مقدمة:
وراء ضجيج الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، تتنامى ظاهرة الشركات الأمنية والعسكرية، مع تنامي الظروف المؤهبة لها، وشروط تشكلها. ووفق الأرقام المعلنة حتى اليوم، باتت عنصرا اقتصاديا لا يمكن التغافل عن تأثيره الحالي أو المستقبلي في المشهد الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تزايدا مطردا في عدد الدول الفاشلة، التي تعجز عن النهوض بعبء الأمن الشامل، والوفاء بمتطلبات وظيفة الدولة الجوهرية في احتكار العنف، كما أن انخراط مئات الألوف من الشبان في الحروب الأهلية، ضمن ميليشيات وفصائل شبه عسكرية، دون أي عملية إعادة تأهيل لاحقة، تتيح لهذا السوق عناصر تغذية طويلة الأمد.
إلا أن العامل الأكثر دفعا لتطور هذه الظاهرة، يتمثل بالاعتماد المتزايد للدول والقوى الفاعلة في المنطقة على هذه الشركات لإنجاز غاياتها الاستراتيجية؛ بسبب كلفتها المادية المنخفضة مقارنة بالجيوش النظامية، وتوفيرها للوقاية من التبعات السياسية والارتدادات القانونية، عند الخوض في مستنقع العنف المنفلت هناك.
هذه الورقة تستعرض حالة هذه الشركات الراهنة، والسياقات التي تنشط فيها، والآفاق المستقبلية المتوقعة.
وضع قانوني “غير ملزم” دولياً
لا يوجد تشريعات أو قوانين دولية محددة وصارمة بخصوص الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، وتعتبر “وثيقة مونترو”، والمعروفة أيضا باسم “المبادرة السويسرية”، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2008، الوثيقة الأساسية الناظمة لعمل الشركات الأمنية والعسكرية اليوم، حيث تضع معايير وممارسات غير ملزمة لهذه الشركات، أي قواعد عرفية بموجب القانون الإنساني الدولي. وقد طوّرت الوثيقة بدعم من الحكومة السويسرية وعدد من ممثلي الشركات العسكرية والاميركية الخاصة PMSC، والجمعية الأمريكية لعمليات الاستقرار الدولية ISOA، والرابطة البريطانية لشركات الأمن الخاصة، خاصة بعد الجدل الذي أثاره عمل تلك الشركات في أفغانستان ولاحقا في العراق سنة 2007، والمعركة القانونية التي تلت ذلك في سنة 2009.
وقد طرحت الوثيقة مفاهيم وتعريفات أساسية لتلك المؤسسات، إذا تم تعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بكونها “كيانات تجارية خاصة تقدّم خدمات عسكرية أو أمنية، بصرف النظر عن الطريقة التي تصف نفسها ﺑﻬا؛ مثل توفير الحراسة والحماية المسلحتين للأشخاص والممتلكات، وصيانة نظم الأسلحة وتشغيلها، واحتجاز السجناء، وتقديم المشورة والتدريب للقوات المحلية ولموظفي الأمن”.
وعرفت موظفي هذه الشركات بأنهم “الأشخاص الذين تستخدمهم شركة عسكرية وأمنية خاصة عن طريق التعيين المباشر أو التعاقد معها”، أما الدول المتعاقدة فهي “التي تتعاقد مباشرة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للحصول على خدماﺗﻬا، بما في ذلك الحالات التي تتعاقد فيها إحدى هذه الشركات من الباطن مع شركة عسكرية وأمنية خاصة أخرى”.
وثمّة العديد من المصطلحات التي تشير إلى الشركات الأمنية والعسكرية، التي تبرم عقودا قانونية لتقديم خدمات عسكرية وأمنية، بهدف تحقيق الربح المادي، لكن مراكز البحث الأميركية تتداول اليوم مصطلحين رئيسيين في هذا المجال هما:
- PSC أو (Private Security Contractor) ويشير إلى المنظمات التي لا تشارك في العمليات الهجومية، ويقتصر عملها على تقديم خدمات حماية المواقع والأشخاص وخدمات الحراسة المختلفة.
- PMSC أو (Private Military Security Contractor) ويشير إلى الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تقدم الدعم التشغيلي المسلح في مناطق النزاع.
وتنقسم هذه الشركات من الناحية القانونية إلى شركات تعمل في النطاق الوطني وخاضعة للقوانين المعمول بها داخل كل دولة، وأخرى عابرة للحدود. أما دول المنشأ فهي الدول التي تحمل شركة عسكرية وأمنية خاصة جنسيتها، أي التي سُجلت أو أسست تلك الشركة فيها، وإذا كانت الدولة التي أسست فيها الشركة هي غير الدولة التي يقع فيها مكان إداراتها الأساسي، فإن الدولة التي يقع فيها مكان الإدارة الأساسي للشركة هي (دولة المنشأ). أما دول الإقليم فهي الدول التي تنفذ الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أنشطتها على أراضيها.
الشركات الأمنية الروسية:
تأتي شركات الخدمات الأمنية الروسية في الطليعة عالميا، ويعود ذلك للاستخدام المكثف لها في العمليات الخارجية من قبل الكرملين، سواء في أوكرانيا أو سوريا أو ليبيا، إلى جانب بعض البلدان الأفريقية، وظهرت هذه الشركات نتيجة لتزاوج معطيين من معطيات انهيار اﻻتحاد السوفيتي أواخر القرن الماضي، وتمثل المعطى اﻷول بثروات لم تكن ملكيتها، وبالتالي كيفية إدارتها واضحتين في المرحلة ما بعد السوفيتية، وعلى رأسها شركات النفط والغاز، المعطى الثاني تمثل في الكتلة البشرية الهائلة التي شكلها عناصر الجيش والاستخبارات العاطلين عن العمل؛ بعد إحالة نحو مليونين منهم إلى التقاعد دفعة واحدة، إضافة إلى ما يشبه حالة العطالة في صفوف العاملين في الصناعات الحربية. لقد أسفر امتزاج هذه العوامل مجتمعة وتفاعلها إلى ظهور الشركات الأمنية الخاصة، كحل لمواجهة خطر الفوضى والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي والأمني.
نقطة البداية كانت مع الروابط التي شكلها آلاف العسكريين المسرحين، وفي مقدمتهم مقاتلو قوات المهام الخاصة Spetsnaz، وعلى رأسها وحدة مكافحة اﻹرهاب Alpha، ووحدة القوات الخاصة Vympel، التابعتان للمخابرات السوفيتية سابقا، ومنهما ستأتي غالبية مؤسسي وعناصر الشركات الأمنية الأولى، والتي تشكلت في كل من موسكو وسان بطرسبورغ بداية، ويقال أن الكرملين شجع على ظهور هذه الشركات لمواجهة شبكات المافيات التي تفشت في هذه المدن الرئيسية وباتت خارج السيطرة.
وفي 1992 صدر أول قانون روسي لإنشاء وعمل الشركات الأمنية الخاصة، واقتبس العديد من هذه الشركات اسمه وشكله التنظيمي من وحدات نخبوية عسكرية سوفياتية منحلة، مثل Alpha وVympel السابق ذكرهما، وبحلول العام 1998، قدّر مصدر رسمي روسي أن إجمالي عدد الشركات الأمنية الخاصة العاملة في روسيا اﻻتحادية بلغ حوالي 5000 شركة”.
لكن الانطلاقة الكبرى للظاهرة ستكون مع إصدر بوريس يلتسن مراسيم تسمح لشركات غازبروم وترانسنفت المخصخصتين بتشكيل ما يشبه الجيوش الخاصة لحماية وحراسة البنى التحتية، حيث تعاقدت مع كبار ضباط الجيش والاستخبارات السابقين؛ لقيادة أجهزة أمنها الخاصة. وفي العام 2002 قُدر عدد عناصر قسم الأمن في غازبروم وحدها بنحو 13000 موظف، ليصل في العام 2007 إلى أكثر من 20.000 موظف.
الوضع القانوني للشركات الأمنية في روسيا الاتحادية:
يتسم النظام القانوني الروسي المتعلق بالشركات الأمنية الخاصة بغموض متعمد، ورغم ذلك لا تلتزم هذه الشركات حتى بشكله العام، وفق باحثين مهتمين.
وتمنع المادة 359 من القانون الجنائي الروسي للعام 1996 المدنيين من المشاركة في النزاعات المسلحة في الخارج مقابل مكافأة مادية؛ وتنص الفقرة الأولى منها على أن “تجنيد أو تدريب أو تمويل أو أي دعم مالي آخر للمرتزقة واستخدامهم في نزاع مسلح أو أعمال عسكرية يعاقب عليه بالسجن من أربع إلى ثماني سنوات”.
وخلال السنوات الماضية فشلت جهود بعض البرلمانيين في تعديل القانون ﻹفساح المجال أكثر لهذه الشركات للمشاركة في عمليات عسكرية، ويعتقد باحثون مختصون إن هناك مخاوف جدية من إضفاء الشرعية القانونية على هذه الشركات ما قد يتيح لها التمدد والتضخم، بحيث تهيمن على الدولة الروسيّة، تحت التهديد بالقيام بانقلابات على غرار ما حدث في التسعينيات؛ إلا أن الوضع الحالي “شبه القانوني” يتيح للسلطات، ممثلة بشخص الرئيس فلاديمير بوتين، استخدامها أداة لتنفيذ استراتيجيته الخارجية مع إمكانية التنصل منها رسميا، كونها غير مشمولة بالأطر المؤسساتية التي ينص عليها الدستور.
مرحلة بوتين وعلاقة الشركات الأمنية بالدولة:
يرتبط مسار صعود الشركات الأمنية الروسية بصعود فلاديمير بوتين وطاقمه من العسكريين والأمنيين السابقين، وشركات الطاقة والسلاح، والعمليات الملتبسة ما بين عمل عصابات المافيا، وأجهزة الدولة الرسمية.
ففي السنوات الممتدة بين 2005 و2007، خصخص بوتين المزيد من القطاعات الاقتصادية العائدة للحقبة السوفياتية، مع اﻻحتفاظ بالحصة الأكبر فيها للدولة الروسية، وأوكل قيادة هذه المؤسسات لرجالات موثوقين من قادة المخابرات والسياسيين المرتبطين به شخصيا، مثل سيرجي إيفانوف وإيغور سيتشين وسيرجي تشيمزوف، وصب اهتمامه على الصناعات التصديرية، خاصة شركات الأسلحة والطاقة، ولكل واحدة من هذه الشركات جيش أمني خاص بها، ما رفع من الحاجة إلى الشركات الأمنية، التي تولتها أيضا شخصيات أمنية وعسكرية مقربة منه.
لقد قامت معظم تلك الشركات الروسية بالوظيفة المعروفة لشركات اﻷمن الخاصة PSC، في روسيا أو الخارج، لكنها قامت أيضا بأدوار الشركات العسكرية واﻷمنية الخاصة PMSC خارج روسيا، سواء مع القوات الروسية الرسمية، أو مع قوات أجنبية متحالفة مع الكرملين، كما في أوكرانيا وسوريا، وهذا النوع من النشاط هو ما ينبغي التركيز عليه، لما يمثله من أهمية في استراتيجية بوتين الدولية، في الشرق الأوسط أولا؛ وواقع الحال، أنه لا يمكن الفصل بين هذين النوعين من النشاط؛ فقد ثبتت، عبر الكثير من الأدلة، أن شركات الحماية الخاصة، هي المنجم الذي يأتي منه أيضا مقاتلو الشركات العسكرية واﻷمنية الخاصة، والتي تقاتل عادة في الخارج، وأنها جميعا مشمولة باستراتيجية بعيدة المدى لبوتين ورفاقه.
وفي تعليق له السنة الماضية، قال بوتين، ردا على سؤال في مؤتمره الصحافي السنوي حول نشاط مجموعة فاغنر خارج الحدود: إنه لا يمكن حظر “الشركات الأمنية الخاصة” في البلاد، لأن هناك مليون شخص يعملون فيها. أما بالنسبة لنشاطها في الخارج فهي حرة بالتصرف وفق مصالحها، أي الشركات، مادامت لا تخالف القوانين الروسية.
الشركات الأمنية “شبه الرسمية” كنهج متعاظم في إقليم الشرق الأوسط
في خريف 2019، تسربت معلومات مؤكدة عن قيام تركيا بإرسال المئات من مقاتلي المعارضة السورية الموالين لها إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق ضد قوات اللواء حفتر، ومن بين المعلومات الشحيحة التي تم تسريبها، تبين أن الحكومة التركية قد اعتمدت من الناحية القانونية شركة SADATالأمنية والعسكرية الخاصة للتعاقد مع هؤلاء المقاتلين. ثم ظهرت معلومات عن توجه مقاتلين سوريين من الموالين لنظام الأسد للقتال في ليبيا إلى جانب اللواء خليفة حفتر، برعاية شركات روسية تتعاقد بدورها مع “شبه” شركات أمنية سورية. هذا عدا عما هو معروف من تجنيد إيران لمقاتلين أفغان وباكستانيين وعراقيين في ميلشيات تشبه في بنيتها الهيكلية الشركات الأمنية، ويقاتل افرادها طلبا للعائد المادي بالدرجة الأولى، لكن لهم دوافع سياسية وعقائدية أخرى، وبالنسبة للمقاتلين الروس الذين يحاربون بدوافع قومية، أو الذين يحاربون بدوافع دينية سواء إلى جانب تركيا او ايران، ثمة خيط يربط الجميع، وهو عملهم لتحقيق أهداف تكتيكية، وغايات استراتيجية للدول التي تحتضن تلك الشركات. وهنا سنلقي الضوء على ما يمكن اعتباره “بدايات” للظاهرة الآخذة في النمو في بعض بلدان الشرق الأوسط؛ عبر تفحصها في عدد من دول الإقليم:
العراق:
ظهرت الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في العام 2003، وتعمل اليوم أكثر من 60 شركة أمنية هناك منظمة في اتحاد واحد باسم “اتحاد الشركات الأمنية الخاصة في العراق PSCAI”، ويُقدر عدد العاملين فيها بين 30-50 ألف شخص، وهم بذلك يشكلون القوة العسكرية الثانية بعد الجيش الرسمي، وتنوعت مهماتها بين المشاركة في القتال والمعارك المباشرة، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتدريبات العسكرية، وتوفير الأمن في مناطق الصراعات، وتقديم الاستشارات، ووضع الخطط العسكرية، وقد تمت الاستعانة بها ابتداء من سنة 2014 في الحرب على تنظيم “داعش”، خاصة إلى جانب القوات الأميركية، إضافة إلى قيامها بتأمين المنشآت النفطية والمطارات والموانئ والشخصيات العامة.
تركيا:
يعمل في قطاع الأمن الخاص في تركيا أكثر من 285 ألف شخص، بشكل رسمي، وتحت مظلة قانون شركات الأمن الخاص الصادر عام 2004، فيما بلغ عدد الشركات الأمنية العاملة 1358 شركة، بينها سبع شركات أجنبية، وتقوم تلك الشركات بتأمين الحراسات المختلفة، بما في ذلك مبان ومنشآت حكومية.
وتعتبر شركة سادات SADAT للاستشارات الدفاعية الدولية الأمنية التركية الخاصة أهم هذه الشركات، ولها أنشطة في كل من سوريا إلى ليبيا وقطاع غزة والعراق.
وقد أسسها سنة 2011 ضباط متقاعدون مقربون من حزب العدالة والتنمية على رأسهم عدنان تنري فردي؛ بهدف تجنيد مجموعات مؤهلة لحمل السلاح، لتنفيذ عمليات بعضها معلن وبعضها الآخر سري، وهي تقدم خدمات عسكرية و أمنية ودفاعية واستشارية، ضمن استراتيجية ذات أبعاد أيديولوجية ملائمة لتوجهات حزب العدالة والتنمية، مثل تحقيق “الاكتفاء الذاتي” على الصعيد الأمني وعدم التبعية للدول الغربية، ذات الفكر “الصليبي”.
مصر:
تأسس فيها أولى شركات الأمن الخاصة منذ منتصف السبعينات فى حقبة الانفتاح، وتصاعد دورها مع مرور الزمن. ومن أهم الشركات التي ظهرت حينها “كير سيرفس” التي يرأسها اللواء عادل عمارة، الضابط السابق بالمخابرات العامة المصرية، وتستحوذ اليوم على أكثر من 50% من خدمات الأمن فى مصر، وتأسست عام 1979 بشراكة بين اثنين من الأجانب ومثلهما من المصريين.
ووصل عدد الشركات الأمنية في مصر اليوم إلى أكثر من 200 شركة، وفقا لبيانات شعبة الأمن والحراسة بالغرف التجارية. وتعمل في مصر فروع للعديد من شركات الأمن العالمية مثل G4S، و”سيكيوريتس” السويدية و “سبيد سيرفس”.
وفي سنة 2006 تأسست شركة “فالكون” المصرية بمساهمة مصرية من “البنك التجاري الدولي” ومستثمرين مصريين. وتمكنت منذ التأسيس من تحقيق نسب نمو قياسية، حتى أصبحت إحدى أكبر الشركات التي تقدم خدمات أمنية متكاملة، ويشمل نشاطها 28 محافظة. وبدأت الشركة مهامها عن طريق تقديم ثلاث خدمات رئيسية، هي الأمن، نقل الأموال، والأنظمة التقنية والأمنية. ومن أهم الأدوار التي قامت بها؛ تأمين حملة المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2012، اللواء أحمد شفيق، وحملة عبد الفتاح السيسي في انتخابات عام 2014.
كما تضطلع بمهمة تأمين 9 جامعات في جميع أنحاء مصر، وحماية البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية، وعشرات الشخصيات العامة من دبلوماسيين وكبار مسؤولي الدولة وبعض مكاتب الأمم المتحدة والسفارات الدولية في القاهرة. ويبلغ عدد موظفيها حاليا 22 ألفا، معظمهم من ضباط وعناصر الشرطة والجيش السابقين.
المملكة العربية السعودية:
كشفت لجنة الحراسات الأمنية في غرفة تجارة الرياض عن أكثر من 220 شركة خاصة حاصلة على ترخيص للاستثمار في قطاع الحراسات الأمنية، وتعتبر “السعودة” بنسبة مئة في المئة، الشرط الرئيسي للعمل في هذا القطاع، الأمر الذي يشير إلى كون اعتبار المملكة لهذا القطاع أشبه برديف لأجهزة الأمن والجيش الرسمية. وقد كشف رئيس لجنة الحراسات الأمنية في غرفة الرياض عن وجود خطة لاستيعاب نحو 200 ألف عامل في هذا القطاع في المرحلة القادمة.
لبنان:
بسبب ظروف الاستقطاب السياسي الحاد، وسيطرة حزب الله الذي يشبه “مؤسسة” عسكرية تابعة لإيران، فقد أسست التيارات السياسية الأخرى مؤسسات أمنية ذات طابع طائفي غالبا، ومنحتها صفة “شركات” أمنية، منها الشركة الأمنية التي تحمل اسم المستقبل، والتابعة لتيار المستقبل، وشركة “سيكيور بلوس” لتأمين تحركات قياداته والمنشآت الحيوية الخاصة به، ويملك حزب الكتائب أيضا شركة أمنية، ويقدر عدد تلك الشركات بنحو ٥٠ شركة، تديرها غالبا قيادات عسكرية وأمنية وميلشياوية سابقة.
إيران:
تعتبر الميلشيات التي تجندها إيران في حروب الشرق الأوسط أشبه بشركات أمنية بغطاء أيديولوجي، وتتطور نشاطاتها في هذا الصدد لتتبلور أكثر في شكل قانوني محدد.
على سبيل المثال بدأت منذ سنة 2015 من الإعلان عن تأسيس شركات أمنية لتأمين مواكب “الحجيج” الإيرانيين إلى سوريا، أو الاستعانة بشركات عراقية، وأهم الشركات الإيرانية المرخصة في سوريا هي شركة “القلعة للحماية”، التي تتخذ مقرا لها في العاصمة دمشق، لكن أفرادها يتلقون تدريباتهم في إيران، وتعمل منذ العام 2013 في مرافقة الزوار الشيعة من مطار دمشق إلى المراكز الدينية. كما أن لها نقطة ثابتة للمراقبة في محيط “جامع الست رقية”، أحد أكبر مزارات الشيعة بدمشق. وكذلك تشرف الشركة على تأمين مرور البضائع التجارية من مرفأ طرطوس باتجاه دمشق وحمص وحلب.
ولا تشكل هذه الشركة في الوقت الراهن قوة كبيرة يعتد بها، لكن يمكن أن تكون نموذجا تتحول وفقه عشرات الميلشيات التي ترعاها إيران في عدة دول عربية إلى شكل “قانوني” وتكون بذلك بمثابة جيش رديف، يعمل بالتوازي مع قوى إيران الرسمية الأخرى لتحقيق غاياتها الاستراتيجية، بالطرق العسكرية.
سوريا:
لم تعرف سوريا الشركات الأمنية حتى سنة 2008، عندما أسس رامي مخلوف شركة البستان، التي أوكل إليها مهمة تأمين احتفالية “دمشق عاصمة للثقافة العربية“، لكن عملها توقف في العام 2011، بعد تعميم من وزارة الداخلية لوقف منح التراخيص للمجموعات الأمنية، وتحولت أنشطة جمعية البستان لقمع المظاهرات الشعبية المناوئة للأسد.
لكن في عام 2013 أصدر نظام اﻷسد القانون 55 الذي نص على السماح بتأسيس الشركات الأمنية التي تتبع لوزارة الداخلية ضمن فرع شركات الحماية الخاصة في الوزارة، ويصنف القانون الشركات إلى فئات؛ الأولى بما يزيد عن 800 حارس، وتتراوح الثانية بين 500 إلى 300، والثالثة أقل من 300. وجميع الشركات العاملة في سوريا هي من الفئة الثالثة، ويمنع القانون المذكور الشركات من الحصول على أي نوع من المعدات إلا عن طريق وزارة الداخلية. وتشير سجلات العام 2019 للشركات العاملة بدمشق إلى أن 78 شركة أمنية خاصة مرخصة تعمل في سوريا، ومعظم هذه الشركات تحصل على تدريباتها في إيران، ومرتبطة بالاستراتيجية الإيرانية بشكل أو بآخر، لارتباط أعمالها حاليا بتأمين زيارات الحجاج الإيرانيين والبضائع الإيرانية بالدرجة الأولى.
لكن، وإلى جانب هذا النوع من الشركات الصغيرة، ثمة “شبه” شركات، تعتمد على الدعم الروسي، واستثماراته في قطاعي الطاقة والفوسفات على وجه التحديد، فمنذ سنة 2013 بدأ التعاون بين الشركات الأمنية الروسية وميليشيات محلية بينها ميليشيا صقور الصحراء التي يقودها الأخوين محمد وأيمن جابر، اللذين أسساها على نحو يشبه شركات الأمن الروسيّة المرتبطة بحماية قطاع النفط، وتألفت من ضباط سابقين وقدامى المحاربين، فضلا عن متطوعين من مجموعات أخرى موالية لنظام الأسد، وتتراوح أعمارهم ما بين 25 إلى 40 سنة، زودت بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وقد نجحت هذه القوات في انتزاع وتثبيت السيطرة في عدة مواقع نفطية، وأخرى لإنتاج الفوسفات في منطقة تدمر شرق حمص، لكن الشركات الأمنية الروسية وجدت حليفا أكثر قوة وموثوقية في العميد سهيل الحسن الذي يقود “قوات النمر” المعروفة، فتولت تدريب ودعم تلك القوات اعتبارا من سنة 2013، وحاربت جنبا إلى جنب معها، ويتصرف الحسن اليوم كرئيس شركة أمنية تختلط أهدافه بين السياسية والعسكرية والمالية، ويعتقد أنه الشريك المحلي المعتمد لتجنيد وتدريب المقاتلين الموثوقين الذين أرسلتهم شركات روسية إلى ليبيا للقتال إلى جانب خليفة حفتر، فيما تلعب الفرقة الرابعة، ومكاتب الترفيق التابعة لها، دورا مشابها، لكن لصالح الفرقة ذاتها التي يقودها شقيق رأس النظام ماهر الأسد، والدور ذاته أيضا تضطلع به شركة القاطرجي، التي يقع على كاهلها القيام بكافة العمليات الاقتصادية والتبادلات التجارية مع منطقة شرق الفرات المهيمن عليها من قبل واشنطن، وهو دور اضطلعت به منذ أن سيطرت داعش على تلك المنطقة سنة 2014.
خاتمة:
لا بد من أخذ دور الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في الحسبان عند البحث في مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وهو دور ليس من المحتمل أن ينتهي حتى فيما لو انتهت، وعلى نحو مفاجئ، كافة الصراعات الحالية في تلك المنطقة؛ فوجود الثروات، والتركيبة السكانية، والخلافات العميقة بين مختلف المكونات، ووجود مئات الألوف من المقاتلين السابقين، وملايين الشبان العاطلين عن العمل، كلها تشكل العوامل المناسبة لتمدد الظاهرة وتوسعها، وهوما يتطلب استراتيجية ملائمة من قبل دول الإقليم، سواء لمواجهة هذه الظاهرة المستجدة، أو للاستفادة منها في ظروف “الحرب الهجينة” السائدة في المنطقة، والتي لا يمكن التعامل معها عبر الجيوش والمؤسسات الأمنية التقليدية.