الفزّاعة…

الفزّاعة…

الفزّاعة…

الفزّاعة…

الفزّاعة…

الفزّاعة…

الفزّاعة…

شارك

الفزّاعة…

الفزّاعة…

جسر: رأي:

هكذا نسمّيها في بلادنا ، وكذلك يسمّيها المغاربة و المصريّون ، وهو الإسم نفسه الذي أطلقه عليها الفراعنة ، الذين كانوا أولَ من ابتكرها ، وقد نقلها عنهم الإغريق فأسموها “بريابوس” الذي تقول الأسطورة ، أنه كان يعيش في كنفِ بعض زرّاع العنب ، وكانت الطيور تخافه لقبحه ، فتمكثُ بعيداً عن الزّرع فيحصدون غلالاً وفيرة ، وقد نقلها عنهم الرّومان اللذين صنعوها من الخشب.

أما في اليابان فتسمى “كاكاشي” ، وتصنعُ من القصب ، وتغطّى بقبّعةٍ من القَشّ ، لحماية حقول الأرز.

أما في العصور الوسطى فباتت الفزاعةُ من لحمٍ ودم ، إذ كان المزارعون يستأجرون فتيةً يسمونهم مخوّفي الطير ، يحملون أكياساً من الحجارة ويطوفون متفقدين الحقول لتخويف الطّيور.

أما في عصرنا الحالي فأخذتِ الفزّاعة شكلَ تنظيماتٍ ، تستخدمها الدولُ لإخافة أعدائها ، كما هو الحال مع النّظام ، الذي استجلب حزب العمال الكردستاني من قنديل مع انطلاق الثورة ، ووضعه على الحدود في محاولةٍ لتخويف الأتراك.

غير أن هذه الفزاعة لم تعدْ تجدي نفعاً ، بل باتت هي ذاتُها مهدّدة ، بعد أن جلبت الدبّ إلى الكرم ، فاستنجدتْ بصانعها للوقوف في وجهه وثنيه عن تحطيمها.

هذا باختصار ماتوحي به التسريبات المقصودة ، التي نقلتها مصادر مؤيدة عن اجتماعٍ تم في مدينة القامشلي ، بين نائب وزير الدفاع السّوري وقياديّ في العمال الكردستاني PKKفي 12 آب الجاري ، و نتج عنه ماقيل أنه “السّماح” لقوات النظام بالتمركز في موقع قرية “نعمتلي” ، وعلى الطريق الدولي حلب-بغداد ، وتل علو قرب اليعربية.

وقد تزامن وصول مسؤول النظام ، مع وصول وفدٍ أمريكي إلى تركيا ، والاعلان عن البدء بتأسيس مركز العمليات المشترك في أورفة.

يحاول مسرّبُ الخبر الإيحاءَ بأن هناك مفاوضاتٍ جرتْ بين خصمين ليس بينهما أي وحدة حال ، وأن التّسليم تمّ بمقابل ، وليس استجداءً ، ولذلك جاءت القفلةُ متضمنةً معالجةَ 700 مصاب من وحدات الحماية الكردية YPGفي مشافي العاصمة دمشق ، وحمايةَ قياديّين في العمال الكردستاني ، خشيةَ أن تقوم الولاياتُ المتّحدة بتسليمهم لتركيا.

بدايةً لابد من التّساؤل : أين كانت الوحداتُ الكرديّة تعالجُ مصابيها طيلة السنوات الماضية ؟! ، فلتكمل إذاً علاجَهم بذاتِ الطّريقة ، دون أن تكونَ مضطرّةً للرّضوخ للنّظام.

أما عن حماية الكوادر من التّسليم ، فالجواب ببساطة ، هاهي قنديل جاهزة لاستقبالهم ، والطريق إليها معبّدةً ، فلمَ الحاجةُ للوقوع تحت رحمة النظام؟ ، ثم هل إبقاؤهم رهينةً لديه هو الحلّ الأسلم ؟! ، ألم يسلّمهمْ سابقاً لتركيا في إطار اتّفاق أضنة؟

إذا فالشّق الثاني من التسريبات ليس صحيحاً ، وماهو إلا لذرّ الرمّاد في عيون مؤيدي الحزب ، الذين مازالت تنطلي عليهم مسرحياتُه وألاعيبُه.

أما عن تمركز النظام في “نعمتلي” وعلى الطريق الدولي ، فهو لم يأت نتيجة تفاوضٍ أبداً ، بل هو حاجة لـPKK، فرضها الاتّفاق الأمريكي- التركي ، وطلبتها قوات الحماية الكردية ، حتى لاتبقى في أعين الأتراك ، الذين يمكن أن يتّخذوها ذريعةً ، للتقدم خطوة أخرى باتجاه القامشلي ، التي أبقاها الاتفاق خارج نطاقه.

فتمركز قوات النّظام في موقع “نعمتلي” على المدخل الشرقي للقامشلي ، يسمح لها بالانتشار على محيط القامشلي من الشمال والغرب ، وبالتالي منع الاتراك من الاقتراب.

أما تمركزُها على الطريق الدولي جنوب القامشلي ، فيسمح لها بالانتشار غرباً 10كم وشرقاً15كم ، على طول الطريق الدولي ، الذي يقترب ضمن هذه المسافة من الحدود التركية ، ويكون واقعاً ضمن العمقِ المعلنِ للمنطقة الآمنة 18كم ، وبالتّالي وقوعه خارج سيطرة الوحدات الكردية ، مما يؤدي إلى قطعه ، الأمر الذي سوف يعيق تنقلها وتحركها عليه ، ولذلك من الأفضل تسليمه للنظام لمنع الدوريات الأمريكية-التركية المشتركة من السيطرة عليه ، أما باقي الطريق الدولي من حلب وحتى العراق ، فهو خارج المنطقة الآمنة حكماً ، حيث يقع على بعد 40كم عن الحدود في أقرب نقاطه.

يبدو أن النظام وحليفه PKK  متخوّفان من تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة ، رغم كل الشكوك التي تحيط بجدّية الأمريكان في ذلك ، ويبدو أن المنطقة التي يسمونها “شرقي الفرات” مقبلةٌ على تغييراتٍ دراماتيكية أصبحنا على علم بجزءٍ من بداياتها ، إلا أنّنا عاجزون عن التكهن بنهاياتها.

٭ضابط سوريّ منشقّ عن شعبة الأمن السّياسيّ

29 آب/ﻷغسطس 2019

 

شارك