تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

شارك

تصدير الحمقى والحماقة

تصدير الحمقى والحماقة

جسر: ثقافة:

في مشهد لا ينساه السوريّون، وقف نائب في مجلس الشعب ورشّح الرئيس الذي جاء إلى السلطة بالوراثة لقيادة العالم، لا أقل من العالم. هذا حدث حقيقةً، السبب وجيه جدّاً: حِكمته السياسية تفيض عن دولته الصغيرة، ولا يجوز هدرها في بلد لا يتّسع لها، في وقت كان الرئيس يتحدّث عن حل سياسي لاحتجاجات انتشرت في أرجاء البلاد، بينما كانت أجهزته الأمنية تقمع المتظاهرين بالرصاص، والجيش يقصف المدن والأرياف.

من حسن الحظ، أنّ الذي رشحه ربما كان نائباً متزلّفاً مسكيناً، لم يجد أفضل من هذا الثناء يسبغه على رئيسه الذي أعلن الحرب على الشعب. مشكلة النائب أنه لم يدرك أبسط الأمور، إذا كان الرئيس سيقود العالم بالأجهزة الأمنية والمدافع والدبابات، فلا حاجة للسياسة.

طبعاً، لا توجد في العالم جهة قد تأخذ الترشيح على نحو جاد. يغصّ العالم بأمثال هؤلاء الزعماء، وما يتوفّر منهم أكثر مما تطيقه جمهورياتهم، مع هذا لم يسجل سوى أشخاص محدودين نجاحاً ساحقاً في مضمار تخريب العالم، حاولوا إفناءه في حروب عبثية. حالياً، هناك رؤساء أقل قدرة وجاذبية، لم يحصلوا على ترشيح يوازيه حماقة، وإن ما زال الطريق مفتوحاً أمام طموحاتهم، ما دام أنهم لا يقلّون رعونة عمّن سبقهم. الأمر الجيّد أنّ ثمة قوانين وإدارات تردعهم عن ارتكاب المزيد من السخافات في عالم قد يتفجّر من جرّاء نزوة جنونية، تحيل كوكبنا إلى ركام يسبح في الفضاء. عدا هؤلاء يحفل عالمنا بالكثير من هذه الأنواع الطليقة غير اللطيفة، مأوى أكثريتهم مستشفيات المجانين.

ليست الثقافة بريئة، فهي بدورها وبحكم موقعها تساهم في ترويج ادعاءات متفائلة عن النخبة المتسلطة، تجد وسائلها المؤثّرة الأكثر تعبيراً في الصحافة والتلفزيون. كذلك في المجال الرحب لوسائل التواصل الاجتماعي، تحت غطاء الدين والأخلاق والأصالة والنقاء… فالدين الأفضل، والأخلاق الفاضلة، والأصالة الفريدة، والنقاء العرقي… لأمّة من الأمم، ما هي إلا دعوات عنصرية، تجد جمهوراً يتلقّفها ويرفع شعاراتها الممسوسة بالخصوصية والتفوّق، ويترنّم بها.

تتخصّص الدكتاتوريات باختلاق العنصريات بأساليب فجّة، كما في تأطير الشعب والدين، فيؤدلج الشعب على نضاليات متخيّلة فات أوانها، بينما يؤسّس الدين على التلقين، وطاعة أولي الأمر، بل وأن يحبّهم حبّاً لا يشك فيه. من هذا المنطق اقترح ممثّل الشعب على دكتاتور صغير قيادة العالم الكبير. هذا ما يقود إلى وضع هو الأخطر في برمجة الشعوب على الموالاة العمياء، وهي حالة سارية لم تعد تقتصر على دولة دون أخرى، يزعم لتمريرها أنها حالة وطنية، لا تخلو من هيستيريا، تتجلّى في احتفالات الشوارع، وما تطلقه الجموع الهائجة من وعيد وتهديد، في القتل الحلال للمعارضين.

لذلك ليس غريباً ولا مستغرباً، مهزلة الترشيح لقيادة العالم، بعدها يجوز كل شيء من أتفه الأمور إلى أعظمها، ما دام العقل ملجوماً عن التفكير، تلك حدوده القصوى ومعرفته المطلقة، فلا يرى أبعد من أنفه.

هذه الحالة من الموالاة لا تدوم طويلاً، أو تدوم بدوام النظام، فهي تتحرك في ركابه، وتسقط بسقوطه. وتحتل مساحات أكبر من حجمها في ساحات خالية مفتوحة لعجائب الخضوع المضادة للكرامة والمنطق السليم. هذه البلاد كان ماضيها الذي انقلبت عليه، أفضل من حاضرها، يغفر لها أنها أُخذت عنوة، بالقوة والتآمر، وما هذا الذي ابتليت، إلا أنه سيسجّل على صفحاتها السوداء عن تاريخ يرجى ألا يتكرّر.

بلادنا مثلما تُصدّر إلى العالم الأطباء والعلماء والفنانين، أصبحت في الزمان الدكتاتوري تصدّر أيضاً الحماقة والحمقى.

العربي الجديد 20 أغسطس 2019

شارك