انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

شارك

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

انتهت غزوة غويران ولم تنتهِ ملحمة غويران

جسر – صحافة

استخدم بعض مناصري داعش تعبير “ملحمة غويران” كتسمية للعملية الشهيرة التي نفّذها التنظيم لتحرير أعضائه من سجن غويران، إلا أن ما وراء التسمية كان أوسع انتشاراً، فالتأييد العلني والضمني للتنظيم تجاوز أنصاره الدائمين. ينبغي عدم ممارسة التقية التي أبداها بعض المبتهجين بهجوم داعش، والقول بصراحة أن نسبة معتبرة من معارضي الأسد كانت من ضمنهم. الطريف أن البعض من ممارسي التقية لامَ مَن فضحته فرحته، لأنه لم يُدارِها على سبيل إبداء الحنكة ليس إلا.

لإيجاد الأعذار المخفِّفة للموجة الداعشية هذه، قد يُقال أنها تعبير عن الشماتة بالإدارة الذاتية الكردية وبقوات قسد، أكثر مما تعبّر عن الانتماء إلى داعش أو عن القناعة بأفكاره. وإذ نسوق التبرير إلى مداه، كانت فرحة هؤلاء ستكبر لو تمكن التنظيم من تحقيق أعلى سقف للهجوم بتحرير الألوف من أعضائه، ومن بينهم أطفال “أشبال الخلافة”، ليعاود هؤلاء سيرتهم الجهادية التي لا يمكن التنبؤ بها، ويستحيل الجزم بأن التنظيم سيختار لاحقاً أهدافاً على مزاج مشجعيه ضد قسد.

ولتبرير العداء لقسد الذي يعلو على ما عداه، تُستحضر المظلومية العربية المستجدة وكأننا أمام استنتاج حتمي، تعبّر فيه المظلومية عن نفسها بالنكاية، هذا في أحسن الأحوال. أما في قراءة سائدة فإن داعش نفسه هو الاسم الرمزي للمظلومية العربية السنية، وهي قراءة “في شقّها المحابي” تربط الوجود غير المحبَّذ للتنظيم بانتهاء المظلومية. مَن يتحدث عن المظلومية، في سياق تبرير الفرحة، هو غالباً المثقف العربي السني الذي يقدّم نفسه حيادياً وموضوعياً، وواعياً للمظلومية من دون أن ينخرط فيها، لأن موقعه النخبوي أعلى منها.

الجمهور العربي السني، وفق هذا التحليل، غير مطالب برد فعل سوى رد الفعل الميكانيكي الذي يترجِم المظلومية إلى إرهاب. على الآخرين ألا ينتظروا منه سوى ذلك، وأن يتعظوا من الدرس، وإلا عاد المثقف ذاته لتذكيرهم به بعد غزوة أخرى. لا يهم ما إذا كانت الغزوة-الملحمة السابقة قد نجحت أو فشلت، المهم أنها أوجعت العدو، وأمام إيلامه تهون التضحيات مهما عظمت، ومن المعتاد الرسو على تضحيات فادحة لأصحاب المظلومية وللتنظيم المعبِّر عنها، إلا أن استرداداً زائفاً لكرامة “زائفة على الأرجح” يأتي دائماً من القناعة بأن خسائر العدو باهظة مهما قلّت، بينما خسائر أصحاب المظلومية تهون مهما عظمت، وهي ثقافة موروثة منذ كان مجرد مهاجمة إسرائيل نصراً مهما أتت العواقب.

ليس مهماً في هذا السياق التذكير بأن المثقف نفسه، الذي يعتبر داعش تعبيراً عن مظلومية، ينفي الاتهامات الموجّهة لأهل المظلومية بأنهم بيئة حاضنة للتنظيم. الأهم أن هذا المثقف لا يجد نفسه معنياً بأمرين، باقتراح بدائل سياسية حقيقية للتعبير عن المظلومية، بحيث لا تُترجم إلى الأبد بعدمية سياسية كالتي شهدناها في عموم المنطقة خلال عقود. الأمر الآخر الذي لا يقوم به المثقف، ضمن ادّعائه عدم الانخراط في المظلومية، هو تقديم نقد لها، ولآلياتها التي تعيد إنتاج ما سبق وأثبت فشله، أي أنها تعيد إنتاج الهزيمة مع وهم الحصول على نتائج مغايرة بالأدوات ذاتها.

في مثال ساخن كغزوة غويران، رأينا ما يشبه التبرير للعملية المحكومة أصلاً بالتحول إلى مجزرة، فالسجن موجود وسط حي مدني، وهو مكتظ بمعتقلي داعش وحرّاسهم، والجميع ضمن مساحة ضيقة مع حجم ضخم من الأسلحة والذخائر. أن لا تكون قسد قد راعت حماية المدنيين كما ينبغي، الاتهام الذي راج فوراً، فهذا من وجهة نظر متهميها ينبغي أن يكون منتظَراً، وبما أنها أصلاً متهمة بالتنكيل بالعنصر العربي السني فلا يجب لداعش أن يتسبب بعمليات انتقام من ذلك العنصر بسبب هجومه على السجن الواقع ضمن حيّ تغلب عليه هذه الصبغة.

رأينا أيضاً تهليلاً يحتفي أصحابه بما كشفه الهجوم عن عجز قسد عن مواجهة التنظيم استخباراتياً، ويأملون بناء على ذلك بأن تتراجع واشنطن عن اعتمادها كحليف محلي في الحرب على داعش. والأمل بأن تعود واشنطن إلى “رشدها”، فتعتمد بديلاً عربياً سنياً هو الأقدر على مواجهة داعش في “بيئته”، يستند إلى تجربة الصحوات في العراق، التجربة التي لم تُستنسخ في العراق نفسه مع ظهور داعش. لكن بالنظر إلى البدائل المحلية، كان داعش قد اكتسح مناطق واسعة تحت سيطرة “الجيش الحر” قبل سنوات، واكتسح أيضاً مناطق تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية، أي أن المظلة العسكرية الأمريكية صنعت الفرق فيما يخص الحرب على التنظيم. كانت واشنطن قد حاولت الاعتماد حينذاك على مقاتلين عرب قامت بتدريبهم ومنيت التجربة بالفشل، ولم تكن وقتها “الفصائل المعتدلة” قد خسرت نهائياً لصالح الفصائل الإسلامية التي تسيطر الآن على مناطق النفوذ التركي.

ثمة حلم يُروَّج بين الحين والآخر، وقد وجد أصحابه فرصة للتحدث عنه مع “ملحمة غويران”، هو أن واشنطن ستعود في ميزان مصالحها للاتفاق مع أنقرة في صفقة تتخلى بموجبها عن قسد والإدارة الذاتية الكردية. هذا الحلم يتضمن سيطرة أنقرة على المناطق الحالية لقسد بالفصائل التابعة لتركيا، وهي فصائل يمكن معرفة ما يحفّز واشنطن على التسليم لها من خلال سلوكها في عفرين ومناطق درع الفرات، إذا استثنينا إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام واكتفينا بالعمشات والحمزات وأشباههما.

لا ينسى الشامتون بقسد مع كل مناسبة التلويح بفرضية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، من دون المضي في هذا التصور إلى نهايته، ومن دون معرفة ما يطالبون قسد به بناء على هذا المصير المنتظر. لا يود الشامتون الوصول إلى النقطة التي يعلنون فيها تفضيلهم دخول قوات الأسد إلى مناطق قسد على بقاء الأخيرة، رغم أن هذا هو السيناريو الوحيد المطروح في حال الانسحاب الأمريكي. بالجمع بين هذا التفكير المعتمد على النكاية والابتهاج بـ”ملحمة غويران”، تقبع قسد في أسفل السلم، إذ يفضّل أعداؤها عليها داعش والأسد إذا تعذّرت أحلامهم التركية.

من المؤكد أن في سجل قسد الكثير مما تسبب بالنقمة عليها، حتى ضمن أوساط كردية مناوئة لهيمنتها، لكن النقمة والشماتة والنكاية ليست ما يصنع السياسة، أو من المفترض ألا يكون التفكير السياسي بدافع منها، وألا يتمدد داعش على هذا التفكير مع تراجعه عسكرياً. لقد انتهت غزوة غويران، أما ملحمة غويران فيتكفل باستمرارها المهلّلون للهجوم، المصرّون على الإمساك بمسدس داعش بقصد الانتحار.

المصدر: موقع المدن

شارك