تتداول الغرف المغلقة أربعة سيناريوهات لحلحلة الوضع في إدلب استباقاً لفتح الطرق الدولية، وترتيب الأوضاع الإدارية والعسكرية ورغم عدم نضوجها يمكن تلخيص عناوينها كالتالي:
أولا، تشكيل وزارة دفاع تتبع “حكومة الإنقاذ” يترأسها أبو محمد الجولاني وتنضوي الفصائل في جيش واحد هو “جيش الدفاع” ويكون قائده رئيس أركان الجيش الوطني، العقيد فضل الله الحجي أبو يامن والذي يشغل منصب القائد العسكري العام في “فيلق الشام” أيضا.
ثانياً، تشكيل مجلس عسكري تتمثل الفصائل فيه جميعاً وهو المقترح الذي تحاول “تحرير الشام” تسويقه وتواصلت مع قيادات الفصائل من أجله ولكنها لم تتلق ردا إيجابيا حوله خصوصا من “صقور الشام” و”أحرار الشام” ولاقى رفضاً من تنظيم “حراس الدين”.
ثالثا، اختيار شخصية سياسية منشقة بارزة لتسلم “حكومة الإنقاذ” من أجل تلميعها وإبعاد التهمة الملاصقة لها كونها “إنتاج الجولاني” وهو ما انعكس على مقاطعتها من قبل المانحين منذ اليوم الأول لتشكيلها ومقاطعة كل المجالس المحلية التي تتبع لها بشكل مباشر. وأشار اقتراح أولي إلى رغبة عدد من الأطراف باقتراح وزير الزراعة المنشق، أسعد مصطفى، والذي شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة الثانية حكومة أحمد الطعمة. إلا أن مصادر مقربة من الوزير مصطفى نفت علمه بترشيحه وقالت إنه يرفض تولي رئاسة حكومة الإنقاذ. ويعرف عن مصطفى قربه من العواصم الخليجية وانتهاجه سياسة معتدلة في أوساط المعارضة السياسية وهو مقرب من عدد من الفصائل واختاره “جيش العزة” ممثلا عنه في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
ويبقى المقترح الأخير الوضع في إدلب على حاله بدون أي تغيير في خرائط السيطرة تقريبا، وفتح الطرق الدولية بحماية “وزارة الداخلية” في حكومة الإنقاذ ومن خلفها “تحرير الشام”، ويقوم الجولاني بمعاقبة كل مثيري الشغب والمعترضين وتحديدا “حراس الدين”، وهو ما بدا عملياً إثر اعتقال القيادي في التنظيم، أبو تراب الليبي ومرافقه أبو محمد الحموي بالقرب من بلدة كفرزيتا والذي يشغل منصب مسؤول المعهد الشرعي في حراس الدين بدون معرفة سبب اعتقاله بعد مداهمة أحد المنازل شمال حماة.
إلى ذلك، كشف بيان للقياديين البارزين في تنظيم “حراس الدين” الأردني سامي العريدي وأبي همام الشامي (سمير حجازي) عن قرار هيئة “تحرير الشام” تشكيل “مجلس عسكري بقيادة ضابط من الضباط المنشقين عن النظام والملتحقين بالجيش الحر أو فيلق الشام والأرجح من فيلق الشام، ويملك هذا المجلس قرار السلم والحرب في المناطق المحررة” إضافة إلى عدم ممانعة هيئة تحرير الشام من فتح الاوتستراد الدولي للنظام.
واعتبر القياديان أن الوقت هو “وقت ارهاق النظام اقتصادياً وقطع طرق الإمداد عنه. ووقت توحيد جهود كل مسلم نحو مشروع واحد، هو كسر شوكة النظام عسكرياً، لا الانشغال بمشاريع تقتل الروح الجهادية في النفوس”. وناشد الشامي والعريدي مشايخ السلفية الجهادية وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وهاني السباعي وآخرين بحل الخلاف العالق بين حراس الدين و “تحرير الشام” والمتعلق بسلاح “جبهة النصرة” المتنازع عليه من لحظة انشقاق الجولاني حسب ما ذكر البيان. والمقصود به هنا لحظة إعلان الجولاني فك ارتباطه بتنظيم “قاعدة الجولاني” وإلغاء بيعته إلى أيمن الظواهري، والذي قال سابقا أنه لم يحل بيعة أحد بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين أبو جليبيب الأردني وسامي العريدي بسبب موافقة الجولاني على انتشار نقاط المراقبة التركية في إدلب.
وعلمت “القدس العربي” أن العريدي والشامي اجتمعا بممثلين عن القيادة العسكرية في “تحرير الشام” يوم الخميس 24 كانون الثاني (يناير) الماضي، وجرت مناقشة قضايا عدة بينها العسكرية والبحث في خروقات النظام، إضافة إلى محاولة قادة “تحرير الشام” إخطار العريدي والشامي برغبتهم فتح الطرق الدولية وضمان سلامتها وتنفيذ الشرط الروسي حسب اتفاق سوتشي ومنع انهيار الاتفاق الذي سيؤدي إلى معركة ستصبح محتومة.
وحضر الاجتماع عدد من قادة المجلس العسكري في تحرير الشام أبرزهم أبو قتادة الألباني وأبو عبيدة المصري، وهم من قيادات الصف الثاني عسكرياً.
في أجواء التوتر بين الجهتين، حصل اشتباك بينهما في قرية المغارة شمال جبل الزاوية بدون ان تتوسع رقعته أو تمتد إلى باقي المناطق.
بغض النظر عن السيناريو المحتمل مما ورد أعلاه، إلا أنها ستؤدي بالتأكيد إلى تقليص نفوذ “تحرير الشام” بشكل مباشر وإخراجها من المعادلة شيئا فشيئاً. وتدرك أنقرة أن التنازلات المستمرة التي تقدمها قيادة تحرير الشام، تؤدي إلى إبعاد شبح عملية عسكرية من قبل النظام وحلفائه ويرضي موسكو في الوقت ذاته، فتحرير الشام تضمن تنفيذ اتفاق سوتشي على الأرض.
وبعد أن طردت “تحرير الشام” على يد حركة نور الدين الزنكي وحجمت “أحرار الشام” و”صقور الشام” بشكل كبير يرجح أن تتوجه إلى ضرب المعترضين على الاتفاق، والذين شكلوا في 15 تشرين الأول (أكتوبر) غرفة عمليات تحرض المؤمنين وهم “حراس الدين” وجبهة “أنصار الدين” وجماعة “أنصار الإسلام”.
ويعتبر “حراس الدين” الخطر الأكبر على تحرير الشام فهو يضم القيادة العسكرية والشرعية المؤسسة في “جبهة النصرة” وأصبح الملجأ الكبير للمهاجرين المتشددين الذين حافظوا على بيعتهم للظواهري وارتباطهم بالتنظيم الأم “القاعدة”.
ومن إشهار الشرعي العام السابق لجبهة النصرة، سامي العريدي والقائد العسكري العام السابق لها، أبو همام الشامي (سمير حجازي) اعتراضهما على فتح الطرق الدولية وتولية ضابط من الجيش الحر لقيادة المجلس العسكري المحتمل، ستتجه الأمور إلى الصدام بكل تأكيد بين الطرفين وسيخوض الجولاني حربا جديدة بالوكالة على المعترضين على سياسته ورافضي تنفيذ أوامره وسيحاول إظهار نفسه كمحارب للجماعات “الراديكالية” و “الإرهابية” المعترضة على تنفيذ اتفاق سوتشي بحثا منه على دور محتمل ما.
وتبقى المعضلة في هذا السياق: هل سيجرؤ الجولاني والقيادة الشرعية على محاربة ذراع تنظيم القاعدة الوحيد في سوريا؟ وهل سيوجه سلاحه إلى قادة تاريخيين في التنظيم قاتلوا جنبا إلى جنب مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري؟