توافد آلاف المهاجرين، من جنسيات مختلفة، إلى الحدود التركية اليونانية، بعد إعلان السلطات التركية، أواخر شهر شباط الماضي، فتح الحدود أمام الراغبين في الذهاب إلى أوروبا، وشجعت عليها السلطات التركية ممثلة بالرئيس أردوغان، ووزيري خارجيته وداخليته، وحرض عليها العديد من السوريين المرتبطين بأنقرة، وبلغ عدد المتوجهين إلى الحدود اليونانية، في أقل من أسبوع، نحو 107 آلاف لاجئ، من جنسيات مختلفة، توزعوا على الشريط الحدودي بين تركيا واليونان.
لكن رحلة “الحلم” تلك انتهت بإهانة من حاولوا الفرار من الظروف الصعبة في تركيا، والتوجه إلى بلدان تحترم إنسانيتهم بشكل أفضل نسبياً، حيث قامت السلطات التركية بتفكيك مخيمهم على الحدود اليونانية بالقوة، وأعادتهم إلى الداخل التركي، ومن ثم إلغاء بطاقة اللجوء العائدة لهم، والتهديد بترحيلهم إلى سوريا.
“صحيفة جسر” التقت عدداً من هؤلاء اللاجئين وعرضت حالتهم على خبير قانوني، التفاصيل في التقرير التالي:
الحلم الأوروبي
توجه “ع.م” إلى الحدود اليونانية في منطقة “بازار كوليه” الحدودية مع اليونان، محاولاً الهجرة إلى أوروبا، بحثاً عن حياة جديدة تؤمن مستقبله أو مستقبل أطفاله على الأقل، بعد أن تقطعت به سبل الحياة في تركيا.
يقول “ع.م” لـ “جسر”: “وصلت إلى المعبر مع عائلتي وبقينا هناك على أمل أن يتم فتح الحدود بشكل إنساني”، مشيراً إلى أن المعاملة في معبر بازار كوليه، كانت جيدة في البداية.
وأضاف “بعد وصول أعداد كبيرة إلى نقطة التجمع، أصبحت المعاملة سيئة، ومنعنا من شراء حاجياتنا من القرية المجاورة، كما منعنا من شحن هواتفنا النقالة، من خلال سيارة تابعة للهلال الأحمر كانت متواجدة في المنطقة.
وأشار إلى نقص الطعام والشراب لدى قاطني المخيم، بالرغم من وجود منظمات تعمل على تلبية حاجات القاطنين، مرجعاً ذلك لعدم وجود تنظيم في توزيع الغذاء، حيث يضطر الشخص للوقوف لأكثر من 6 ساعات ليحصل على وجبة الطعام.
اليونان تستخدم العنف:
استخدمت الشرطة اليونانية الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لمنع محاولات متكررة من قبل المهاجرين للدخول إلى أراضيها، وأعلن نائب وزير الدفاع اليوناني، ألكيفياديس ستيفانيس، أن سلطات بلاده أحبطت نحو 9 آلاف و600 محاولة تسلل إلى أراضيها.
وقامت السلطات اليونانية بإغلاق المعابر بمتاريس إسمنتية، كما سيرت دوريات للجيش اليوناني في المنطقة الحدودية مع تركيا، كما اتهمت السلطات اليونانية، تركيا بإرسال المهاجرين إلى الحدود في هجوم منظم، مؤكدة أنها ستمنع دخولهم إلى البلاد.
محاولات إجلاء الحدود
بعد تغير المعاملة والتضييق على اللاجئين، بدأت تتوافد وفود من منظمة أسام ومنظمة الهلال الأحمر التركي، وإدارة الهجرية التركية تدعو اللاجئين لمغادرة الحدود اليونانية، إلا أن اللاجئين تمسكوا بالحلم الأوروبي، بالرغم من الصعوبات التي يعانونها.
يقول “إ.و” “في الفترة الممتدة بين 18 أذار ولغاية 26 أذار، حصلت حالات اعتداء على كثير من الرجال والنساء من مختلف الجنسيات ومنهم من تم ضربهم وإخراجهم بالقوة من المعبر”.
وأضاف “في 27 آذار، تم ترحيلنا بشكل قسري، حيث قام عناصر السلطات التركية بتمزيق الخيام وحرقها، لإجبار اللاجئين على الخروج”.
حجر صحي
أبلغت السلطات التركية، اللاجئين، بأن إجلاء المخيم مؤقت، سيستمر فقط لمدة 14 يوماً، للتأكد من سلامتهم، ومن ثم إعادتهم إلى الحدود اليونانية.
وقامت بنقل اللاجئين في معبر بازار كوليه إلى مخيمات داخل الأراضي التركية، في (ملاطيا، وجناق قلعة، والعثمانية)، بهدف إجراء فحوصات لهم، وللتأكد من عدم وجود إصابات بفايروس كورونا المستجد بينهم.
يقول “م.و” “بعد وصولنا إلى مخيم ملاطيا، في رحلة استمرت 19 ساعة، بقينا ننتظر في الحافلات لمدة ٤ ساعات، قبل أن يسمحوا لنا بالنزول، من أجل تفتيشنا ومصادرة هواتفنا النقالة، وإجراء فحص روتيني للحرارة.
وأضاف “وزعت العائلات في 50 كرفانة معدة مسبقاً، ضمن مكان محاط بأسلاك وجدران”، مشيراً إلى أن وضع الكرافانات كان مأساوياً من حيث النظافة، وتحطم النوافذ، وتعطل خدمات الصرف الصحي داخلها.
وأكد أن وجبات الطعام التي كانت تقدم للاجئين، لم تكن كافية، فضلاُ عن ندرة مستلزمات التنظيف والتعقيم، مشيراً إلى سوء الوضع الصحي، وعدم وجود نقطة طبية في المخيم.
خطر الترحيل
تفاجاً اللاجئون بإلغاء بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) لهم، بعد أن سمحت السلطات التركية بخروج اللاجئين من المخيمات، بعد انتهاء فترة الحجر الصحي. وبمجرد خروجهم، أصبح الجميع مهدداً بالترحيل القسري إلى سوريا، باعتبار أن وجودهم غير قانوني.
يقول “أ.س” ” أخرجونا من مخيم العثمانية ليلة السبت 11-04-2020، وتم نقلنا إلى مديرية الهجرة في ولاية أنقرة، وبعد يومين من الاحتجاز في مركز الهجرة، أطلق سراحنا”.
وأضاف “أصبحت وعائلتي مهددين بالترحيل من تركيا بعد إبلاغنا من قبل موظفي دائرة الهجرة بأن بطاقة الحماية المؤقتة تم إلغاؤها، حيث قاموا بإعطائنا ورقة لتسوية وضعنا خلال مدة ١٥ يوماً، أو أن وجودنا في تركيا سيعتبر غير قانوني”. (لم تنته المهلة الممنوحة إلى الآن).
بدوره قال “ع.م”: “الأشخاص الذين كانوا موجودين في مخيم ملاطا حوالي ٢٥٠٠ شخصاً، وعلمنا من الحرس في إدارة الهجرة أن عدد السوريين بينهم ٨٥٠ سوري، وفيما يتعلق ببطاقة الحماية المؤقتة فقد ألغيت لـ٩٥ بالمئة من الأشخاص”، لافتاً إلى أنه عندما وصل إلى منطقة أوزلي كان برفقة ٣٦ شخصاً، ٣٥ منهم ألغي الكملك الخاص بهم باستثناء سيدة واحدة.
استخدام اللاجئين كورقة ضغط سياسي خرق للقانون الدولي
يقول المحامي محمد صبرا لـ “جسر” : “لا شك أن اللجوء بسبب الحرب ومن أجل حماية الحق في الحياة أو الخوف من الاضطهاد هو حق أساسي نصت عليه اتفاقية جنيف لعام 1951 التي نظمت اللجوء، وليس منة من أي دولة”.
وأكد أن تركيا واليونان من الدول المتعاقدة في هذه الاتفاقية، معرباً عن أسفه، لعدم اعتراف تركيا بالوضع القانوني الكامل للاجئين السوريين، مشيراُ إلى أن لقب “ضيف” الذي تستخدمه تركيا، وهو لقب عاطفي لا يعني أي مركز قانوني.
وأشار صبرا إلى أن المنظمات الحقوقية والإنسانية لا يمكنها التدخل بقضايا اللاجئين السوريين في تركيا، بسبب عدم تمتعهم بحقوق اللاجئين، ومنحهم بطاقة حماية مؤقتة من قبل السلطات التركية.
وأدان صبرا ما أسماه استغلال ورقة اللاجئين وتحويلها من حماية مفروضة بقوة القانون الدولي لحقوقهم إلى ورقة ضغط سياسي بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن هذه التصرفات بمثابة، امتهان لكرامة اللاجئين الإنسانية فضلاً عن خرقة لأحكام القانون الدولي.
واستنكر صبرا تعامل اليونان العنيف مع موجة اللاجئين الذين تدفقوا إلى الحدود التركية اليونانية، واصفاً إياه بالتعامل المخالف للقانون ولا مبرر له وهو يتناقض مع كل المواثيق الدولية والأوروبية التي وقعت عليها اليونان.
وناشد صبرا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، للتدخل بشكل سريع وتجنيب مئات العائلات خطر الترحيل إلى سوريا، كما دعا السلطات التركية والأطراف الأوروبية على ضرورة الالتزام باتفاقية جنيف وبالمواثيق الدولية.