السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

شارك

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

السوريّ الحائر بين ترحيل وترحيل

محمد علاء الدين عبد المولى

صار السوريّ ذريعة ممتازة ليطرح المتنافسون أفكارهم والناخبون برامجهم والعنصريون حقدهم، في بلدان مجاورة وغير مجاورة، في مجتمع (وحدة المسارين) أو مجتمعِ تفكيك الكلمات المتقاطعة على طاولة التجاذبات شبه السياسية.

أرادوا للسوريّ أن يكون ضحية فكان، أرادوه مطيّة فكان، ثم استثمروا وقوفهم إلى جانب مأساته، ثم صارت مأساته مملّة في لياليهم واجتماعاتهم، فانقلبت المأساة إلى ملهاةٍ للتسلية.

فتحوا له حدودهم كي يكونوا جزءا من اللعبة الدولية أو الإقليمية، ولماذا لا يرحبون به في البلد الشقيق؟ وفي هذا البلد أحزاب وتيارات تنتفع من مواقفها وتعرف كيف تدار الأمور في الخفاء؟ دخول السوريّ إلى سوقهم، السوق السياسية والمذهبية والانتخابية والفينيقية، كان ورقة رابحة في تلك السوق. ترتفع بورصة مواقفهم حسب وضع السوريّ اللاجئ، أسيادٌ لهم في البلد الشقيق كانوا من بين أسباب لجوئه، لكنهم – هؤلاء الأسياد – يرحّبون بتفريغ الأرض السورية من أهلها فهناك طوابير من إمبراطورية فارس الخمينية تنتظر الانقضاض على الفراغ الذي سوف يتركه السوريّ وراءه. أما ذلك الرئيس المعتوه فيجد في حلفائه الخمينيين عناصر مكمّلة لسوريا المتجانسة، وهو ليس مهتمّا بالتناقض بين إيرانيّ وافدٍ وأرضٍ سورية مقيمة، ولا وقت لديه للسؤال حول منطقية احتلال حلفائه لفراغ مواطنيه بعد تهجيرهم. ومتى كان مختار حيّ المهاجرين مهموما بالمنطق؟ اللهم إلا منطق البلاهة والصلف وتسليم حتى الشرف الوطنيّ للأغراب…

السوري المطعون بكرامته هنا وهناك، استخرج من قلب معاناته أسباب التكيّف والتأقلم مع الأوضاع الجديدة، في الدول الشقيقة والصديقة، لم يجد بدّا حتى من التكيف مع العاصفة والمطر والزلزال والفقر والمهانة، وإلا فلا مهرب من أن ينتحر هذا السوريّ التراجيديّ حتى تتطابق المأساة مع نهايتها المفجعة. بل ثمة سوريون فعلا انتحروا، سواء تمّ إعلان ذلك أم لم يتمّ.

ومن جملة تكيّفات السوريّ مع أطوار محنته المتحولة، أنه يقبل على العمل وينخرط في أصغر المهن وأحقرها وأكثرها مشقّة وسهرا، حتى يمنع يده الفقيرة من أن تمتدّ للتسول. والآخرون في البلد الشقيق وجدوا ذلك مقبولا في البداية، ثم مرفوضا في النهاية، مقبولا حين كان المزاج العامّ يتحكم بمعايير القبول، ثم انقلب المزاج لأنه ليس موقفا سياسيا راسخا، وصار السوريّ العامل نفسه يزاحم الأشقاء على لقمة عيشهم ويحرمهم نعمة الرفاهية! أما لصوص السياسة والدين من ذوي العمائم السوداء، أما حيتان المصارف ومن يمسك بخيطانهم الخفية، أما من فجّر مرفأ بيروت… فهذا كله يجب ألا يؤخذ في الحسبان وكأنه ألاعيب صبيان عابرة، ويجب بدلا من ذلك تحميل مسؤولية الفقر والانهيار والجمود السياسيّ والإفلاس الشامل، للسوريّ اللاجئ المهاجر المشرّد.

حين يفقد السياسيّ والمثقف والإعلاميّ والناخب، صوابهم الأخلاقيّ، فهذا يعني عماء كليا لكنه عماء متعمّد، ويعكس العجز المزمن على تشخيص المشاكل وخلق حلول لها. في هذه الحالة يتم الهروب من المسؤولية والاعتراف بالحقيقة الناصعة البياض أو السواد، ويتم حرف البوصلة إلى جهة باطلة لا علاقة لها. ومن أكثر من السوريّ إمكانية ليكون ذلك الكبش الفادي لنحمّله أوزارنا وبهادلنا ولصوصيتنا؟ فليكن هو إذا (حمّال أسيّة وأذيّة) المرحلة..

فجأة يصبح السوريّ تهديدا للأمن القوميّ والفينيقيّ والكنعانيّ والأمميّ! يا له السوريّ كم يستطيع أن يكون تهديدا للجميع، من الرئيس الطويل حتى عواصم العالم الأكبر.

ولكن… حين كان السوريّ الأسديّ ممثلا بغازي كنعان وصحبهِ، مسيطرا على البلد الشقيق من جنوبه إلى شماله، ومن بيروته إلى بقاعه، لم يكن يتجرأ لبنانيّ على رفع لافتة تطالب بمنع تجول السوريين بعد الساعة الثامنة! أما في عهد السوريّ المشرد المفقر المتآكل من الداخل والخارج فقد تجرؤوا على إهانته وقتل أطفاله والتنكيل بهم في زوايا الأحياء المعتمة وفي مداخل المدارس ومخارج القرى..

هل ينتقم اللبنانيّ الآن من سوريّي الأسد وكنعان؟ في سيكولوجيات الجماعات التي تعرضت للاضطهاد والكبتِ على يد عصاباتٍ حاكمة ومخابراتها، فإن تلك الجماعات تختزن في لا وعيها مع الأجيال حقدا وشعورا سلبيا مسبقا من كل ما يمتّ بصلة لتلك العصابات والقوى والمحتلّين.. أجل إن لا وعي اللبنانيّ العموميّ لا يمكن أن يندمل جرحه الداخليّ العميق. ولكنه لن يندمل بأن يطعن سوريا لا ناقة له ولا جمل في مأساة ذلك اللبنانيّ العتيد.

في الوقت نفسه لا يحقّ لسوريّ يدّعي (المعارضة) – وثبت أن سلوكه وتفكيره مشكوك فيهما – أن يطلق تصريحات عدوانية غير مسؤولة ولا يمكن لرجل أميّ أن يفكر مجرد تفكير بها. لكن هذا السوريّ (المعارض) قاعد في العسل، ولا يهمه الآن وهو يحرض السوريين في لبنان على حمل السلاح، ما يجري من تبادل الاحتقان وتوظيف الإرث النفسي السلبي من الأطراف المتنازعة، نزاعا خلبيا واهما، فالسوريّ العاري من الأدلجات وشعارات السوق السياسية، حريص على أن يكون شقيقا حقيقيا لكل من جاوره، فكيف لمن استضافه؟ السوريّ ليس منزّها عن الخطأ، ولا غيره، والخطأ له مجاله القانونيّ الذي يردعه، وليس له المجال الكيديّ لكي يفاقمه ويوسع من رقعته بحيث تصبح عصية على الضبط.

اللبنانيّ الشقيق لا ينسى تجربة الفلسطينيّ معه بالتأكيد، لكن السوري الآن ليس له منظمات كبرى وقيادات وفصائل تهيمن على الأرض والشوارع والمخيمات، ليس له قادة يتحركون بأسماء حركية ويستقبلون قادة دول، ويخططون لعمليات داخل فلسطين منطلقة من أرض الشقيق. السوري الآن عارٍ ولا غطاء له حتى من عاصمة الأمويين الشاحبة…

اللبنانيّ حساس تجاه الغريب، وهذه ليست ميزة له وحده، فكل البشر في أي مكان لديهم غريزيا هذه الميزة. وتأخذ هذه الحساسية بعدا أكبر حين يكون المجتمع قائما على توازنات طائفية ومذهبية تتحرك بمنتهى الدقة والخطورة، ناشرة منطقها يمينا ويسارا. بل إن اللبناني لم يكن بحاجة للسوريين لكي تستفيق فيه هذه الحاسة، فهو يمتلك أسبابه الداخلية التي تتيح له كل يوم أن يشعر بأنه على حافة الهاوية مع شقيقه اللبناني نفسه وليس مع (الغريب).

المأساويّ المضحك الآن أن الطرف اللبناني (النقيض) للبنانيّ الحساس، هو من المسؤولين عن تراجيديا السوريّ اللاجئ في لبنان. فأصحاب عمامات المقاومة والممانعة ساهموا بشكل كامل في تهجير السوريين في كل جهات الأرض، لذلك هم الآن يراقبون بصمت السجال حول ترحيل السوريين من لبنان، بعد أن أجبروهم هم على الترحيل من ديارهم الأصلية. هذا هو السوريّ بين ترحيل وترحيل، لقمة سائغةٌ لمن يمتلك قرار الترحيل، أما السوريّ العاري من القوة والسند، فلم يعد داريا إلى أين يرحل…

وإلى أن يعرف السوريّ الفقير التائه كيف يأكل بالشوكة والسكين وهو داخل الخيمة، أو في بيت أجرة لا يليق بكائن بشريّ، فسوف تبقى (نضال الأحمدية) تناضل بحقدها الفاقع ضد عشوائية السوريين وعدم نظافتهم، وسوف تبقى على أهبة الاستعداد لأن تقرع جرسها و(تجرّص) السوريين على فعلتهم الشنيعة في أنهم هربوا من الموت بسبب سيدها الأسديّ الذي أذاب روح السوريين في الأسيد.

يا لك أيها السوريّ! لم تعد حتى المرايا المستعارة قادرة على أن تتعرف على وجهك المضطرب. يا لك أيها السوريّ! أنت الآن سفرجلةٌ يغصّ بها الآكلون، ولا يعلمون أنك سفرجلة يأكل بعضُها بعضًا.

المصدر: تلفزيون سوريا

شارك