“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

شارك

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

“بيدرسن” وأنصاف الحقائق

يحيى العريضي

إضافة إلى دوره في “اتفاقية أوسلو”، هناك محطات في تاريخ المبعوث الدولي “غير بيدرسن” إلى سوريا تثير الريبة. فهو ليس رخيصاً كمبعوث الجامعة العربية “الدّابة”، ليشتريه نظام الأسد غرائزياً، كي يصمت عمّا يرتكبه “النظام” من جرائم. وليس كصاحبيّ الوجدان “كوفي أنان” و”الأخضر الإبراهيمي”، ليعلن صراحة عرقلة نظام الأسد ورفضه لأي حل سياسي للقضية السورية. ولا هو حتى كسلفه المباشر “ديمستورا”، ليغادر عند بلوغه السن القانونية للتقاعد، رغم قَلْبِه القرار 2254 رأساً على عقب. إنه نسخة فريدة غريبة من الخبرة والتفنن في تقديم أنصاف الحقائق والمساهمة في طمس حق الشعب السوري في استعادة حياته وحقه من خلال القرارات الدولية التي كُلِّفَ بتطبيقها.

لقد قارب تسلمه للملف السوري الخمس سنوات؛ قدّم خلالها مئات التصريحات والإحاطات الدبلوماسية بامتياز، ولكن المليئة بأنصاف الحقائق. ونصف الحقيقة أخطر ألف مرة من الكذب. فالنصف الذي يقدمه حول الوضع السوري المأساوي أضحى معروفاً للقاصي والداني؛ أما النصف الآخر، فهو الحماية والتستر على المجرم الحقيقي وراء المأساة واستطالتها.

من باب علم الدلالة اللغوية الخبيثة، وفي إحاطته الأخيرة، يستخدم مثلاً أداة الشرط (إذا/ if ) في ثلاث جمل متتابعة في فقرة واحدة، حيث يقول:

” النشاط الدبلوماسي يمكن أن يشكل فرصة؛ / إذا تمَّ اغتنامه/ و /إذا عملت الأطراف الدولية والإقليمية معاً/ و/إذا عملت بطريقة بناءة/”. وهنا نسأل عن تلك “الفرصة”، التي يضعها بهذه الصيغة المُعَقَّدَة والمشروطة: {فرصة” لِمَن؟}؛ ولكن الجواب يأتي في ثنايا إحاطته؛ إنها على الأرجح /فرصة لإعادة تأهيل النظام/. يتضح ذلك في فقرتيه التاليتين من الإحاطة؛ فهو يسرد كل الخطوات التطبيعية مع نظام الأسد من لقاء عمان إلى جدّة إلى عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية؛ ويربط ذلك بالأمم المتحدة ومهمته، عندما يذكر القرار الدولي بشكل عابر تشويهي باستخدامه عبارة: “ما ينسجم مع القرار الدولي”، مكرراً السردية المشروخة: سيادة، وحدة، استقلال، إنسانية، لاجئين، مساعدات، دستورية دون أن ينسى بدعته /الخطوة بخطوة/.

من حيث لا يدري، يكشف نفسه، ويسرد في فقرته الرابعة ما يرمي إليه من خلال حديثه عن تواصله مع إيران وروسيا وأطراف عربية ومع النظام؛ وهاجس كل هؤلاء طيّ صفحة القضية السورية، دون ذكر لأي أمر يتعلق بالانتقال السياسي، كما نصَّ القرار الدولي؛ ليتضح أن الهاجس هو حلّ القضية، ولكن كما يشتهي “النظام” وحُماته والمطبعون.

يعود في فقرات إحاطته للترهيب والترعيب باستمرار حال اللاجئين وخطره وثقله على الدول المضيفة، ثم ينتقل إلى عبور المخدرات دون ذكر مصدرها أو مركز تصنيعها. ويقفز بعدها إلى ضرورة تطوير “الثقة” بين الأطراف المتنازعة؛ وبذا يريد لبلد مدمَر، ولملايين المشردين والمعتقلين، والذين قضوا تحت التعذيب، واغتُصِبوا وضُرِبوا بالكيماوي؛ والدول التي أحسّت بمأساتهم أن يثقوا بالفاعل المرتكب، ويطووا الصفحة علّه يرضى عليهم.

إن أخطر ما جاء في إحاطة السيد “بيدرسن” الأخيرة إشارته إلى أن نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين تريد العودة إلى سوريا. وهذه ذروة أنصاف الحقائق؛ وكمن يقول: “لا تقربوا الصلاة……”؛ حيث يُتبعها بالقول: “إن نسبة قليلة منهم يترددون بالعودة، للافتقار إلى سبل العيش، وفرصة للعمل”؛ ويذكر باستحياء ومواربة: “… وانعدام الأمان أو الخدمة الإلزامية”. وكأننا بالرجل ها هنا لا يقدّم نصف الحقيقة فقط، بل يلغي الحقيقة أو يشوهها.

ليس ذلك فقط، بل إنه يشوّه القرار الدولي الذي يذكر بصريح العبارة “ضرورة توفّر البيئة الآمنة والمحايدة”. وهذا ليس شرطاً من اللاجئين، بل قراراً أممياً؛ السيد “بيدرسن” مؤتمن عليه؛ وهو أساس مهمته و”وظيفته”. ثم يأتي تشويهه للنسب في التقرير الإحصائي، ويفسّره استنسابياً، لأنه لم يرَ، ولم يتحدّث عن مئات آلاف السوريين يهتفون: “نموت، ولا نعود لحكم الأسد”.

عندما يرمّز على “الاستجابة بسخاء” من الدول الأخرى- تحت يافطة ما يسمّيه “التعافي المبكر”-، فالهدف الأساس من ذلك خدمة نظام الأسد الذي يريد الأموال، ويدّعي الرغبة بعودة اللاجئين بتوجيهات من بوتين. فالاسترزاق على حساب آلامهم هو التوجه.

في قضية المعتقلين والمفقودين، يريد السيد “بيدرسن” “حثَّ كل الأطراف في سوريا على اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الشأن”؛ وهذا أحد أهم تجليات أنصاف الحقائق؛ حيث لا ندري عن أي أطراف يتحدث. ربما يقصد ذاك السوري الذي يعيش مشرداً في خيمة أو خارج سوريا أن يسعفه بإطلاق سراح المعتقلين في خيمته أو في السكن المؤقت الذي آوته فيه دولة اللجوء. ينطق ذلك دون أن يتفوّه بكلمة حول مئات آلاف المعتقلين في مقابر أحياء نظام الاستبداد.

يعود في النقاط الأخيرة لإحاطته، ويركّز على مسألة “بناء الثقة”؛ ويريد العالم أن يدفع مالاً للنظام – كما أتاه التوجيه ربما- كي ينال هذا العالم ثقة النظام. ولا بد من التطرق للمسار السياسي، بعد أن أعلن نظام الأسد صراحةً عن رفضه للقرار، وإتحاف الحاضرين والسامعين بالدستورية وبدعته “خطوة بخطوة”؛ وكأن نظام الأسد لديه أي خطوة يخطوها، وهو الذي صرح أن لديه دستورا وأجرى انتخابات؛ ولكن السيد “بدرسن” يحثّ العالم أن يساعد في “بناء الثقة”. ويختم بالتعبير عن امتنانه لإبقاء نظام الأسد بعض المعابر مفتوحة من أجل دخول المساعدات. ذلك هو أحد أخطر ابتلاءات السوريين، فهل مِن معين أو ضمير؟!

المصدر: تلفزيون سوريا

شارك