المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

شارك

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

المقاتلون السوريون يخوضون الحروب الخارجية لصالح روسيا وتركيا

جسر: قضايا:

“لقد أرسلونا مباشرةً إلى الخطوط الأمامية. حيث الوضع فظيع. فظيع. هناك قتال كل يوم. ونحن مكلفون بالاقتحام ولا مجال للراحة. هناك العديد من الرجال المفقودين ولا يمكننا الوصول إليهم.” أوضح عبد الباسط، وهو أحد المرتزقة السوريين، متحدثاً من أذربيجان (لقد قمت بتغيير أسماء جميع السوريين، الذين هم على قيد الحياة، في هذا التقرير من أجل سلامتهم). ما الذي دفع هذا المعارض السوري السابق النازح من منزله في الرستن بريف حمص إلى اتخاذ القرار بالانضمام للقتال في بلد أجنبي؟ اضطر والده، الذي لا يزال في الرستن، إلى أخذ قرض كبير بسبب حالة عائلية طارئة، لكن “راتبه لا يكفي [لسداد القرض]. لقد أُجبرت على الذهاب، رغماً عني.” قال ذلك، مكرراً العبارة بغضبٍ في صوته.

 

وعبد الباسط هو واحدٌ من مئات المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم تركيا منذ بداية شهر أيلول لشنّ حرب ضد أرمينيا في إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه في أذربيجان. وفي ظل هذه المنافسة على الهيمنة الإقليمية، أصبح رجال سوريا المكسورون والمفلسون وقوداً للمدافع. فقد قُتِل أربعة من أصدقاء عبد الباسط من الرستن في غضون يومين، بعد وقت قصير من الوصول إلى أذربيجان. وقتل اثنان آخران بعد أسبوع.

 

إن الحرب السورية، التي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص ونزوح أكثر من نصف عدد السكان ما قبل الحرب الذي قد بلغ 21 مليون نسمة منذ بدايتها في عام 2011، تتحول تدريجياً إلى صراع مجمّد: حيث استقرت الخطوط الأمامية منذ آذار 2020، وهذه أطول فترة منذ اندلاع القتال التي لم يُشهَد فيها أي هجمات جديدة. إن قدرة أي قوة على التقدم محدودة بسبب وجود قوات أجنبية: الولايات المتحدة لا تزال في الشمال الشرقي؛ روسيا وإيران والنظام في دمشق يسيطرون على معظم سوريا؛ وتركيا في الشمال. ومع عجزها عن تحويل ميزان القوى في سوريا، تبحث كل من تركيا وروسيا بشكل خاص عن ساحات جديدة يمكنها إبراز القوة فيها والفوز بالمنافسة بينهما.

 

ولعل هذا كان قد يعني فترة راحة من القتال للسوريين الذين يقاتلون بالنيابة عن روسيا وتركيا في سوريا، إلا أن الأمر لم يكن كذلك. والواقع أن العديد من الدول التي تدخلت في الحرب السورية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، أنشأت أو دعمت قوات وكيلة سورية خاصة بها، ولكن فقط روسيا وتركيا أخذتا بتصدير تلك القوات كمرتزقة للقتال في صراعات خارجية. إن المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، بدايةً من أواخر كانون الأول 2019، والآن أيضاً إلى أذربيجان، ينتمون عموماً إلى صفوف قوة وكيلة أنشأتها تركيا في عام 2016، والمعروفة الآن باسم الجيش الوطني السوري. واستخدمت أنقرة هذه القوة لتأمين حدودها الجنوبية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو داعش، في عام 2016، وبعدها مرة أخرى لشنّ حرب ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال وشمال شرق سوريا في عامي 2018 و2019. وقد تمكن هذا الجيش الوكيل من إعادة هندسة التركيبة السكانية للمناطق الحدودية من خلال التسبب بنزوح أغلب السكان الأكراد واستبدالهم بالعرب الذين هم ذاتهم كان نظام الأسد قد تسبَّب بنزوحهم من الجنوب.

 

بينما استجلبت روسيا المرتزقة الذين أرسلتهم إلى ليبيا من صفوف الميليشيات الموالية للأسد وتشكيلات الجيش السوري، والتي عملت روسيا وشركتها الأمنية الخاصة، مجموعة فاجنر، على تنميتها منذ عام 2015. وتشمل هذه القوات الفيلق الخامس، والفرقة 25 (المعروفة سابقاً بقوات النمر)، ولواء القدس، وما يسمى بـ صائدي داعش. واستخدمت روسيا والأسد هذه القوات في الأصل ضد المعارضة  السورية  وتنظيم الدولة الإسلامية، ولكن بدءاً من أوائل عام 2020، بدأت روسيا بتجنيد رجال من هذه التشكيلات للسفر للقتال في ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، فقد جندت روسيا بعض الأفراد العاملين في الخدمة وأفراد الميليشيات في قوات الدفاع الوطني السورية للقتال إلى جانب قوات مجموعة فاجنر في ليبيا، لدعم قوات الجنرال المتمرد خليفة حفتر.

 

وعادةً، مع انتهاء الحروب الأهلية يتم تسريح الرجال من الخدمة ويعودون إلى الحياة المدنية. وكما هو الواقع، فإن العديد من الرجال الذين جندتهم روسيا وتركيا للقتال في الخارج قد انسحبوا بالفعل من القتال، إما من خلال تسريحهم أخيراً من الجيش السوري بعد ثماني إلى تسع سنوات من الخدمة، أو عن طريق ترك  التمرد إما بسبب الإصابة أو الشعور بأن الثورة المسلحة قد ضلّت طريقها، أو في محاولة منهم للعثور على مهنة أقل خطورة. ولكن الاقتصاد السوري مدمّر لدرجة أن الجنود والمقاتلين المسرحين الذين يمتلكون بعض الخبرة والمهارات في سوق العمل يعانون بشدة للعثور على وظائف مدنية.

 

ومن ثم هناك أيضاً الرجال الذين يمتلكون بدائلَ أقل. فقد خلقت الحرب التي دامت ما يقارب العقد من الزمان جيلاً من الشباب الذين مهارتُهم الوحيدة التي يمكن استثمارها هي القتال. وغالباً ما يكون هؤلاء شباناً كانوا لا يزالون في مقاعد الدراسة عندما بدأ القتال، وتعطل تعليمهم بعد ذلك بسبب الحرب. في محادثاتي معهم، يصرّ بعضهم على استخدام الرسائل الصوتية والمكالمات فقط، حيث يواجهون صعوبة كبيرة في الكتابة حتى في اللهجة العامية.

 

تُوضّح المقابلات التي أجريتها مع عشرات الرجال الذين سافروا إلى ليبيا للقتال إلى جانب الطرفين المتحاربين، أو الذين تم إرسالهم أو تسجيلهم  للإرسال إلى أذربيجان، أن دافعهم الأساسي للانضمام هو دافع مادي. ففي سوريا، يبلغ متوسط دخل مقاتلي الجيش الوطني السوري حوالي 500 ليرة تركية، تُدفع بشكل عام كل شهرين، وهو ما يعادل دولار واحد تقريباً في اليوم. وفي شمال سوريا، بإمكان هذا الأجر اليومي أن يغطي تكلفة ربطتين ونصف من الخبز، وهو مقدار ما تستهلكه أسرة متوسطة يومياً. وفي ليبيا، وُعِدَ المقاتلون بأجر شهري أكثر سخاءً مقداره 2,000 دولار، ولكن في الواقع فإن ما يصل إلى 50 في المئة من هذا المبلغ يتم اختلاسه من قبل القادة الجشعين الذين يتحكمون بصرف الرواتب. في أذربيجان، لم يتم دفع رواتب المقاتلين الذين تحدثت إليهم حتى الآن، حيث تم إرسال هؤلاء قبل أقل من شهر، ولكنهم وُعدوا بما يتراوح بين 600 إلى 2500 دولار شهرياً مقابل عقود مدتها ثلاثة أشهر: حيث كانت جميع الرواتب أعلى بكثير مما يمكن أن يكسبوه في سوريا.

 

وقد ساعد انهيار الليرة السورية كل من روسيا وتركيا على تحويل السوريين إلى مجرد بنادق للإيجار، وكان ناجماً عن الانهيارالاقتصادي للبنان، وعمليات الإغلاق بسبب وباء الكورونا، وظهور تصدّعات واضحة في قيادة النظام السوري العشائري، وفرضعقوبات أمريكية إضافية بموجب قانون قيصر لعام 2019. أدى الانخفاض السريع في قيمة العملة السورية، الذي بدأ من تشرين الأول من عام 2019 ليستقر في حزيران الماضي، حيث كانت قد فقدت عندها ما يقرب من نصف قيمتها، إلى مضاعفة أسعار السلع الأساسية بما في ذلك السلع المصنعة والمنتجة محلياً. وكان السوريون الفقراء قد اقتطعوا مسبقاً اللحوم والدواجن والفواكه من وجباتهم؛ والآن بات لزاماً عليهم التخلي عن البيض والخضروات أيضاً، والاعتماد بشكل متزايد على الكربوهيدرات الرخيصة، وخاصة الخبز. وتضاعفت معدلات سوء التغذية بين الأطفال السوريين في عام 2020.

 

“كنا نوزع الخبز في واحدٍ من المخيمات في إدلب، وفوجئت برؤية أنه يضم حوالي ألف عائلة، ترأسها النساء جميعها تقريباً”. يقول عامر، وهو ناشط من معرة النعمان، كان قد نزح منها عندما فرض النظام سيطرته عليها في شباط 2020. “عندما سألتهم عن مكان أزواجهن أو إخوتهن، قالوا لي إنهم ذهبوا إلى ليبيا”. أخبرني عامر: “سألتهم، “كيف سمحتنّ لهم بالذهاب؟” قالوا لي، “إذا لم يذهبوا، فسنموت من الجوع أو نبيع شرفنا”. لذا قام الرجال ببيع أجسادهم بدلاً من أن تفعل الزوجات ذلك.

 

وبعد أشهر من توزيع الخبز هذا، صُدِم عامر بسماع خبر مقتل ابن عم له في أذربيجان. حيث ترك محمد الشحنة، وهو مقاتل سابق مع عدد من فصائل  معارضة  محلية، القتال  وعبر إلى تركيا في آب 2019، وعمل هناك لبضعة أشهر قبل أن يقرر القدوم لزيارة عائلته. وأثناء وجوده في إدلب، قامت السلطات التركية بإلغاء تصريح الإقامة الخاص به، ومنعته من العودة بشكل قانوني إلى تركيا، حيث كانت خطيبته في انتظاره. كان يائساً لكسب المال بطريقة أو بأخرى، لأنه لم يكن قادراً على تحمل تكاليف مهر خطيبته أو تكلفة منزل ليعيشوا فيه. حاول العودة إلى تركيا عن طريق التهريب، لكنه فشل. كانت عندها حين قرر الانضمام للقتال في أذربيجان.

 

“لقد عاملناه كما لو كنت أعامل أخاً لي. حيث كلفناه بأن يكون سائقاً ويقوم بنقل المقاتلين من المهجع إلى نقاط التجمع، ولم يكن في ذلك خطر على الإطلاق”. قال رستم، القائد المسؤول عن محمد، وهو ينتمي إلى فرقة السلطان مراد الذي هو جزء من الجيش الوطني السوري، متحدثاً إليّ من أذربيجان. “وقد فعلنا هذا للحفاظ على سلامته، لأنه كان الابن الوحيد لوالديه مع شقيقاته السبع”. وكان رستم يزور المستشفى حيث كان شقيقه يتلقى العلاج من الإصابات التي لحقت به في القتال عندما دعا المقاتلون السوريون في الخطوط الأمامية إلى إخلاء طبي آخر. وقال متحدثاً عن محمد: “لم يكن مطلوباً منه أن ينفّذ عملية الإخلاء، لكنه قرر الذهاب فأصيب برصاصة قناص واستشهد”. لم تتلقى عائلة محمد أي تعويض. وعلى عكس عائلات المقاتلين المدعومين من قبل تركيا الذين قُتلوا في المعارك في سوريا وليبيا، فإن المرتزقة الذين يقاتلون من أجل تركيا في أذربيجان لم يُوعَدوا بالجنسية التركية.

 

وهناك البعض الآخر يدفعهم نوع مختلف من اليأس. حيث كان سمير الذي انضم للقتال في ليبيا في صفوف الجيش الوطني السوري، واحداً من أوائل الرجال في حي الشعار من الطبقة العاملة في حلب الذين نظموا احتجاجات ضد النظام السوري في عام 2011.  ثم انضم لاحقاً إلى المعارضة المسلحة، ومعه اثنان من إخوته. وقاتل الثلاثة في صفوف الفصائل المختلفة في المدينة وأصيبوا مراتٍ عدة. وكاد شقيقه منصور أن يموت في غارة بغاز الكلور أواخر عام 2016. وبعد سقوط المدينة، نزح الرجال إلى شمال محافظة حلب، حيث انضموا إلى صفوف الجيش الوطني السوري بسبب عجزهم عن العثور على وظائف أخرى. وفي النهاية، عندما وُوجه بمعاناة عائلته من الجوع، قرر سمير أن يلتحق بالقتال في ليبيا. “وهناك، أصبح مدمناً على المخدرات”، قال أخوه منصور.

 

المخدرات والكحول رخيصة ومتوفرة بسهولة في ليبيا أكثر مما هي في سوريا. وتشير محادثاتي مع المقاتلين في ليبيا إلى انتشار تعاطي المخدرات والكحول بينهم. حيث كان بعض المقاتلين يتصلون بي في ساعات متأخرة وهم سكارى بشكل واضح. وتذهب معظم رواتب المرتزقة السوريين في ليبيا (من كلا الجانبين المتقاتلين) مباشرةً إلى عائلاتهم في سوريا، لمنع الرجال من الفرار بالمال عن طريق القوارب إلى أوروبا، لكنهم يتلقون مصروف جيب، حوالي 300 دولار شهرياً بالنسبة لمقاتلي الجيش الوطني السوري، وينفق البعض منهم الكثير منه على الحفلات. وقال منصور: “بعد عودته من ليبيا، أنفق كل المال الذي حصل عليه على المخدرات. والآن وقد التحق بالذهاب إلى أذربيجان فإنه يحتاج المال”.

 

وعلى مدى عام 2020، أصبح إرسال المرتزقة هذا مقبولاً بشكلٍ تدريجي كمعيارٍ اجتماعي في المجتمعات السورية، واكتسب اقتصاد الارتزاق طابعاً مؤسساتياً أكثر. وفي مستهلّ الأمر، واجهت تركيا صعوبة في إقناع السوريين بالقتال في الخارج. وعارض مقاتلو الجيش الوطني السوري أوامر قادتهم السوريين بالانتشار في ليبيا وكان لا بد من إجبارهم على ذلك تحت التهديد بالطرد من صفوف الجيش. وفي حين أن القتال في سوريا لصالح تركيا يمكن تبريره بطريقة ما على أنه يخدم مصالح الثورة، فإن نظيره في ليبيا لا يمكن تبريره بذلك. لكن مع مرور الوقت، تغيرت مواقف المقاتلين عندما وجدوا أن الرواتب الموعودة والأكثر ربحاً قد تحققت فعلاً، ورأوا أن المزيد من أصدقائهم يرحلون إلى الخارج وقد أصبحوا معتادين تدريجياً على الفكرة، وحتى أنهم في بعض الحالات كانوا متحمسين إزاءها. والآن، سواءً في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في سوريا، حتى يتم قبول المقاتلين من قبل السماسرة المجنِّدين وإرسالهم إلى الخارج، فهم يحتاجون إما إلى الواسطة عن طريق صلات شخصية أو إلى دفع حصة من أجورهم المرتزقة في المستقبل.

 

وكشف تجنيد المقاتلين للاستيلاء على إقليم ناغورنو كاراباخ عن اليأس الاقتصادي للعديد من السوريين – واستعداد الآخرين للاستفادة منه. حيث ظهر مجال قائم من المجنِّدين والسماسرة (بما فيهم من فصائل الجبهة الوطنية للتحرير مثل أحرار الشام وفيلق الشام). فبالإضافة إلى المجنِّدين الرئيسيين، وهم قادة ثلاثة فصائل تدعمها تركيا: فهيم عيسى (الذي يقود فرقة السلطان مراد)، سيف أبو بكر (من فرقة الحمزة، “الحمزات”)، ومحمد جاسم، المعروف أيضاً باسم أبو عمشة (من فرقة السلطان سليمان شاه، “العمشات”) – نشأت شبكة واسعة من المستفيدين بين معاوني هؤلاء القادة.

 

ابتداءً من أوائل شهر آب، أخذ هؤلاء الوسطاء بإقامة مكاتب في عفرين، شمال سوريا، لتسجيل المجنَّدين في أذربيجان. كما قاموا بإنشاء مجموعات على واتساب لنفس الغرض والإعلان عن عروضهم في مجموعات الواتساب الأخرى التي يستخدمها أعضاء الجيش الوطني السوري. يقوم بعض الوسطاء بتسجيل الرجال مقابل عمولة من دخلهم المستقبلي ثم إحالتهم إلى المجنِّدين الأقرب إلى قادة الفصائل الثلاثة، الذين يأخذون حصة أيضاً. وتجري حملة التجنيد الآن على نطاق واسع، حيث تم بالفعل إرسال ما لا يقل عن ألفمقاتل، ويتم تجنيد عدة آلاف آخرين، وذلك وفقاً لمجنَّد يعمل مع فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) ومقاتل من فرقة السلطان مراد موجود بالفعل في أذربيجان. وحتى أن المجنِّدين يقبلون الآن أفراداً مدنيين بدون أي خبرة قتالية.

 

في البداية، أخبر هؤلاء المجنِّدون المقاتلينَ المرتقبين أنهم ببساطة سيحرسون منشآت النفط. ولكن بمجرد أن اشتبكت أذربيجان في القتال مع القوات الأرمينية، أُلقيَ السوريّون إلى الجبهات. وبعد مقتل العشرات منهم في غضون بضعة أيام، تغيرت طريقة التجنيد. فاليوم، يدعي بعض السماسرة ضمان إرسال مجندِّيهم إلى مناطق أكثر أماناً؛ وهذا أمر غير صحيح، لأن السوريين لا يعرفون أي الجبهات ستبقى نائمة وأيها سوف تشتعل. ويزعم مجنِّدون آخرون أن الوضع في الجبهة قد استقر وأن القتال أصبح أقل فتكاً. (ويبدو هذا الادعاء خادعاً أيضاً، حيث أنَّ المجنِّدين الذين تم التواصل معهم على مدى الأسبوع الماضي يرفضون تسجيل المقاتلين السابقين المصابين، على أساس أن القتال يتطلب صحة تامة).

 

وقد تبدو هذه الأكاذيب بلا جدوى، فقد سمع ما يكفي من الرجال عن طريق التداول في الأحاديث، من الأصدقاء والأقارب الذين أُرسلوا بالفعل إلى أذربيجان، عن مدى شدة القتال وعن الساعات التي يستغرقها إجلاء الجرحى، تاركين البعض لينزف حتى الموت على الجبهة. لكن من المحتمل أن تكون مثل هذه الأكاذيب هي ما يحتاج السوريون لسماعه لإقناع أنفسهم بالقتال، بل وربما الموت، في مكان بعيد. وبغض النظر عن ذلك فإن العديد من السوريين يشعرون بأنهم مُجبرون إلى الذهاب.

 

 

يكشف التجنيد لأذربيجان وليبيا عن البراغماتية اليائس لدى السوريين الذين تدنَّت معيشتهم لمستوى الكفاف في بلدٍ دمرته الحرب – تلك الحرب التي لا نهاية لها في المستقبل المنظور، والتي سوف تقررها في كل الأحوال قوى خارجية ساهمت بتدمير البلد. والواقع أن الدولتان اللتان تدخلتا بشكل حاسم في سوريا لتعزيز مصالحهما – تركيا وروسيا، وكذلك أولئك الذين وقفوا مكتوفي الأيدي بينما تغرق سوريا في الدماء، عملياً لا يعتبرون أي قيمة لحياة السوريين، بل ينظرون إليهم كبيادق في لعبة الشطرنج الجيوسياسية الخاصة بهم. والسوريون – المتمردون السابقون وأفراد الميليشيات والمدنيون العاديون – يعتنقون ببساطة الدور الذي تم تخصيصه لهم، أي كونهم بيادق. حيث يعني رفض قبول هذا المنطق أنهم وعائلاتهم سيعانون الجوع.

 

وقد حدث هذا التغيير في المواقف على امتداد المجتمعات المنقسمة بشدة إثر الحرب السورية. وأوضح حسين، وهو ناشط علوي في طرطوس كان قد غادر صديقه وهو جندي سابق في الجيش السوري للقتال في ليبيا مع أخوه، طالب جامعة وعمره 18 سنة، إلى جانب مجموعة فاجنر، كيف تغيرت الآراء في هذا المجتمع الذي أيّد النظام السوري عموماً على مدى هذا العام. فقال: “كان هناك الكثير من الانتقادات الموجهة لمن يذهبون” بسبب معارضة فكرة القتال في الخارج لتعزيز مصالح دولة أجنبية. “والآن يرى الناس بأن الشخص الذي يذهب فهو يعتني بعائلته. فلم يبق أي شيء هنا”.

==============================================================

*إليزابيث تسوركوف زميلة باحثة في مركز السياسة الدولية وهو مركز دراسات وأبحاث مقره العاصمة واشنطن، حيث تركز في أبحاثها على بلاد الشام. وهي طالبة دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة برينستون. كما عملت أيضاً كمستشارة مع مؤسسات ومنظمات من بينها: مجموعة الأزمات الدولية، فريدم هاوس (بيت الحرية)، المجلس الأطلسي، والمعهد الأوروبي للسلام، وغيرهم.

رابط المقال الأصلي هنا.

شارك