باسم الشعب..

باسم الشعب..

باسم الشعب..

باسم الشعب..

باسم الشعب..

باسم الشعب..

باسم الشعب..

شارك

باسم الشعب..

باسم الشعب..

مخيم اليرموك

ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال، فأنا لست رجل سياسة ولا محلل أخبار، ثم حسمت أمري وأخرجت قلمي، سلاحي، مدافعاً عن وجهة نظري باعتبار أن التزام حالة “عدم الانحياز” جريمة، و قررت الانحياز إلى صفً الشعب السوري الضحية الوحيدة لهذا المبدأ السياسي الغامض.

عدم الانحياز جريمة؟ و الكل يعلق هذا المصطلح السياسي الحديث على صدره كشهادة “براءة” مما يجري في سوريا من جرائم؟! نعم جريمة، و جريمة كبرى انطلاقاً من مقولة: “الساكت عن الحق شيطان أخرس” على أقل تقدير.

لا يسعني السكوت و أنا أرى الموت يحصد آلاف الأرواح، لا يسعني السكوت و أنا أرى حجم هذا الدمار، دمار باقٍ و يتمدد، دمار طال البشر والحجر والأثر و الشجر، طال حتى المشافي و المخيمات، لا يسعني السكوت وأنا أرى سلاسل الخطف والتغييب القسري والحبس في غياهب النسيان تحيط بآلاف النساء والرجال والأطفال، لا يسعني السكوت وأنا أرى كائنات عجيبة في هيئة بشر تأكل لحم أجساد الناس و تفتخر، لا يسعني السكوت وأنا أرى صورة طفل رضيع لقيط تخلّى عنه أهله بدافع الفقر، لا يسعني السكوت وأنا أرى صورة طفلة أدمنت أرخص أنواع مخدرات الهلوسة (غراء الشعلة) لتنسى صورة أبيها في المعتقل و أمها المغتصبة، لا يمكنني السكوت عن حرامي يُفترض أن يكون الحامي، لا أستطيع السكوت عن عائلة تشردت من منزلها وافترشت التراب تحت شجرة زيتون، لن اسكت عن مشهد طفلٍ ينبش في القمامة لأن مدرسته آلت إلى خراب، لا أستطيع أن أسكت وكل هذه الجرائم التي يخجل منها الله تُرتكب باسمه، ولا يمكنني أن أسكت عمّا يرتكب بحق الشعب السوري، من جرائم مادية و معنوية، باسم الشعب السوري العتيد، كما لا أسكت أيضاً عن عدو اغتصب أرضي، و سكتت عنه طائرات بلدي المشغولة بقصف أهلي بذريعة “محاربة الإرهاب”، و أكثر ما يغيظني ويؤلمني في بعض أهلي، ليس سكوتهم عن تدمير المدن والقرى والبلدات فحسب، بل ابتهاجهم وتهليلهم لسقوطها وتوزيع الحلوى وأكل الكباب فوق الخراب .

صرت أخشى أن اسأل عن رفيق أو صديق أو جار أو زميل أو قريب كيلا يقال مات، و بموته تموت قطع من قلبي و روحي، هربت من وسائل التواصل الاجتماعي قدر استطاعتي فلا أسمع فلان مات ولا علان قتلهُ، و بالأمس فقط سألت عن رجل بقلب طفل يعشق المروحيات: صنعته؛ لكنه رفض أن يقودها لرمي البراميل المتفجرة، أتاني خبره (مات مُنشقّا) بتفجير برميل الزميل، و انشقت روحي وتمزقت مع أشلائه فوق الخراب الكبير…

ولولا ضرورات البقاء على قيد الحياة في مجتمع دولة اللجوء الأجنبية، لما فتحت صفحة جديدة في حياتي، و لا في عالم الفيس بوك الافتراضي، ولا اقتنيت هاتفياً ذكياً، بل اكتفيت بذاك الهاتف “النوكيا” الغبي.

تلك المقدمة الطويلة تقودني للقول بصراحة و دونما مواربة، بأن أحداث عام ٢٠١١ ما كانت لتتطور إلى هذه الكارثة السورية الكبرى لو تم التعامل معها بحكمة وعقل على المستوى الشعبي والرسمي والدولي بآن واحد. كان الشعب السوري المقهور يتعلق بقشة الغريق، وهو لا يعلم بأنها ستزيده غرقاً وفناءاً ، فالمخيمات في دول الجوار جُهزت سلفاً أو مع بداية الأحداث، والدعوات للتظاهر والشعارات والأمكنة تُرسم بالحرف و اليوم و الحارة سلفاً، و التحريض على قتل الأخ لأخيه صار علناً وعلى المكشوف، اوهمونا بحريةٍ ستأتي سريعاً مع صوت الرصاص بعد فشل صوت الجماهير الهادر: الشعب يريد إسقاط النظام، و يوم دعا أحد أبناء الشعب إلى رفض صوت السلاح، اسكتوه و رشقوه بالبيض والبندورة على أرصفة القاهرة، أخرسوا كل الأصوات المسالمة العاقلة ليتمّ حمل السلاح في وجه أخوة السلاح، ثم خرجت العمائم و اللحى لتحيل الأخضر واليابس إلى سوادٍ حالكٍ قاتم، و صارت بلدي مختبر تجارب، و حقل رمي لمختلف أنواع الأسلحة و الرمايات، روسيا لوحدها صرّحت علناً في الأمس فقط بأنها اختبرت /١٦٣/ سلاحاً جديداً في سوريا، و التحالف الدولي جرب أسلحته الذكية والغبية والمتوسطة، حتى أصحاب السيوف من عصر الإسلام الأول، يطعنون شعبي لتصحيح إسلامه وإقامة شرع الله، و الله، على ما أظن، لم يأمرهم بذلك، وهو من دعوتهم براء.

كان يمكن أيضاً لصاحب القرار في سوريا، أن يجنبها كل هذه الويلات لو استجاب للمطالب الشعبية المحقة، لو أنه حاسب بعض المسؤولين الفاسدين على الفور، لو ألغى أو عدّل بعض القوانين وفتح الزنازين، لو أعاد للشعب بعض كرامته المهدورة على أيدي “الشبيحة” المشهورة، لو قبل بالحلّ الطارئ سلماً خارج حالة “الطوارئ”، و قارع المحتجّين بالانتخابات الحقيقة لا بالأرواح والدماء… لو اعترف بحقوق بعض المقهورين، لو لم يشهر في وجه شعبه سلاحاً، ولا طعنه بالسكين، لكن يا حيف.

كان يمكن للمجتمع الدولي، و بقرار واحدٍ من مجلس الأمن، أن يوقف هذه المهزلة، لكن ماذا عسانا نقول وقلق رئيس الأمم المتحدة على قهرنا يطول ويطول؟

هذه وجهة نظري باعتباري إنسان سوري مقهور، أتكلم الآن باسم الإنسان الذي غرق في البحر للنجاة من موت البراميل المتفجرة، الإنسان الذي يتجرع الذل والهوان في كل شهيق وزفير؛ ضريبة سكوته و عجزه الطويل، الإنسان الذي لا رأي له و يقولون عنه (الرأي العام)، الإنسان الذي يُقتل كل يوم باسم الشعب السوري، و بسلاح جيش الشعب السوري، و بسلاح كل من هبَّ لنصرة الشعب السوري المظلوم، وبغارات القصف الإسرائيلية المتواصلة في كل زمان، بانتظار استخدام حق الرد السوري في وقته وأوانه الباقيين في علم الله وحده .

وباسم الشعب السوري، أقول للجميع: حلّوا عن سمانا لعلنا بدونكم نعيش.

٭محام وكاتب مستقل

شارك