جسر: ترجمة:
قد تواجه تركيا عقبات إضافية أمام تدخلاتها العسكرية في سوريا وليبيا نتيجة لتزايد التعاون بين خصومها في هذين البلدين اللذين مزّقتهما الحرب.
وبينما كانت تركيا تقصف “قوات النظام” في إدلب، زار وفد من “الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده اللواء خليفة حفتر، والذي يقاتل حكومة “الوفاق الوطني” المدعومة من تركيا في طرابلس، دمشق. وأعلن الوفد عن افتتاح سفارة في العاصمة السورية في إطار الجهود المشتركة لمكافحة ما وصفه بـ”العدوان التركي” في البلدين. كانت هذه أحدث إشارة على أن الصراعين السوري والليبي متداخلان من بعض النواحي.
في كانون الثاني/يناير، بدأت تركيا إرسال مقاتلين من “الجيش الوطني السوري”، سبق أن استخدمتهم كوكلاء في إدلب، إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة “الوفاق الوطني” في طرابلس. في المقابل، وبحسب ما ورد، تم توظيف بضع مئات من المتعاقدين السوريين من المليشيات الموالية لبشار الأسد للقتال إلى جانب “الجيش الوطني الليبي”.
وعلى عكس الحال في سوريا، لم تؤثر جائحة الكورونا على العمليات العسكرية التركية في ليبيا التي أبلغت عن أول حالة مؤكدة لها في 24 آذار/مارس. بل شن حليفها المحلي (حكومة الوفاق الوطني) مؤخرا هجوما مضادا ضد “الجيش الوطني الليبي” أطلق عليه اسم عملية “عاصفة السلام”. ويواصل المقاتلون من الجانبين معركتهم مرتدين القفازات والأقنعة في محاولة لتجنب الإصابة بالمرض.
العلاقات الودية بين دمشق و”الجيش الوطني الليبي” المتمركز في بنغازي شرق ليبيا لم تترجم بعد إلى أي تعاون عسكري واسع ضد تركيا. ومع ذلك، فإن لديهما القدرة على التحول إلى عقبة كبيرة في طريق الأهداف العسكرية لأنقرة في كلا البلدين.
يقول محمد الجارح، من شركة ليبيا آوتلوك، وهي شركة أبحاث واستشارات مقرها شرق ليبيا: “بفضل نصيحة ومساعدة من موسكو وأبو ظبي والقاهرة، من المرجح أن تزيد كل من بنغازي ودمشق تعاونهما ضد الوجود التركي في البلدين”. “يمكن أن يكون ذلك في شكل جهود دبلوماسية مشتركة، إضافة إلى تبادل المعرفة والاستخبارات والخبرة”.
يمكن لبنغازي ودمشق تنسيق الهجمات ضد الجيش التركي، والمجموعات المسلحة التابعة له في البلدين لتشتيت تركيز تركيا ومواردها.
ويضيف الجارح: “بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجانبين أن يتعاونا أيضا من خلال إرسال قواتهما، بطريقة أو بأخرى، نظرا لأنهما يعتبران قتالهما ضد الأتراك جبهة موحدة تتوزع على بلدين”.
بدوره قال جوشوا لانديس، الخبير في الشأن السوري من جامعة أوكلاهوما، إن حفتر والأسد قدما نفسيهما كخيار علماني لبلادهما، حيث يصوران معارضيهما دائما على أنهم متعصبون يشبهون “الدولة الإسلامية”. كلا الزعيمين متحالفان مع روسيا و”يأملان في إيجاد سبل للاستفادة من علاقاتهما الجديدة في مواجهة تركيا”.
إن تبادل التمثيل الرسمي بين دمشق و”الجيش الوطني الليبي” يثير إمكانية التعاون الدبلوماسي والاقتصادي وكذلك العسكري في المستقبل.
ويمكن للجيش الوطني الليبي أن يساعد دمشق اقتصاديا، لأنه يسيطر على احتياطيات ليبيا النفطية، ودبلوماسيا، من خلال اتصالاته مع دول الخليج التي تعارض سياسات تركيا في المنطقة.
وقد بدأ التعاون التجاري بين بنغازي ودمشق بالفعل، ويتمثل بتسيير الرحلات الجوية عبر شركة طيران “أجنحة الشام” الخاصة بين العاصمة السورية ومعقل “الجيش الوطني الليبي”.
يعتقد جليل الحرشاوي، زميل باحث في وحدة أبحاث النزاعات بمعهد “كلينجينديل” الذي يركز على ليبيا، أن زيارة وفد “الجيش الوطني الليبي” إلى دمشق في 3 آذار/مارس كشفت عن الروابط الوثيقة والمتزايدة مؤخرا بين الإمارات العربية المتحدة وسوريا. “هذه الديناميكية حقيقية دبلوماسيا، بل وماليا أيضا، وربما عسكريا”.
أعادت الإمارات فتح سفارتها في سوريا في ديسمبر 2018 وطبعت العلاقات مع نظام الأسد، كما أنها من الداعمين الرئيسيين لـ”الجيش الوطني الليبي”، وتزوده بطائرات مسيرة من طراز Wing Loong II صينية الصنع سبق وأن استخدمها في قصف طرابلس.
كما أرسلت أنقرة مستشارين عسكريين لمساعدة حكومة “الوفاق الوطني” على صد هجوم “الجيش الوطني الليبي” على طرابلس، وسلمتها عربات مدرعة ومسيرات مسلحة من طراز Bayraktar TB2؛ للمساعدة في منح حليفتها ميزة على خصمها المتمركز في بنغازي.
ويعتقد الحرشاوي أن الترتيب الجديد الذي تم التوصل إليه في آذار/مارس يعني أن أبو ظبي تعهدت بدعم دمشق وحفتر ضد تركيا.
ومع ذلك، فإن العلاقات بين بنغازي ودمشق ليست قوية للغاية الآن في ظل انشغال الأسد بالتصعيد الأخير في إدلب. ومع ذلك، وافق الأخير على تقديم المشورة الفنية لـ”الجيش الوطني الليبي” حول كيفية مواجهة المقاتلين السوريين الذين نشرتهم تركيا في ليبيا بشكل فعال.
ويضيف الحرشاوي موضحا “عندما يعتاد الأسد على سخاء أبو ظبي المالي، فإنه سيصبح بلا شك أكثر استرخاء حيال متطلبات النظام الإقليمي الذي تصمم اﻹمارات على لعب دور أكبر فيه كقائد للعالم العربي”.
_________________________________________________________________________________
*نشر في أحوال تركية الجمعة 1 أيار/مايو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا