قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إن ما لا يقل عن 191 هجوماً كيميائياً في سوريا يجب أن يكونوا على جدول أعمال منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بعد ولايتها الجديدة.
من المنتظر أن تُباشر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في شباط 2019 ممارسة صلاحيات ولايتها الجديدة في تحديد هوية مرتكبي الهجمات الكيميائية، بعد أن بقيت ولايتها لسنوات طويلة منذ تأسيسها في 29/ نيسان/ 1997 تقتصر على تأكيد استخدام الأسلحة الكيميائية أو عدمه، ودونَ تحديد هوية المجرم الذي استخدمها ومن وجهة نظر التقرير فإنَّ هناك سببين رئيسين وراء إعادة إحياء النقاش وتوسيع ولاية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أولهما: الاستخدام الأسلحة الكيميائية الواسع والمتكرر في سوريا من قبل النظام الحاكم ضدَّ أبناء الشعب السوري، ومن قبل تنظيم داعش، وثانيهما بسبب إيقاف روسيا تمديدَ عمل آلية التحقيق الدولية المشتركة في سوريا المنشأة بقرار مجلس الأمن رقم 2235، التي كان من مهامها تحديد هوية مستخدم الأسلحة الكيميائية.
وذكر التقرير الذي جاء في 9 صفحات المساعي الروسية لإفشال ولاية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الجديدة مُشيراً إلى أن روسيا أرسلت رسالة إلى جميع دول العالم بأنها سوف تستخدم أو تحمي من يستخدم الأسلحة الكيميائية، ولا ترغب أن يكشفَ أحد ذلك، وهذا ما فعلته مع حليفها النظام السوري طيلة السنوات الثمانِ الماضية.
بدأت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عملها في سوريا عقبَ انضمام النظام السوري إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في أيلول/ 2013، وبحسب التقرير فإنَّ جميع الهجمات، التي سبقت هذا التاريخ لم تكن تدخل إطار عمل المنظمة بما فيها هجوم الغوطتين في آب/ 2013، فضلاً عن ذلك فإنَّ كل الهجمات التي تلت هذا التاريخ، والتي عملت عليها المنظمة بقيت دون تحديد هوية المسؤول عنها.
وفقاً للتقرير فقد وقع ما لا يقل عن 221 هجوماً كيميائياً بين 23/ كانون الأول/ 2012 حتى 31/ كانون الأول/ 2018 وثَّقتهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، النظام السوري نفَّذ ما لا يقل عن 216 هجوماً في حين أن تنظيم داعش نفَّذَ ما لا يقل عن خمس هجمات وقد تسبَّبت جميع الهجمات في مقتل ما لا يقل عن 1461 شخصاً.
وأشار التقرير إلى المنهجية المتبعة في توثيق هذه الهجمات، وأوضحَ أنها استندت على شبكة علاقات واسعة تم بناؤها عبر أيام طويلة، وعلى روايات ناجين وشهود عيان وكذلك أطباء عالجوا مصابين بحوادث استخدام أسلحة كيمائية وعناصر من الدفاع المدني استجابوا مبكراً لإنقاذ مناطق القصف والاستهداف.
وأوردَ التَّقرير نتائج عملية مقاطعة بين الحوادث التي أثبتتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي بلغت 43 هجوماً ضمن تحقيقات تقاريرها، وبين قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وبيَّنت النتائج أنَّ هناك تطابقاً في 30 هجوم، 28 منها شنَّها النظام السوري، وهجومان اثنان قد نفَّذهما تنظيم داعش.
وبناءً على ذلك فقد أشار التقرير إلى وجود 191 هجوماً بالأسلحة الكيميائية في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لم تُحقِّق بها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بعد، وهذه الهجمات موثَّقة بمختلف التفاصيل كالزمان والمكان ونوع الذخائر وحصيلة المصابين والضحايا وغير ذلك.
أكَّد التقرير وجود تحديات أساسيَّة تواجه عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا مُشيراً إلى أن النظام السوري عمدَ إلى عرقلة عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتضليل التَّحقيقات التي تجريها مراراً وتكراراً، إضافة إلى عراقيل تتعلق بمنح تأشيرات لبعض أعضاء المنظمة، وتعمُّد تأخير الرد على رسائلها، إضافة وعراقيل أخرى تمثَّلت في إعاقة وصول المفتشين إلى بعض المناطق.
وبحسب التقرير فإنَّ هناك تحديات أساسية إضافية تتجاوز حدود العراقيل اللوجستية، من أبرزها مرور وقت طويل على الهجمات الكيميائية؛ ما يعني صعوبة كبيرة من حيث إمكانية جمع الأدلة، المادية منها على وجه الخصوص، كآثار الغازات في التربة، ومخلفات الصواريخ والأسلحة المستخدمة، لا سيما أنَّ 80% من الهجمات قد وقعت ضمن مناطق قد سيطرت عليها مؤخراً قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية.
وفي هذا الصدد ذكر التقرير أنَّ التَّهجير الممنهج الذي تعرَّضت له معظم المناطق التي شَهِدَت هجمات كيميائية سابقاً؛ سيصعِّب بشكل كبير مهمة المنظمة في الوصول إلى شهود عيان أو ناجين من الهجمات، أو كوادر طبية ساهمت في علاج المصابين، أو مراجعة سجلات المشافي والمراكز الطبية، التي سبق وساهمت في تقديم العلاج لضحايا الهجمات الكيميائية، كما أنَّ من بقي من الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري لن يتجرأ على الإدلاء بشهادة تخالف رواية النظامين السوري والروسي.
وأشار التقرير إلى تلاعب النظام السوري برفات العديد من ضحايا الهجمات الكيميائية، كما حصل في مقبرة مدينة دوما بريف دمشق، حيث تم نقل رفات جثث الضحايا، وهذا التَّلاعب بمسرح الجريمة وبرفات الجثث يُدين بشكل كبير النظام السوري لكنَّه يُصعب مهمة فريق المنظمة.
دعا التقرير دول العالم الحضارية إلى أن تقف في مواجهة الدول الداعمة لإخفاء حقائق استخدام الأسلحة الكيميائية، وفي مقدمة تلك الدول الأنظمة السوري والإيراني والروسي، ودعاها إلى تقديم كل دعم ممكن لتسهيل عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا، وفضح تلاعب النظام الروسي والسوري بالأدلة، واتخاذ إجراءات جدية في سبيل محاسبة كل من يثبت تورطه في استخدام الأسلحة الكيميائية، ودعم المنظمات الحقوقية الفاعلة في مجال توثيق استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وشدَّد التقرير على وجوب توقف الدول الدائمة العضوية عن استخدام حق النقض (الفيتو) فيما يتعلق بحماية مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية وفي مقدمتها استخدام الأسلحة الكيميائية، كما يتوجب على روسيا التَّوقف عن استخدام دورها كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، في سياق دعم الدكتاتوريات البشعة مقابل مصالح مادية وسياسية على حساب قتل وتشريد ملايين البشر.
أوصى التقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتوسُّع في التَّنسيق والتَّعاون مع المنظمات الحقوقية المختصة في توثيق استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وطالب مجلس حقوق الإنسان بتسليط الضوء بشكل أكبر على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية.