له أن يعترف بإيجاد أي سبلٍ للتفاهم مع هؤلاء الضحايا باعتبارهم ضحايا لأنه لا يراهم سوى مجرمين ومحض مدانين. وليس هذا فقط إن المحاولات التي يمكن أن تؤدي إلى أي مساعدة للوقاية من هذه المشكلة سيكون الرد عليها إن لم يعجبك المقام إرحل! نحن لم نستدع أحدا. ولا يقف عند هذا بل يتعداه للامتناع المُطلق عن أي جهودٍ يمكن أن تعينَ من وقعً في صدامٍ مع ذاته وهو على شفة إرتكاب جريمة عائلية جديدة. لأن الغرب بهذه الجرائم يعزز رؤيته لغول التخلف الساكن في أذهان وعقلية الشرقيين. ولذلك تراهم ومنذ عقود يحصون هذه الجرائم ويضعون من يرتكبها طيلة حياته خلف القضبان ليضيع الأبناء الذين هم الضحايا الأكثر فداحة.
الغرب، بمؤسساته الاجتماعية التي تعرف الجريمة، يرى في الجرائم التي يرتكبها الشرقيون والتي بغالبيتها مأساوية الوقائع مجرد ردة فعل طبيعية من إنسان دون “أل” تعريف رأى حجمه ومكانه الطبيعي في مجتمعٍ متحضر كمجتمعاتهم ولذا فإن رفضه لأن يقبل كل هذا السقوط “الذي بالنسبة له كشرقي يعتبر نهايته” هو المسوغ الأول لإدانته قبل أن يرتكب حتى جريمته!. ولهذا نقول نهايةً:
إذا كانت هناك حقا من رؤية عقلانية متأنية لكل أمثال هذه الوقائع المؤلمة من خلال توجه نحو فهم جديد لطبيعة هؤلاء البسطاء الذين يرتكبون جرائما بالنسبة لهم هي الخلاص الوحيد من سقوطهم الأخير. فإننا نرى وجوب إيجاد مؤسسات عربية “غربية إن أمكن” لا يرأسها أميون ومزيفون بل أشخاص قادرون على أن يدركوا الدوافع والأسباب ويعملوا على الوقاية المعرفية التي تجيب على كل الأسئلة الملحة المتحالفة دوما مع نصل السكين فهذا سيكون فيه خير عظيم.
فالبسطاء أمانة في أعناق الشرفاء. وهذا ما انتهى اليوم كمبدأ. وبدأ يلوح كموروث فهل من يعين على إنهاء جدول الدم المسفوك والحقيقة أننا نعلم الرد قبل أن نكتب مقالنا هذا.