خلدون الجبل – السويداء
اتخذ من ريشته سلاحاً خاض به معترك الثورة السورية التي أعادته إلى الرسم بعد توقف دام 20 عاماً. الشارع الثائر يشكل الملهم الحقيقي والمحرك الأساسي لريشته منذ أول صرخة “حرية” صدحت من حناجر الثوار. حسام السعدي يروي قصته مع الكاريكاتير والثورة في حديث خاص لــ”جسر”.
-ماذا يعني لك الكاريكاتير؟
* الكاريكاتير تعبير فني يتناول قضية معينة بأسلوب ساخر يكسر رتابة الواقعية، ويحرك الحياة من شكلها الساكن ويتمرد عليها, ويعكس ما في جعبة الحياة من فرح وحزن غضب وهدوء وانفجار وركود بالغوص في أعماقها, وعدم الاكتفاء بمظهرها الخارجي فقط.
-هل يمكن للكاريكاتير، أياً كانت قوة فكرته، وحرفية تنفيذه، أن ينافس الصورة التي تنقل مفارقات ما يجري على الأرض؟
* بالتأكيد. فالكاريكاتير قادر على تجسيد الواقع بلوحة واحدة فقط. بالمقابل تحتاج الكاميرا إلى صور متعددة لإيصال الفكرة المرادة. كما أن الكاريكاتير أكثر تأثيراً بتسليطه الضوء على الخفايا والكواليس التي لا تستطيع الصورة التقاطها بعدستها, إذ أنني مثلاً أستطيع رسم الحدث ومن يقف خلفه والوسط المحيط به برسمة واحدة، أما عدسة الكاميرا تتمكن من نقل الحدث فقط، وتحتاج لإثباته إلى سلسلة صور أخرى، أو إرفاق الصورة بمادة مكتوبة لإيصال الهدف منها.
-ماذا دور فنان الكاريكاتير وسط كل هذه المجازر والآلام؟
* الكاريكاتير فن جماهيري يولد من رحم المجتمع والوسط المحيط بنا، وهو مرتبط بصلات وثيقة بالناس، وما يتعرضون له من قتل وتشريد ومعانة وتهجير وجوع وانتهاك لحقوق الإنسان, لذلك فإن مهمتنا الاصطفاف إلى جانب الناس، وعكس كل الآلام والآمال المنشودة، ونقد آلة البطش والاستهزاء منها, وتصوير القاتل وضرب رواياته بعرض الحائط، عدا عن نقد صمت العالم أجمع إزاء ما يحدث في وطننا الغالي.
-ما موقفك مما يجري على الساحة السورية، وتأثيرات ذلك على فنك؟
* الثورة السورية أعادتني إلى الرسم بعد توقف دام قرابة العشرين عاماً. تخونني ريشتي وتشل يدي عن الرسم، معظم الأحيان، أمام مجزرة من مجازر النظام, لكن صرخة جديدة من صرخات الأبطال تعيد لريشتي الروح من جديد، فأعود إلى خطوطي البسيطة محاولاً، قدر المستطاع، إيصال الصرخة للعالم أجمع، طامحاً إلى دب الروح في الصامتين عن حقوق شعبنا، وعن المجازر البشعة التي ترتكب بحق أطفالنا ونسائنا وتاريخ وطننا.
-ما سبب توجه ريشتك لنقد نظام الأسد في معظم رسماتك؟
* رسالة الكاريكاتير ليست الإشادة والتعظيم، وإنما نقد الديكتاتورية والبيروقراطية ومناهضة الظلم. شخصياً، أحمّل الأسد المسؤولية التامة لما يحدث في سوريا من مجازر مروعة بحق الشعب، لذلك هو يشكل المادة الرئيسة لريشتي، محاولاً تعريته من كل أنواع الإنسانية، رغم أن صورته الساقطة بدت واضحة ليس فقط لأبناء وطننا بل للعالم أجمع.
-كيف يلهم الشارع حسام السعدي؟
*ما زالت الابتسامة ترتسم على شفتَيْ الشارع الثائر، رغم تعرضه لآلة قمع ممنهجة وتسلطية، ساخراً في الوقت عينه من نظام الأسد ليقينه التام من النصر واقترابه من هدفه المنشود في رؤية سوريا حرة محررة من قيود الظلم والتسلط الجاثمة فوق صدره لأكثر من 40 عاماً. وبالتالي، لقد استطاع إغنائي بالكثير من الأفكار الجاهزة، خاصة مع اعتماده على أسلوب الكوميديا والسخرية بشعاراته منذ اليوم الأول لثورة الكرامة والحرية.
-تعتمد على الكلمات في رسومك. ألا يعتبر هذا دليل ضعف في إيصال الفكرة المرادة؟
* بالطبع لا. فبعض الرسومات تحتاج إلى الكلمة لإيصال الفكرة المرادة إلى أكبر عدد مكن من شرائح المجتمع، وأعتبرها مكملاً رئيسياً للمادة. وللكاريكاتير أكثر من مدرسة كــ “الأوروبية الشرقية” التي تعتمد على الرسم فقط، حيث تقدم الرسوم الفكرة من خلال اهتمام بالغ بتفصيلات الرسم ذاته حيث لا وجود لتعليق. أما المدرسة “الأوروبية الغربية” فتعتبر الرسم تخطيطاً بسيطاً، ولا بد فيها من وجود تعليق على شكل نكتة أو حوار ضاحك، ومن خلاله علاقة الحوار بالتشكيل الرسمي تظهر المفارقة والفكرة المراد توصيلها. في حين تمتاز “المدرسة الأمريكية” بالجمع بين المدرستين السابقتين، حيث إن اهتمامها منصب على إعطاء الرسم مضامين ودلالات تتضح أكثر بالحوار.
-كيف تنظر من زاويتك كفنان إلى السلطة وكيف تتخيل بشار الأسد؟
– لا أراها أكثر من عصابة متسلطة متحكمة بالبلاد والعباد، قامت في الماضي بسرقة الفرد والمجتمع وإفسادهما. والآن تقتلهما معاً من أجل شخص فاقد للشرعية والإنسانية في آن واحد. أما بالنسبة لقائد العصابة الحاكمة، فأتعجب كيف استطاع هذا الكائن حكم الشعب السوري المبدع العظيم لأكثر من 11 عاماً.
-ما أهم كاريكاتير رسمته خلال الثورة السورية وهل هناك جمهور وسط قعقعة السلاح لتلقي الفن؟
* أهم كاريكاتير بالنسبة لي خريطة سوريا على شكل قطع من “بازل”، ويظهر جلياً أنها لن تكتمل إلا بمشاركة كل الطوائف والمكونات السورية. أما الجمهور فهو موجود في كل مكان، كالفن الموجود بجميع أشكاله وفي كل زمان ومكان.
-ما رأيك بمشاركة السويداء في الثورة وكيف تتمناها أن تكون؟
* منذ اندلاع ثورة الكرامة، والسويداء ليست بعيدة عن الحراك الشعبي، بجهود مثقفين يحاولون أن يعيدوا لمجتمعهم الأهلي دوره الوطني. محاولاتهم كانت ولازالت تصطدم بأجهزة النظام القمعية، فالنظام يعلم تمام العلم أن انفجار السويداء بوجهه يعني سقوط كل التخوفات عند باقي الأقليات، وسقوط روايته المتبعة بسلفية الحراك و تطرفه, وكذلك أهمية موقع السويداء في الجنوب السوري، الذي بات جزء منه تحت سيطرة الثوار كمحافظة درعا. كما تجدر الإشارة إلى معاناة جبل العرب من ضخامة الهجرة الداخلية والخارجية للجيل الشاب، فمعظم شباب السويداء في دول الاغتراب، ومع ذلك، تواجد شباب السويداء في كل محافظة وشاركوا بالثورة بكافة أشكالها السلمية والإغاثية والثقافية والسياسية والعسكرية. ومن الجدير بالذكر أن هناك أكثر من 12 ألف شاب من السويداء رفضوا الخدمة وامتنعوا عن الالتحاق بقطعهم العسكرية لقتال إخوانهم في الوطن معلنين براءتهم من مستنقع الدم السوري.
-ما رؤيتك لمستقبل سوريا؟
* أرى سوريا المستقبل لوحة فنية متكاملة المعالم تزينها الألوان المشرقة، وأرى الشعب السوري، بمختلف انتماءاته، يتعاضد لإعادة إعمارها وإزالة الدمار عن ترابها. أراها تتجه من المجهول إلى المعلوم ومن ماض أسود إلى مستقبل مشرق واعد يعيد للشعب حقوقه المغتصبة والمسلوبة لأكثر من 40 عاماً.