الشبيحة” على حواجز الساحل يتسلون بإهانة نازحي الداخل
جود حسون/ طرطوس
يضطر “أبو رضوان” السبعيني، ابن قرية “دارة عزة” في الريف الشمالي لحلب، للنزول على أحد حواجز مصياف وتفريغ سلتي تفاح أمام أعين عناصر الحاجز الذين شكوا بأنه يخفي سلاحاً ما بين الفواكه التي ينقلها، يحمل سلاله، وهو الجالس في آخر مقعد من “السيرفيس” لا يساعده أحد من باب الخوف الذي يملأ قلوب الجميع من احتوائها بالفعل على أسلحة، يستمتع العناصر بمنظره وهو يفرغ السلال، ويتفحصون التفاح “تفاحة.، تفاحة” من حيث اللون والاستدارة وصولاً إلى بلد المنشأ، إنه تفاح بالفعل!!
-شو بدك بالتفاح يا حجي؟ “كلمة حجي لا تقال لكبار السن في الساحل”
-للبيت و لقرايبينا.
-وين ساكن يا حج؟
-بمصياف.
-ايمتا طلعتوا من دارة عزة؟
-من خمس شهور.
-مممممم وليش طلعتو؟
-خربت البلد.
-مين اللي خربها؟
-العصابات.
-برابو…. “يكاد الحاجز يصفق لنباهة أبو رضوان”
تمشي السيارة ليتم تفريغ التفاح على حاجز آخر، ويصل أبو رضوان إلى بيته المؤقت، وجعبته تناقص منها التفاح بمعدل اثنتين على كل حاجز.
على مدخل بانياس حاجز مشابه حتى بأسماء العناصر، أهم ميزات هذا الحاجز أنه لا يأخذ البطاقات الشخصية إلا من الرجال، وسجل له ثلاثة حالات استثنائية أن أخذت البطاقات الشخصية من نساء في “سيرفيس”، الحال كانت خاصة واضطرارية، فالنساء ترتدين حجاباً ولم يعتد الحاجز على رؤيتهن بهذا المنظر. إحدى النساء نازحة من إدلب، احتجت على أخذ الهوية الشخصية منها، مقابل ترك أربعة نساء دون التبين من هوياتهن، فجاء الردُّ مفحماً: ضرورات أمنية!!
الضرورات الأمنية ذاتها أباحت لحاجز في اللاذقية، فتح علبة جبنة ماركة “أبو الولد”، يحملها أحد اللاجئين للتأكد من مثلثاتها، ثم أخذ رغيف خبز ليتم دهنه، بمثلثي جبنة زيادةً في التأكد، اعترض صاحب كيس المواد الغذائية قائلاً:
ـ ما فيها غير مثلثات جبنة.
رد الحاجز:
ـ وبركي كانت مثلثات برمودا؟
الحواجز الكثيفة الكبيرة المحيطة بكل قرية ومدينة في الساحل السوري، هي من حيث التنظيم والعتاد، حواجز تم التطوع فيها اعتباطياً من قبل شبان الساحل، أو تم توظيف أهالي قتلى الجيش بها تكريماً لهم، الحواجز هنا مختلفة كلياً عن حواجز مناطق النار باعتبارها حواجز هادئة، ليس من مهمة ملقاة على عاتقها سوى استفزاز المارة، ونهب السيارات خاصة النازحة منها، ويمكن لأفراد الحاجز ابتكار أية وسيلة للتسلية وتمضية الوقت، كتوقيف السيارات التي تنتهي أرقام لوحاتها بالأرقام الفردية مثلاً مدة ساعتين، أو تعليق صور الأسد على سيارات الأرقام الزوجية، أو تجميع أكبر عدد ممكن من الهويات الديرية أو الحمصية.
“بو حيدر” رجل الحواجز العتيد
“بو حيدر” وجه متكرر يمكن أن تصادفه على أكثر من حاجز في يوم واحد، يتنقل على دراجته النارية بين الحواجز التي تربطه بها علاقة أزلية قديمة “من أيام حواجز بيروت” إضافة إلى صداقات وقرابة وقضية واحدة تربطه بالعناصر.
يصرح “بو حيدر” لسائق أحد السرافيس “دير بالك عالحاجز اللي جاي في شب عم يدقق عوراق السيارة، جايينا جديد ولسا ما عم يعرف يتصرف”، “بو حيدر” قادر على تأليف عدة روايات حول شخصية واحدة، فما أن يروي بطولات العقيد الشهيد فلان على حاجز ما، حتى يغير في تفاصيل الرواية على حاجز آخر، ويضاعف أعداد القتلى الذي سقطوا برصاصه، ويضيف تفاصيلاً حزينة يوم وداعه.
من أقوال بو حيدر “المأثورة”: ليس كل من معنا معنا، وليس كل من ضدنا ضدنا، الدنيا قلابة، لولا شباب حمص خربت اللاذقية من زمان، العسكري شهيد حتى نهاية المعركة، السيد الرئيس ما رح ينسى حدا وبس تنساه دول المؤامرة رح يتذكر الكل، لا تزعل عاللي راح زعال عاللي ناطر.
بانياس المدينة السجينة
“سجن كبير اسمه بانياس” يقول “ع الزير” ابن المدينة الذي واكب مظاهراتها واقتحامها وحملات الاعتقال المنظمة والعشوائية المتكررة فيها، في ملعبها البلدي شهد عمليات التعذيب والترهيب وحوصر في مسجدها.
يقول ع.الزير “منذ سنة لم أغادر المدينة، اسمي غالباً موجود على كل حواجزها، (حاجز جسر القدموس، حاجز جسر القوز، حاجز نزلة الكورنيش، حواجز اتستراد طرطوس واتستراد اللاذقية)، المدينة أكثر من ميتة في هذه الظروف، ومن الصعب أن يعي الجميع وضعنا، وأن يبرروا هدوئنا بعد انتفاضة عارمة، اليوم بانياس خاوية من مهنها التقليدية، الكورنيش خاوي إلا من بعض سكانها، محلاتنا وما تبقى من بضاعتها بعد عدة عمليات سطو وتفتيش من دوريات الأمن، ما زالت مقاطعة لا يشتري منها إلا ابن المدينة أو الغرباء النازحون.
حصار خانق وشبيحة يتجولون في كافة الأحياء، وبكامل عتادهم الحربي وإطلاق الرصاص على الناس أمر أقل من هين، الفئة العمرية بين 18 و40 باتت شبه مفقودة في بانياس.
حواجز طرطوس “العظيمة”
على الرغم من هدوء مدينة طرطوس إلا أن حواجزها لا تختلف كثيراً عن حواجز المدن المنكوبة وساحات المواجهة، فطرطوس وفق زعم حواجزها وأغلبية سكانها هي هدف كبير يجب أن لا يتم اختراقه، ومن وجهة نظر الأكثر دراية بواقع المدينة، لا يبرر وجود هذه الحواجز الكبيرة إلا وجود الميناء فيها، وصفقات الأسلحة، والدعم الاقتصادي التي يشهدها يومياً هذا الميناء، ومن الجدير بالذكر أن مدخل طرطوس القديم والأساسي من جهة الميناء تم إغلاقه بالكامل، كما أن حواجز وجدران الميناء الكبيرة تم تدعيمها بحيث لا يمكن حتى رصد السفن وعمليات التفريغ التي تتم منها.
من اللافت للنظر في حواجز طرطوس ليس فقط تقسيمها إلى خطين، خط لمرور العربات المدنية وآخر للعسكرية، بحيث يتم تمرير السيارات العسكرية بسرعة، وإنما إمكانية مرور سيارات مدنية على الخط العسكري بشرط ألا تكون غريبة عن المحافظة مقابل تخصيص الخط المدني للسيارات الغريبة والنازحين حيث يستمتع العناصر بابتكار أساليب التفتيش والاستفزاز.
ويحدث أيضاً
تم دفن ثلاثة جثث مجهولة الهوية وجدت على مفرق قرى جرد طرطوس، فضلاً عن عدة جثث وجدت على مفارق متعددة لقرى مصياف، لم يبحث أحد في ماهية الجثث وأسلوب قتلها، كانت الدلائل الحاضرة وذات الموثوقية المادية، هي أنها إما قتلت على حواجز الساحل ببرود، أو تم تفريغها من مفارز وفروع الأمن في المنطقة الساحلية،هم ما زالوا في عداد المفقودين بنظر أهاليهم، وهم نموذج لحالات متكررة من الدفن بلا شاهدة أو هوية تحت تراب الساحل العقائدي