جسر: قضايا:
أصدرت مؤسسة اليوم التالي “دراسة مسحية شملت ١٠ آلاف مهجر سوري نحو شمال غرب سوريا”، قدمت من خلالها تحليلاً لرواية عشرة آلاف مهجر وحيثيات تهجيرهم والأوجه المختلفة للمعاناة التي يكابدونها في المناطق التي يعيشون فيها، وقدمت نتائج عملها إلى المؤسسات الحقوقية والإعلامية والإنسانية السورية والدولية، ووكالات الأمم المتحدة، والأطراف الفاعلة بغية إيجاد حل سياسي للمأساة السورية.
ركز الاستقصاء على قصص التهجير الجماعي التي حدثت بين عامي ٢٠١٦ و ٢٠١٨، وهي الفترة التي هجر فيها ملايين الأشخاص من منازلهم إلى محافظات سورية، ونقل أكثر من ٢٠٠ ألف شخص بوساطة حافلات نحو إدلب شمالاً بعد التوصل لـ “اتفاقيات مصالحة”.
وتم إجراء مقابلات مع نحو ٨ آلاف مهجر نقلوا إلى إدلب من أربع محافظات وهي دمشق وريفها وحمص وحلب، كم تمت مقابلة ألفي شخص هجروا من مناطقهم، في ظروف لا تتعلق باتفاقيات المصالحات، وأجريت كامل المقابلات في مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب الشمالي.
السمات القسرية لاتفاقيات المصالحة
في ردهم على السؤال الرئيسي : ما السبب الذي دعاك لاتخاذ قرار المغادرة؟ قال ٣٩ بالمئة من المستطلعة آراءهم هو “انعدام الأمن والعنف الدائر، ويضاف إليهم ستة في المئة قالوا إنهم تعرضوا لتهديد شخصي، ليصبح مجموع المهجرين الذين اتخذوا قرارهم لهواجس أمنية ٤٥ بالمئة. فيما وأرجع ٣٧ بالمئة سبب المغادرة لأسباب معيشية (الافتقار للخدمات الرئيسية، الافتقار إلى الدخل، انعدام المأوى. بينما عزا ١٣ بالمئة الأمر إلى مغادرةجميع الأقارب، وكان لدى٧ بالمئة أسباب أخرى.
قد يتوقع المراقب الخارجي أن يسيطر الهاجس الأمني على المهجرين، الذين عانوا من حملات النظام وحلفائه العسكرية، إلا أن ذلك لا يتوافق مع نتائج البحث المسحي، ويرجع ذلك لكون الأغلبية العظمي من مناطق التهجير خضعت طويلاً للحصار وارتفاع لأسعار وشح في الأغذية، وبالتالي كانت الهواجس المعيشية حاضرة بقوة، ودوافع المغادرة مركبة، لا تقتصر فقط على الخوف من الموت أو الاعتقال.
لكن ماذا لو لم يغادروا؟
نحو نصف المهجرين (٤٩ بالمئة ) يعتقدون أن عدم مغادرتهم كان سيؤدي لاعتقالهم، واعتقد أكثر من ربعهم أن بقاءهم كان سيؤدي إلى القتل، و٥ بالمئة كان سيتم سوقهم للتجنيد الإجباري.
تدل هذه النتائج على أن النظام السوري وحلفائه خلق بيئة قسرية تم استغلالها لتهجير الأشخاص الذي شملتهم عينة البحث، مثل الخوف من العنف والإكراه والاحتجاز، والاضطهاد النفسي.
هل كان الخيار لهم؟
في اجابتهم على السؤال الثالث: هل قررت بنفسك المغادرة أم طلب منك ذلك؟ قال أكثر من نصف المهجرين (٥٥٪) أنهم غادروا بناءاً على قرار شخصي، و٤٥٪ منهم قالوا العكس.
هذه الإجابات لا تتناقض مع مفهوم التهجير القسري حقوقياً وجنائياً، ففي حين أنه من الممكن أن يوافق المدنيون طوعاً على الرحيل، ويكون رحيلهم في هذه الحالة ليس جريمة دولية، إلا أنه في الحالات التي يترك فيها مرتكب الجريمة المدنيين دون خيار حقيقي فيما يتعلق برحيلهم أو بقائهم، فيمكن عندئذ وصف التهجير على أنه جريمة تهجير قسري باستخدام وسائل غير مباشرة. لكن في الواقع يتضح من الاستقصاء المسي إن ٨٠ ٪ من المهجرين غادروا بعد ان طلب منهم النظام السوري ذلك، فيما قال ٩٪ منهم إن القوات الروسية هي من طلبت ذلك.
تهجير عشوائي!
يعتقد ٧٥٪ من المهجرين أن عملية التهجير الجماعي لم تستهدف مجموعة معينة من السكان، في حين أن ربع المستجيبين يعتقدون العكس، أغلبيتهم الساحقة تعتقد أنه تم استهداف المعارضين للنظام، ولم يفرق بين المدنيين والمقاتلين عندم أبرم “اتفاقيات المصالحة”، الأمر الذي يوضح أن لم يكن بالفعل هناك ضرورة عسكرية قهرية لتبرير تهجير السكان، واحتمالية أن التهجير الذي جاء بعد هذه الاتفاقيات كان بالأصل له اعتبارات سياسية، بهدف إعادة فرض سيطرة النظام على المدن التي عرفت بمعارضتها له.، ولم يختر ٩٩ ٪ من المهجرين مفاوضيهم، إذ تمت “اتفاقيات المصالحة” بين الفصائل العسكرية، والنظام وحلفائه. وبالتالي لم تعط أية فرصة للمهجرين من مختلف الأطراف لإبداء رأيهم الخاص، وعلم ٥٧ ٪ من المهجرين بالاتفاق عند إذاعته عبر مكبرات الصوت في المساجد أو بوسائل أخرى، وعلم به ٢٩ ٪ عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المغادرة على عجل ومصير مجهول :
قال٨٢ ٪ من المهجرين إنهم منحوا مهلة أسبوع أو اقل للمغادرة، وقال٣٣٪ منهم إن الوقت الذي أعطي لهم للإخلاء كان أقل من ثلاثة أيام. ولم يتلق ٧٢٪ من المهجرين أي تعليمات عند مغادرتهم، فيما قال ٢٨٪ إنهم تلقوا تعليمات قبل تهجيرهم. وقال ٩٨٪ إنهم تلقوا تعليمات التهجير بطريقة شفهية، و ٩٧٪ قالوا إنها لم تحو على تعليمات خطية. فيما قال٩٩ ٪ إن التعليمات لم توجه لهم بشكل مباشر بل وجهت لكامل المجتمع.وأكد٧٤ ٪ أن التعليمات لم تتضمن توفير مكان بديل للانتقال.
ويشير ذلك إلى جهل المهجرين ببنود الاتفاق، لكن لا يمكن اعتبار عدم وجود أوامر صريحة بالتهجير شرطاً لإثبات جريمة التهجير القسري، لأن تهجير المدنيين باستخدام أساليب غير مباشرة (مثل الهجمات العشوائية) أيضاً يندرج ضمن نطاق جريمة الحرب المتمثلة في تشريد المدنيين.
الموطن الجديد:
في المكان الذي هجروا إليه، يعيش ٧١٪ من المهجرين في مساكن مستأجرة، الأمر الذي يشكل عبئاً مالياً اضافياً عليهم، وهناك نسبة تبلغ ١١ ٪ يعيشون في مخيمات، و٨٪ يعيشون في مدارس وأبنية حكومية، ويعيش ٧,٧٪ منهم في سكن جماعي مع أقاربهم، و٠,٥٪ منهم بلا مأوى، بينما يسكن ١,٥٪ في منازل مملوكة.
واعتبر ٦٧,٥٪ من المهجرين أن سكنهم سيء أو سيء جداً، فيما وجد ٢٧٪ منهم أن ظروف سكنهم مقبولة، فيما لم تتجاوز نسبة الذين وصفوا ظروف مسكنهم الجديد بالجيدة أو الجيدة جداً الـ ٥٪.
وفيما اعتبر ٤٨٪ من المهجرين انهم لا يعانون أي ضائقة في تأمين الغذاء، وأنه كاف، فيما قال ٢٦٪ من المهجرين إن المواد الغذائية التي يستطيعون الوصول إليها غير كافية. فيما كانت هناك صعوبات بتوفير الماء لدى أكثر من ٥٦٪. لكن الصعوبة الأكبر تتمثل بالوصول إلى الوقود، إذ قال ٣١٪ أن الوقود غير متوفر، فيما ٢٧ ٪ قالوا إن ما يحصلون عليه من وقود لا يكفيهم، وقال ٢٢ ٪ إنهم لايعانون من في سبيل تأمين كفايتهم من المحروقات.
ضعف في الخدمات القانونية والطبية لكن التعليم جيد!
لا تتوفر الخدمات القانونية لـ٦١ ٪ من المهجرين على إطلاقاً، و١٣ ٪ منهم لديهم وصول كاف للخدمات القانونية دون صعوبات، الأمر الذي يجعل توفير الخدمات القانونية من أكثر الأولويات إلحاحاً بالنسبة للمهجرين اليوم.
فيما قال ٩٪ من المهجرين إن الخدمات الطبية غير متوفرة على الإطلاق،و ٢٢ ٪ منهم قالوا إنها غير كافية، و٢٠٪ قالوا إنها بالكاد تكفي احتياجاتهم، بينما اعتبر ٤٤ بالمئة أن الخدمات الطبية متوفرة بدرجة كافية. فيما بلغت نسبة المهجرين الذين قالوا إن التعليم غير متوفر إطلاقاً ٨٪ ، و١٧ ٪ قالوا إنه متوفر بدرجة غير كافية، و١٦٪ قالوا إنه المتوفر من خدمات التعليم بالكاد يكفي أبناءهم.أما النصف الأكبر من المهجرين ٥٥٪ فقالوا إن التعليم متوفر بدرجة كافية أو درجة كبيرة.
غالبيتهم يعملون
قال ٥٨٪ من المهجرون إنهم يمارسون عملاً ما، وهو ما يشكل مصدر دخلهم الذي يعتمدون عليه، في حين أن ٤٢٪ منهم لا يعملون (ذكور وإناث) ، ويعتمد ثلث المهجرون على المساعدات الإنسانية، و١٥ ٪ يعتمدون على تحويلات مالية من أقاربهم في الخارج، و١١٪ يعتمدون على مدخراتهم الشخصية، و٦٪ يعتمدون على الدعم المقدم من المجتمعات المحلية المضيفة.
لكن ٤٨٪ من أفراد العينة الإحصائية قالوا إنه لم يتم تسجيلهم لدى منظمة أو جهة معنية بالاستجابة الإنسانية، في حين سجل ٥٢٪، لكن ٦٢٪ من المهجرين لا يحصلون على مساعدات إنسانية، مقابل ٣٢ ٪ يحصلون عليها، ويرتبط غياب المساعدات بقصور عمليات التسجيل، وإنشاء قاعدة بيانات للمهجرين.
وتفاوت تقدير المهجرين لمستوى حياتهم مقارنة بظروف ما قبل التهجير، إذ قال ٤٠٪ منهم إن ظروفهم المعيشية الحالية أسوأ وأسوأ بكثير من السابق، وقال ٢٤٪ منهم إن ظروفهم المعيشية لم تختلف، فيما قال ٣٦٪ أن ظروفهم الحالية أفضل وأفضل بكثير من السابق. لكن التحسن الأبرز هو في الجانب الأمني، إذ اعتبر ٦٨٪ من المهجرين أن وضعهم الأمني أفضل أو أفضل بكثير من السابق، فيما اعتبر ١٢٪ منهم أن ظروفهم الأمنية بقيت كماهي في السابق، وقال ١٥٪ أن وضعهم أصبح أسوأ أو أسوأ بكثير من الوضع السابق.
العلاقة مع المجتمع المضيف جيدة
يرى ٥٤٪ من المهجرين أن علاقتهم بالمجتمعات المضيفة جيدة أو جيدة جداً، لكن ٣٩٪ منهم وصفوا العلاقة بالسيئة والسيئة جداً ما يشير إلى عدم انخراط المهجرين مع المجتمعات المحلية الجديد،. مع أن ٥٨٪ قالوا إنهم نادراً ما تعرضوا لتمييز أو إنهم لم يتعرضوا إطلاقا، وقال ٣٢٪ من المستجيبين إنهم يتعرضون للتمييز أحياناً، فيما قال ١٠٪ إنهم يتعرضون للتمييز كثيراً وكثيراً جداً.
ماذا عن تطلعات المهجرين المستقبلية؟
تفضل الغالبية العظمى من المستجيبين ( ٨٦٪ ) العودة إلى مناطقهم الأصلية، رغم أنهم لم يتلقوا وعوداً بالعودة، ومضى على إقامتهم الآن أكثر من عامين، لكن الفكرة ما زالت موجودة ضمن خياراتهم المستقبلية. فيما يضل ما نسبته ٩ ٪ منهم الخروج من سوريا إما إلى دول الجوار أو أوروبا، نظراً لأنهم يبحثون عن فرص لبدء حياة جديدة في مكان بعيد عن الصراع. فيما ابدى ٤٪ من المستجيبين رغبته بالبقاء في المناطق التي قدموا إليها، الأمر الذي يعكس علاقة هؤلاء بالمحيط الذي يعيشون فيه.
أما لناحية السعي إلى تعويضات، فقد كان اللافت أن النسبة الأكبر من المستجيبين اختاروا إجابة “لا أعرف، لا توجد إجابة” ٣٤٪ على هذا السؤال، الأمر الذي يعكس تخبط حال المهجرين وعدم وضوح المستقبل بالنسبة لهم. فيما قال ٢٠٪ من المستجيبين يريدون العودة واستعادة ممتلكاتهم، فيما طالب ١٦٪ منهم بالتسوية وجبر الضرر، وبلغت نسبة من أبدوا استعداداً للبدء من جديد ١١٪، فيما اكتفى ٨٪ منهم بالحصول على اعتذارات رسمية من المتسببين بتهجيرهم مقابل ٦٪ أرادوا تعويضات مادية.
الذكور الشبان يرغبون في الهجرة بعيداً!
أظهر الذكور ميلاً أكبر للسفر خارج البلاد من الإناث، اللواتي ملن للاستقرار في المناطق التي يعشن فيها، ويعزى ذلك إلى عوامل ثقافية واجتماعية لمجتمعات المهجرين، حيث خيار السفر متاح للذكور أكثر من الإناث.
وفضلت الفئات العمرية الأكبر سناً البقاء والعودة إلى المجتمعات الأصلية حيث بلغت نسبة من يرغب بالعودة ٩١٪ بفارق ١٠٪ عن الفئات الأصغر سناً.
ومن بين الشبان كان العزاب أكثر رغبة في الهجرة خارج البلاد، كذلك من كانت علاقتهم سيئة بالمجتمع المضيف.
مع ذلك، بقيت الرغبة بالعودة إلى المنطقة الأصلية هي الأعلى، حتى بين الذين كانت علاقتهم جيدة بالمجتمع المضيف، حتى بالنسبة لمن لديهم فرصة عمل.
ما الذي تركه المهجرون وراءهم.. ماذا عن الملكية العقارية؟
بين المسح أن ٣٨٪ من المهجرين باتفاقية يملكون عقاراً في المكان الذي كانوا يقيمون فيه قبل التهجير، والنسبة الكبرى منهم ٦٢٪ ليس لديها ممتلكات غير منقولة وترتفع نسبة الذين يملكون عقارات إلى ٧٠٪ بين القادمين من حمص وريفها في حين تصل إلى أدني مستوياتها في دمشق وريفها لتبلغ نسبة ٣٥٪.وتوزعت الملكية بين مسكن والاراض الزراعية والمتاجر. وتملك نسبة تقارب الثلث منهم وثائق ملكية لتلك العقارات، إذا فقدت الكثير من تلك الوثائق والسندات اثناء
ولا يملك غالبية المهجرين أية معلومات عن وضع أملاكهم الحالي، و٤٠٪من المهجرين لديهم معلومات حول وضع ممتلكاتهم، وقال غالبيتهم ٨٨٪ منهم إنها دمرت أو تضررت، ووصف ٦٦٪ من المهجرين قسرياً إن ممتلكاتهم “محتلة”.
وبالمقارنة بين عينة المهجرين باتفاقية وعينة المهجرين دون اتفاقية، يلحظ اشتراكهم بنسب متقاربة جداً من حيث غياب المعلومة عن وضع ممتلكاتهم الحالية.
مصير “أرض” المهجرين وممتلكاتهم العقارية في مهب الريح
أدت العمليات العسكرية في سوريا إلى سلب العديد من السوريين والمقيمين في سوريا حقوقهم في السكن والملكية نتيجة تدمير منازلهم أو فقدهم للأوراق والمستندات التي تثبت ملكيتهم، وتعرض قطاع السكن لخسائر تتراوح بين ٢٥٠ و٤٠٠ مليار دولار حسب تقرير للبنك الدولي.
ولحق الدمار بمكاتب السجلات العقارية وفي بعض الحالات استهدفت هذه السجلات بشكل منهجي، وهو ما سيصعب مستقبلاً مهمة إثبات الملكية خاصة أن الحكومة السورية تعتمد على النسخ الورقية بشكل أساسي في توثيق العقارات، ويزداد الملف تعقيداً في سوريا مع القوانين والتشريعات والإجراءات التي سنها النظام السوري، كالمرسوم التشريعي رقم ٦٣ عام ٢٠١٢ والذي يعطي وزارة المالية حق الاستيلاء على أصول وممتلكات الأشخاص الملاحقين قانونياً حسب بنود قانون مكافحة الإرهاب.
والمرسوم التشريعي رقم ٦٦ عام ٢٠١٢ والذي يوفر الأساس القانوني لهدم وإعادة هيكلة مناطق السكن العشوائية، وباعتبار أن هذه المناطق بالأخص في العاصمة دمشق، كانت قد اصبحت مركزاً للنشاطات المناهضة للنظام السوري، فيمكن اعتبار هذا المرسوم أحد أدوات العقاب الجماعي.
القانون رقم ١٠ لعام ٢٠١٨ القاضي بإنشاء مناطق تنظيمية مخصصة لإعادة الإعمار، وهو يوفر الإطار لمصادرة ممتلكات السكان الذين اضطروا للهروب والنزوح واالجوء ضمن اتفاقيات المصالحات.
وهناك العديد من المواد في القانون الدولي الإنساني تحظر النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين، وتنص القاعدة ٥٢ من قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي على “حظر النهب”، وتنص القاعدة ١٣٣ على “احترام حقوق الملكية للأشخاص النازحين.
أما في القانون الدولي الجنائي فتنص المواد ٢ و ٨ و٥ من نظام روما الأساسي على أن “نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة، يعتبر إحدة الانتهاكات الخطيرةالأخرى للقوانين والأعراف السائدة على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وبناء عليه يمكن اعتبار ما قام به طرف النزاع النظام السوري، نهباً لممتلكات ومنازل المدنيين لأنه لم يقدم أي سبب قانوني أو محاكمة قانونية عادلة تبرر قيامه بذلك.
كما يحظر النهب والاستيلاء على الممتلكات في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فتنص المادة ١٧ (٢) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا” فكل ذلك يدل على أن ما قام به النظام السوري يعتبر مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجعل ممتلكات المهجرين عرضة للضياع النهائي.
خلاصات واستنتاجات
ـ على الرغم من أن البحث لا يهدف إلى تقديم تحليل قانوني في إطار تحقيق جنائي في وقوع جريمة التهجير القسري، إلا أن الإجابات في سياق هذا المسح توفر مؤشرات قوية على أن عملية التهجير التي حصلت بناء على اتفاقيات المصالحة قد ترقى لكونها جريمة تهجير قسري.
ـ تكرر السياق المنهجي لدى النظام السوري (حصار، عملية عسكرية، اتفاق مصالحة) لسنوات وفي أكثر من منطقة، الأمر الذي يمكن الاستخلاص منه أن الحكومة السورية اعتمدت هذا النسق كسياسة لتنفيذ التهجير القسري، وينتفي عنها صفقة الإجراء المبرر قانوناً (الضرورة العسكرية الملحة أو حماية المدنيين).
ـ إن أي ادعاءات بعدم توجيه أوامر صريحة ومباشرة لتهجير السكان لا يعتبر جدلاً قانونيا مقبولاً ينفي ارتكاب جريمة التهجير القسري، فالاتسهداف الممنهج يمكن اعتباره نتيجة طبيعية لهذه الأحداث والتي تتمثل دائماً في تهجير الناس قسرياً.
ـ يوفر البحث قاعدة بيانات ضخمة ومداخل جوهرية لإجراء تحقيقات جنائية واسعة، ويمكن من خلالها الوصول إلى شريحة واسعة من الضحايا والشهود الذين يمكن أن يقدموا لمسار التحقيق معلومات دقيقة وأدلة دامغة لأي آلية محاسبة.
ـ الظروف الأمنية والتحديات المعيشية الناجمة عن الحصار هي من أبرز الأسباب التي دعت المهجرين للمغادرة، واتهم غابيتهم النظام السوري تليه القوات الروسية بتهجيرهم.
ـ تعد مسألة توفير المأوى التحدي الأكبر أمام المهجرين، فور وصولهم إلى الشمال السوري، وبدأت معانتهم تحت ضغط الكثافة السكانية وزيادة الطلبعلى المساكن، الأمر الذي اضطرهم للسكن في منازل متضررة أو قيد الإنشاء، أو غير معدة للسكن أصلاً، فأصبح عدد المهجرين يوازي تقريباً عدد السكان المقيمين، فيعيش ٧١٪ منهم بالإيجار، كما يعيش ٦٧٪ في مساكن غير راضين عنها.
ـ وفيما يتعلق بالسلع الرئيسية (الغذاء والماء والوقود) توصل البحث إلى أن نصف المهجرين يعانون من مشاكل في ضعف القدرة على تأمين تلك السلع (٥٦٪ لديهم صعوبات في تأمين المياه) و (٧٨٪ منهم لديهم صعوبات في تأمين الوقود).
ـ تشير نتائج البحث إلى أن الخدمات القانونية (استخراج الوثائق القانونية، تثبيت الولادات والزواج، التقاضي) غير متوفرة لحوالي ٦١٪ من المهجرين، وهذا مؤشر يكشف عن خلل في السجلات المدنية مما يؤثر سلباً على سجل الناخبين وتصميم النظام الانتخابي لأية انتخابات قادمة في سوريا.
ـ يعاني ٥٦٪ من المهجرين من صعوبات في الوصول إلى الخدمات الطبية ، ويرجح البحث أن الاستهداف المخطط له من قبل النظام وحلفائه لمنشآت القطاع الطبي في مناطق الشمال السوريوما ترتب عليه من هجرة، للكادر الطبي، أحدالعوامل الرئيسية لحرمان المهجرين من الخدمات الطبية.
ـ اعتبرت ٤٥٪ من عينة البحث أن التعليم غير متوفر بالقدر الكافي، وترتفع هذه النسبة بسبب طبيعة الخدمات التعليمية نفسها رغم قدرة المدارس على توسيع طاقتها الاستيعابية، ويشار هنا إلى أن البحث لم يتطرق إلى جودة التعليم، والاعتراف الرسمي به في سوريا.
ـ ٥٨٪ يمارسون عملاُ، وهم مصدر دخلهم الرئيسي، ورغم أن نسبة العاطلين عن العمل ٤٢٪ إلا أنها تضم الذكور والإناث، فيمكن القول أن معدلات النشاط الاقتصادي مرتفعة نسبياً وخاصة بالنسبة لقوى العمل الوافدة من دمشق وحلب واللتين يشكل المهجرون منهما ٨٩٪ من عينة البحث، وبعتمد المهجرون على المساعدات الانسانية في المرتبة الثانية مصدر دخل بنسبة ٣٥٪، و١٥٪ حوالات تأتي من الخارج.
ـ ٦٢٪ من المهجرين لا يتلقون مساعدات إنسانية ويرتبط ذلك بقصور عمليات تسجيلهم وإنشاء قاعدة بيانات لهم.
ـ توصل البحث إلى أن العلاقة بين المهجرين والمجتمعات المضيفة إيجابية إلى حد كبير فوصف أكثر من نصف أفراد العينة العلاقة بأنها جيدة وأنهم يشعرون بالقبول من المجتمع المضيف.
ـ وقع عبئ تسجيل المهجرين الذين تم تسجيلهم وبلغت نسبتهم ٥٢٪ على المجالس المحلية بنسبة ٣٩٪ تليها لجان وهيئات المهجرين، وهي تنظيمات أنشأتها المجموعات المهجرة والتي سجلت نسبة ٣٤٪، أما الجمعيات والمنظمات الإغاثية فسجلت ١٤٪ منهم.
ـ ٨٦٪ من المهجرين اختاروا خيارة العودة إلى مناطقهم الأصلية، إلا أن ثلثيهم أجابوا أنهم لا يعرفون نوع التعويضات التي يتوقعونها عند العودة فيم قابل ٢٠٪ يريدون العودة واستعادة ممتلكاتهم، و١٦٪ يقبلون بالتسوية وجبر الضرر.
ـ بتحليل صور الأقمار الصناعية يتبين أن المناطق المتجاورة جغرافياً وهجرت بشكل متزامن حصلت على نصيب متماثل من الدمار، وبلغت نسبة الدمار في حيي القدم واليرموك ٢٠٪، وفي جوبر وحرستا وعربين ٤٠٪، وازدادت نسبة الدمار في المناطق الماحذية للطرق الرئيسية والمقرات القريبة من المواقع العسكرية.
ـ يملك ٣٨٪ من المهجرين وفق “اتفاقية المصالحة” عقاراً في المكان الذي كانوا يقيمون فيه قبل التهجير، في حين أن النسبة الكبرى المتبقية ٦٢٪ ليس لديها ممتلكات غير منقولة، وترتفع نسبة الذين يملكون عقارات إلى ٧٠٪ بين القادمين من حمص وريفها، في حين تصل إلى أدنى مستوياتهافي دمشق وريفها لتبلغ الثلث ٣٥٪، واعتبر ٧٨٪ من المهجرين باتفاقية ممن لا يمكلون وثائق أن فقدانها جاء نتيجة القصف، كما أن أغلبية المهجرين باتفاقية ٦٠٪ منهم ممن لديهم ممتلكات في مناطقهم الأصلية ليس لديهم معلومات حول وضعها الحالي، وهذا يطرح إشكالية تتعلق بشح المعلومات المتوفرة وانقطاع الصلة بين المهجرين ومجتمعاتهم الأصلية ، أما بالنسبة للـ ٤٠٪ ممن لديهم معلومات حول وضع ممتلكاتهم فإن ٨٨٪ منهم قالوا إنها تضررت أو دمرت، في حين وصفف ٦٦٪ منهم وضع ممتلكاتهم بـ “المحتلة”.
ـ يزداد ملف “حقوق السكن وتملك الأراضي والعقارات” تعقيداً في سوريا مع القوانين والتشريعات والإجراءات التي تفهم في إطار سعي النظام لإعادة هيكلة النسيج السكاني في سوريا والتغيير الديمفرافي، كعمليات الاستبدال السكاني والمرسوم رقم ٦٦ والقانون رقم ١٠، ورغم ما يشاع عن هذه القوانين أنها لتنظيم عملية إعادة الإعمار، إلا أنها أدوات عقاب جماعي تعمل على تغيير سكاني يستهدف فئات ومناطق معينة.
وتعتبر هذه النقطة هامة كونها تشكل أساس عودة المهجرين والنازحين داخلياً، علماً أن ضمان حقوق ملكية الأراضي والممتلكات هو عنصر أساسي في عمليات العدالة السياسية والانتقاليه، وأحد الخوات الأساسية لإنهاء النزاعات الأهلية، كم أن ربط المجتمع الدولي دعم إعادة إعمار سوريا، بتقدم العملية السياسية ٢٢٥٤، لا يجب أن يعني غياب النقاش حول القوانين والأطر الناظمة له١ه العملية، وخاصة أننها تتعلق بشكل وثيق بحقوق ملكية النازحين والمهجرين واللاجئين السوريين، وقدرتهم على العودة إلى موطنهم الأصلي.