الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

شارك

الصفقة السورية الممكنة

الصفقة السورية الممكنة

جسر – متابعات

شهد فندق إنتركونتيننتال على ضفاف بحيرة جنيف أسرع صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا. بين أروقة الفندق الذي جمع في تسعينيات القرن الماضي حافظ الأسد وبيل كلينتون اتفق سيرغي لافروف وجون كيري في أيلول 2013 على نزع أخطر ترسانة أسلحة تركها حافظ لوريثه.

“سيرغي عليك القيام بذلك”

“إذا كانوا أشرارا حقا، لا يهمني كيف تقتلهم، المهم ألا تستخدم الأسلحة الكيماوية!”

وضعت جلسة بجانب مسبح الفندق الذي تعطره أشجار الكاتالبا الخطوط العريضة للاتفاق “التاريخي” ونقل تفاصيلها الصحفي الأميركي جوبي واريك في كتابه (الخط الأحمر) الذي سجل عشرات الشهادات عن تفكيك ترسانة النظام الكيماوية.

فكرة التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية طرحها قبل أشهر من هجوم الغوطة ريتشارد لوغار عضو مجلس الشيوخ خلال زيارة لموسكو في 2012 وذكرها آندي ويبر مساعد وزير الدفاع لبرامج التسلح النووية والكيمياوية والبيولوجية في اجتماعات البنتاغون وناقشوها مع الروس دون التوصل إلى نتيجة.

كانت مجزرة الغوطة فرصة لإسرائيل، استدعى إثرها وزير المخابرات الإسرائيلي يوفال شتاينتز السفير الروسي إلى مكتبه وقال له: “لقد أصبحت مصدر إحراج لكم لماذا لا تجبرون سوريا على التخلص منها”. بينما كان أوباما يبحث عن الدعم للرد على تجاوز النظام لخطه الأحمر نقل رجل أعمال إسرائيلي فكرة التخلص من الكيماوي إلى البيت الأبيض. ليختفي بعد ذلك أثر الإسرائيليين في تفاصيل الصفقة التي حولت المسار من ضربة قد تنهي النظام إلى اتفاقية تتخلّص من أسلحته الكيماوية.

في 6 أيلول 2013 حصل لقاء بين بوتين وأوباما في سان بطرسبرغ الروسية على هامش قمة العشرين، بعده بأيام قال كيري في مؤتمر صحفي بلندن إن “الأسد يمكن أن ينقذ نفسه إذا تخلص طواعية عن ترسانته بالكامل”. وبعدها بثلاثة أيام كان هو ولافروف مع فريقيهما نزلاء فندق إنتركونتيننتال.

انقسم الأميركيون في الفندق إلى مجموعتين قانونية ولوجستية، صاغت الأولى بنود الاتفاق الذي سيعرض في مجلس الأمن ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، بينما عملت الثانية على وضع خطة سريعة للتخلص من المخزون الكيماوي. طلب الأميركان من الروس تدمير الترسانة في ستة مصانع بنتها روسيا في التسعينيات للتخلص من مخزون الحقبة السوفييتية لكنهم رفضوا. وكبديل عرض الأميركان آلة تحليل مائي مول تصنيعها البنتاغون منذ بدء النقاشات حول مصير السلاح الكيماوي في سوريا سميت مارغريتا. أثارت الفكرة استهزاء خبراء الكرملين لكن مهندس الميكانيك جيف هاريس الذي أشرف على تصنيع الآلة حاول إقناع جنرال روسي خبير بالأسلحة الكيماوية كان ضمن فريق لافروف وشرح له كيف تعمل الآلة وما هي ميزاتها المعيارية وكيف يمكن تفكيكها ونقلها بسرعة، ليقول الأخير بالإنكليزية This will work.

في المساء كتب توماس كونتريمان مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الأمن الدولي ومنع الانتشار النووي، وجون سينامون رئيس التخطيط في وكالة خفض التهديدات DTRA التابعة للبنتاغون اتفاقية من أربع صفحات مع جداول زمنية، ناقشها الوزيران صباح 14 أيلول بجانب المسبح، ووافق عليها لافروف كما هي.

ثلاثة أيام كانت كافية للاتفاق على التخلص من 1300 طن من الغازات السامة مع معدات تصنيعها وتخزينها، عملية اعتبرها الأميركان أخطر بكثير من سقوط النظام نفسه.

في لقاء لاحق طلب كيري من لافروف أن يضغط على النظام لتحقيق وقف لإطلاق النار لكنه لم يظهر إصرار التخلص من الأسلحة الكيماوية وقال للأخير “استطعت إجبارهم -ذات يوم- على الموافقة في 24 ساعة لماذا لا تجبرهم الآن”، رد لافروف “بل أقل من ذلك”.

جدية وحماس اتفاق الكيماوي غابت عن كل الاجتماعات الروسية الأميركية اللاحقة في جنيف، إلى أن اجتمع في تشرين الثاني من العام 2021، مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين في جنيف.

لم يتشجع صحفي أميركي حائز على جائزة بوليتزر للبحث خلف كواليس الاجتماع، لكن بعضاً من مخرجاته ظهرت وكان أبرزها “خطوة بخطوة” بدأت أولا بقبول الروس تمديد وصول المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر الحدود مقابل تقليص مناقشة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وعقد ٤ جلسات في مجلس الأمن حول الملف السوري سنويا بدل 12 جلسة، وتخفيف العقوبات على النظام مع السماح بمشاريع “التعافي المبكر” وفق صحيفة الفورين بوليسي.

الصفقة كانت مشجعة للروس خصوصا أن الطرف المقابل لهم هو بريت ماكغورك الذي لا يكن كرها لنظام الأسد ويتمتع بمرتبة مفاوض يستطيع تحويل قناعاته إلى قرارات تصدر عن إدارة بايدن. ماكغورك هو المسؤول الوحيد الذي طلب أوباما من ترامب تركه على رأس عمله، فتنقل من إدارة بوش إلى أوباما ثم ترامب وبعده بايدن.

لم نشهد على الساحة السورية مسؤولا أجنبيا يعمل بجد لتنفيذ “مشروع” بلاده مثل قاسم سليماني الذي ظهر على الجبهات حاملا منظارا وقبضة لاسلكي، بريت ماكغورك الذي تنقل شرق الفرات وبيده دفتر ملاحظات أسود، سجل فيه الخطوط العريضة لمشروعه (قسد) الذي دافع عنه حتى النهاية واستقال من منصب مبعوث واشنطن إلى التحالف الدولي عام 2019 بعد أن قبل ترامب بتنفيذ تركيا عملية نبع السلام، وكتب مقالا في واشنطن بوست أثار استياء الأتراك، ليصفه الرئيسي التركي لاحقا بـ”مدير تنظيم ب ي د”.

أنهى الغزو الروسي لأوكرانيا آمال استمرار لقاءات الروس مع ماكغورك، وتشير المعطيات الحالية إلى أن اجتماعا كاجتماع فندق إنتركونتيننتال بات مستحيلا خصوصا أن القطيعة بلغت حدا بات الروس فيه لا يجيبون حتى على خط “منع الاشتباك” بين القوات الروسية والأميركية في سوريا، وهددوا برفض تجديد آلية عبور المساعدات عبر الحدود “المنجز” الوحيد لإدارة بايدن في الملف السوري.

الاعتماد على المسارات المفتوحة منذ سنوات دون نتائج يعبر عن إفلاس سياسي. يقترح الباحث الأميركي تشارلز ليستر استراتيجية “التجميد والبناء” ويدافع عنها في ورقة نشرها معهد الشرق الأوسط، وترتكز على فكرة إعمار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وإنعاشها اقتصاديا، بحيث تغدو النقيض عن الحياة التي يقدمها نظام الأسد للسوريين.

يجب ألا يحرم الخوف من تحوّل خطوط السيطرة الحالية إلى جدار برلين أو “خط التوازي 38” الفاصل بين الكوريتين ملايين السوريين من استقرار نسبي إلى حين نضج حل سياسي.

المصدر: تلفزيون سوريا – (ماهر الوكاع)

شارك