جسر: متابعات
اجتمع مسؤولو الملف السوري في أنقرة مع قادة فصائل المعارضة يوم الأربعاء، في اجتماعين منفصلين، الأول في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، والثاني في مدينة الريحانية الحدودية التابعة لولاية هاتاي. وحضر اجتماع غازي عنتاب قادة الفصائل المكونة للجيش الوطني والمنشرة في منطقة عفرين وريف حلب الشمالي، ومنطقة عملية “نبع السلام” شرقي نهر الفرات. وطلبت أنقرة على عجل قادة فصائل منطقة إدلب والمنضوية في “الجبهة الوطنية للتحرير”. وعلمت “القدس العربي” من مصادر متقاطعة حضرت اللقاء الذي جرى في الريحانية، أن المسؤولين الأتراك وضعوا قادة الفصائل في صورة تطورات المشهد وانهيار نظام وقف إطلاق النار والمشاورات التي جرت في الأسبوعين الأخيرين في اسطنبول وأنقرة خلال لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان واللقاءات المتتالية على مستوى وزراء الدفاع وجهازي الاستخبارات في موسكو وأنقرة.
وأشارت المصادر إلى أن أنقرة طلبت من موسكو “الحفاظ على وقف إطلاق النار لمدة 15 يوماً، تتعهد بعدها بحل أزمة طرق الترانزيت وإيجاد آلية مرضية من أجل فتحها وتنشيط حركة التبادل التجاري بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة”. وأضافت أن “روسيا تتذرع بوجود مقاتلين روس (أجناد القوقاز) وقصف مطار حميميم ومطار جب رملة، وعدم وجود فصل أو مقدرة على التمييز بين الفصائل المعتدلة والفصائل المتطرفة”.
ونفت المصادر ما تم تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي ونقلته صفحات المعارضة أو الإعلام البديل بخصوص الحديث حول “طلب تركيا من أمريكا دعم الفصائل عسكرياً أو التحضير للقاء يجمعها مع مسؤولين أمريكان”.
وأثار اجتماع الريحانية موجة تفاؤل في أوساط المعارضة والنشطاء ومئات آلاف النازحين من بلداتهم وقراهم في ريف إدلب الجنوبي والشرقي بعد بدء العملية العسكرية الأخيرة. في المقابل، فإن طلب الاستعداد للقتال يعني أن تركيا غير قادرة أساسا على منع الهجوم الروسي، وهو ما يعني أن خسارة مناطق “خفض التصعيد” لم تتوقف عند ريف حمص والغوطة ودرعا، بل ستطال المنطقة التي اعتبر المعارضون السوريون المقربون من أنقرة أنها المنطقة الوحيدة التي ستصمد بسبب ضمانة تركيا لها، وأن باقي المناطق سقطت بسبب اتفاقيات رعتها أمريكا أو مصر ولعبت دورا مهما فيها.
ميدانياً، وسعت القوات الجوية الروسية قصفها ليطال بلدات ريف حلب الجنوبي والغربي، وقصفت مدرعات وراجمات صواريخ النظام السوري والميليشيات الإيرانية مناطق خان العسل وكفرناها والمنصورة وكفرداعل والراشدين والصحافيين غرب حلب. وارتفعت حدة القتال وتبادل السيطرة على قرية أبو جريف، أقصى شرق جنوب محافظة إدلب.
في السياق، صرح الناطق الرسمي في “الجبهة الوطنية للتحرير” المعارضة، النقيب ناجي مصطفى، لـ”القدس العربي” قائلا “أوقعنا ميليشيات لواء القدس في عدة كمائن في منطقة أبو جريف جنوب شرق محافظة إدلب، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 عنصراً”.
ويحاول النظام وميليشيا “لواء القدس” المحسوب على روسيا استعادة السيطرة على قرية أبو جريف، لكن الأخير خسر عددا من مقاتليه، يومي الخميس والجمعة، خلال محاولة سحب جثث قتلاه الذين سقطوا قبل يوم من ذلك وفشل في ذلك بسبب الاشتباكات العنيفة.
وبثت “الجبهة” شرائط مصورة، يوم الخميس، تظهر استهداف مجموعة من الضباط في أحد المباني، بواسطة صاروخ م/د نوع ميتس روسي دخل إلى الغرفة التي يتحصنون بها، وشريطا ثانيا لاستهداف سيارتين مع مجموعة من المشاة بصاروخ تاو أمريكي. كما تناقل نشطاء شريط فيديو لمقاتلين في تنظيم “أنصار التوحيد” يحملون ذخائر وصواريخ مضادة للدروع نوع كورنيت، وألغاما مضادة للدبابات والأفراد.
وقصفت القاذفات الجوية الروسية مدن إدلب وأريحا، ما أدى إلى مقتل عشرين مدنيا في مدينة إدلب وحدها وسقوط عشرات الجرحى .
على الصعيد السياسي، حذرت السفارة الأمريكية في دمشق من خرق وقف إطلاق النار، وقالت في بيان نشرته على حسابها الرسمي في تويتر “إن حدوث ذلك، بعد أسبوع واحد فقط من زيارة بوتين إلى دمشق يعد أمراً مخجلاً يدينه المجتمع الدولي”. ووصفت الحملة العسكرية التي يشنها النظام بـ”الحملة المنسقة من العنف تسببت في قتل مئات المدنيين ونزوح مئات الآلاف غيرهم”. وقال البيان: “طالما استمرت هذه الهجمات الوحشية، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ أشد الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام الأسد وأي دولة أو فرد يدعم أجندته الهمجية”.
ومع تواصل الانتقادات الدولية لخرق وقف إطلاق النار، نفت وزارة الدفاع الروسية “تنفيذ أي غارات على مواقع في إدلب” مؤكدة أنها “لم تقم بأي مهمة قتالية منذ بدء سريان نظام وقف إطلاق النار”.
وقال رئيس مركز المصالحة الروسية في سوريا، الجنرال يوري بورنكوف: “ما ورد في تقارير إعلامية عن غارات نفذتها طائرات حربية روسية ضد أهداف مدنية في منطقة خفض التصعيد في إدلب بشمال غرب سوريا غير صحيح”. وأضاف: “تحدثت بعض وسائل الإعلام عن ضربات جوية زعمت بأنها تمت من قبل الطيران الحربي الروسي واستهدفت بعض المواقع المدنية في منطقة خفض التصعيد في إدلب. هذه المزاعم مغايرة للواقع ولا صحة لها بتاتا. منذ بدء سريان نظام وقف إطلاق النار، لم تنفذ الطائرات الروسية أي طلعات قتالية”.
ويشير تصاعد القصف الجوي وتوسع خريطة العمليات في إدلب إلى فشل اتفاق وقف إطلاق النار، بعد أيام قليلة على إعلانه. ومن الواضح أن فتح جبهة قتال جديدة وتعزيز الميليشيات الإيرانية لقواتها شمال حلب في جيب منطقة بيانون وحيان وحريتان وعندان، يعني وجود رغبة لدى إيران بفرض واقع جديد شمال حلب، يمكّنها من توسيع منطقة سيطرتها إلى المناطق المذكورة والملاصقة لمنطقتي نبل والزهراء “الشيعيتين”. كما يتيح توسيع منطقة النفوذ الإيراني غرب حلب انطلاقا من نقطة المراقبة الإيرانية على مدخل حلب قرب الأكاديمية العسكرية. وبهذا تضمن الميليشيات وصل القوس الممتد من نبل والزهراء إلى منطقة جبل عزان ومعامل الدفاع جنوبي المدينة، وتكون بذلك قد عززت نفوذها على طريق حلب-اعزاز، وسيطرت على مداخل حلب الغربية والجنوبية، وعلى طريقي الترانزيت الواصلين إلى حلب من اللاذقية ومن دمشق، والمعروفين باسم (M4) و ( M5)وفي حال أي سيطرة روسية على طريق حلب-دمشق، ستتقدم الميليشيات الإيرانية للتمركز في بلدتي الفوعة وكفريا “الشيعيتين” لما لهما من رمزية كبيرة لدى ايران، وتقوم من خلال ذلك بإعادة أهالي البلدتين الذين هجروا بموجب اتفاق المدن الأربع، الفوعة وكفريا مقابل الزبداني ومضايا، في تموز (يوليو) 2018.