جسر: متابعات:
قبل “الضربة المدروسة” لـ”حزب الله” يوم الاحد، شهدت القنوات الدبلوماسية نشاطاً روسياً لافتاً ربما أفضى الى هذا التفاهم الواضح بين الجانبين. انطلق الحراك بعد اتصال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أعقاب الاعتداء الاسرائيلي بطائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية، وبالقصف على قاعدة لتنظيم فلسطيني موالٍ للنظام السوري في البقاع. جاء في الإتصال كلام للحريري عن أن “لبنان يُعوّل على الدور الروسي في تفادي الانزلاق نحو مزيد من التصعيد والتوتر، وتوجيه رسائل واضحة لإسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية”.
حتى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدأ زيارة اليوم الاثنين الى موسكو للبحث في “الاعتداءات الاسرائيلية في المنطقة”.
لماذا هذا التركيز على روسيا اليوم في ضبط الاشتباك مع اسرائيل؟
وحدها روسيا اليوم قادرة على لعب دور الوسيط، في ظل الانحياز الأميركي المطلق للادارة الليكودية في اسرائيل. بل يبدو الأميركي أقرب اليوم إلى يمين الليكود، بعد اعترافه السريع بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، وبالتلميح الى قبوله مبدئياً بخطوة مماثلة تجاه المستوطنات الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. أليس غريباً أن السفير الأميركي في اسرائيل ديفيد فريدمان سبق في كلامه عن المستوطنات، نتنياهو نفسه الذي انتظر حتى يوم أمس الاحد، لإعلان نيته بضمها؟
في مقابل الانحياز الأميركي، بات الدور الروسي فاعلاً في فرملة صراعات المنطقة، مع اسرائيل وإيران وتركيا. وصارت بين موسكو وحركة “حماس” علاقة تتيح أيضاً مثل هذا الدور، وهذا حصل في الحرب الأخيرة، وفقاً لأحد تقارير صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية، إذ قصّر من عمر المواجهة، واختصرها بأيام بدلاً من أسابيع وشهور وكثير من الدماء والدمار.
حتى في شمال سوريا وجنوبها، تضبط روسيا مسار التصعيد بالتوافق مع الجانب التركي ومع إيران، تباعاً. ضبط الإيقاع يحصر القتال في نطاق جغرافي وإطار زمني محددين، ولا يسمح بتعميمه واتساعه. جنوباً، تعمل روسيا على ضبط الجانب الإيراني، رغم الضربات الاسرائيلية المتواصلة هناك (بالتنسيق مع الجانب الروسي).
يكمن سر الدور الروسي في العلاقات المتشعبة لموسكو مع الأطراف المتصارعة، وعلى رأسها اسرائيل حيث يتنافس المرشحون لرئاسة الوزراء على أصوات مليون ناخب روسي. والعلاقة الروسية-الإيرانية والتركية أيضاً متشعبة، فيها الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية.
هذه حركية لا تملكها الولايات المتحدة التي فقدت مصداقيتها كوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لا بل تعمل لتكريس الاحتلال وتجر حلفاءها إلى تطبيع مجاني.
من هذه البوابة علينا رؤية الحراك الروسي الأخير لاحتواء التوتر، والحؤول دون تدهوره إلى حرب شاملة. طبيعة هذا الدور تظهر في تصريح قبل أسبوع لجورج شعبان مستشار رئيس الوزراء سعد الحريري للشؤون الروسية، وأحد رموز الحقبة الروسية الجديدة في لبنان.
في كلام شعبان شقان، الأول عن جمع روسيا المعطيات “اللازمة” في شأن الاعتداء الاسرائيلي بطائرتين مسيرتين. الشق الثاني على ارتباط بـ”حجم ردّة الفعل التي سيقوم بها حزب الله، ليبنى على الشيء مقتضاه وهو ما من شأنه أن يحدد في المقابل مدى ردة الفعل الإسرائيلية”. يضمن التدخل الروسي تعديل ردات الفعل، تماماً كما يفعل في الشمال السوري حيث يحدد ساحات المعارك لكل طرف. وبما أن حزب الله واسرائيل لا يريدان الحرب، جاء الدور الروسي في محله بالتوافق مع كل الأطراف. “خفض التصعيد” هو كلمة السر الروسية هذه الأيام، ويبدو أنها تسللت من سوريا إلى لبنان.
لكن يبقى أن لهذا الدور، في حال طلّ برأسه كاملاً، تبعات سياسية واقتصادية، قد نراها خلال الشهور المقبلة في عقود وصفقات وزيارات.
المدن ٢ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩