جسر: ترجمة:
في رحلة إلى مخيم “موريا” قبل حريقه تبدأ مجلة دير شبيغل بتعريف فريد للمخيم: “موريا هي أولاً وقبل كل شيء، المكان الذي تنتهي فيه أشياء كثيرة، الرحلة عبر البحر، والإيمان بأوروبا الإنسانية، والأمل في أن ما سيأتي سيكون أفضل. وفي موريا أيضاً تبدأ الحياة من جديد. حيث يولد الأطفال..”.
وتتابع الصحيفة تحقيقها الذي يحمل عنوان موريا ثقب في القلب: “يبدأ أطفال موريا حياتهم هنا، في مخيم تم بناؤه سابقا لاستيعاب 3000 ساكن وهو الآن موطن لـ20000 شخص، وهو مكان كان يُقصد به أن يكون محطة توقف للاجئين الذين يصلون الجزر اليونانية، لكن موريا لم يعد محطة توقف، لقد أصبح مدينة مصنوعة من قماش تضم الآلاف في منحدرات الزيتون. وظل الكثير منهم عالقين في الجزيرة لسنوات بسبب عدم معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم”.
وتضيف دير شبيغل في تحقيقها: “في موريا حيث انتشرت الفئران بين الخيام. حيث تقف في الطابور للحصول على الطعام. حيث يتم تقنين المياه الجارية لبضع ساعات في اليوم. حيث لا يجرؤ الرجال والنساء على الذهاب إلى مراحيض المرافق الصحية ليلاً خوفًا من التعرض للاعتداء والطعن”.
والأمس كاليوم، فبعد كارثة حريق المخيم، تتعالى الأصوات في ألمانيا الآن حول ما حدث في مخيم موريا، تلك الكارثة الإضافية التي أثقلت كاهل اللاجئين، وزادت مآسيهم مأساة أخرى لم تكن في الحسبان، بسبب اتساعها لتشمل مخيماً كاملاً، وهو مخيم موريا سيء الصيت في جزيرة ليسبوس اليونانية.. مخيم يراه الكثيرون وصمة عار في جبين أوروبا، ومسألة حقوق الإنسان فيها.
مطالبات بإخلاء فوري للمخيم
الصحف الألمانية منشغلة حالياً في الجدال السياسي القائم حول مصير اللاجئين والذي توازى مع تحركات ناشطين ألمان للمطالبة باستضافتهم، كما نظم حزب الخضر المعارض عدت مظاهرات ووقفات تضامنية مع اللاجئين لمطالبة الحكومة باستقدامهم، ومنها مظاهرات واعتصامات نظمها الحزب في مدينة كوبلنز الألمانية التي أقيم فيها خلال الفترة الماضية عدة اعتصامات امتدت لأيام.
لكن صرخة الصحافة الألمانية في معظها كانت قوية هذه المرة تجاه ماحصل في مخيم موريا؛ ففي افتتاحية قوية وملفتة لمجلة دير شبيغل قالت كاترين إلجر: “إن سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة باللاجئين ليست غير إنسانية فحسب، بل إنها تنهي دور أوروبا كلاعب أساسي في حقوق الإنسان على المسرح العالمي”. وتتابع الكاتبة: “موريا، كلمة صغيرة، تتكون من خمسة أحرف فقط، لديها القوة لتدمير صورتنا الذاتية كأوروبيين، أو لنكون أكثر دقة، الصورة الذاتية لأولئك الأوروبيين الذين يمكنهم التماهي مع القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، أولاً وقبل كل شيء، يشمل ذلك حماية حقوق الإنسان”. وتضيف الكاتبة بلهجة حادة قوية: “إن المخيم بظروفه المخزية يجب أن يختفي، ليس فقط لأن طالبي اللجوء هناك بائسون وموريا هي إعلان للإفلاس اﻷخلاقي، أيضا من منطلق المصلحة الذاتية الأوروبية”. وتردف متساءلة: “وإلا كيف يجب أن يظهر الاتحاد الأوروبي كسلطة على المسرح العالمي في المستقبل؟ كيف يمكن لوزير خارجية ألماني أو فرنسي أن ينتقد الحكومة الصينية لتجاهلها حقوق الإنسان؟ أو روسيا؟ السعودية؟ إيران؟”.
موقع wdr الألماني وقناته التلفزيونية واكب الحدث بتفاصيله، وتحت عنوان كارثة لاجئين في ليسبوس.. رأينا الناس يشربون مياه الصرف الصحي، ومن جزيرة ليسبوس أطلقت مراسلة الموقع إيزابيل شاياني صرخة مدوية قالت: “أصبح وضع اللاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية كارثياً بعد الحرائق في مخيم موريا، الآلاف من الناس يخيمون في العراء.. الحاجات الأساسية مفقودة، هذه ليست أوروبا، لقد رأينا الناس يشربون مياه الصرف الصحي”. ثم تضيف: “يأس الناس فيما يتعلق بالسياسة الأوروبية كبير، لديهم تصور أنهم كانوا في السجن، وعادوا الآن إلى السجن ولن يُسمع صوتهم”. ونقلت المراسلة عن أحد الشهود ما وصفه بمنع السلطات اليونانية الامدادات عنهم وأنهم لم يأكلوا أو يشربوا منذ منذ أيام.
كما سببت محنة اللاجئين في المخيم اليوناني المحترق صدمة في هذا البلد. لكن الأسئلة الحاسمة تظل بلا إجابة، لا سيما حول كم من اللاجئين البالغ عددهم 12000 شخص في المخيم في جزيرة ليسبوس سيسمح لهم بالذهاب إلى ألمانيا في النهاية؟.
وبناء على طلب اليونان، وافقت ألمانيا حتى الآن على قبول 100 إلى 150 قاصراً غير مصحوبين بذويهم من موريا، كما فعلت فرنسا. إلى جانب ثماني دول أوروبية أخرى، وسيتم قبول 400 طفل وشاب غير مصحوبين بذويهم.
ووفق ما رصدت مجلة دير شبيغل في اجتماع أحزاب التحالف المسيحي المنعقد قبل اجتماع الحكومة يوم الأربعاء؛ فقد أوضح وزير الداخلية هورست زيهوفر من حزب اﻻتحاد اﻻشتراكي المسيحي في بافاريا-CSU بالفعل أنه يود حلاً للعائلات التي لديها أطفال في خطوة أخرى، بمعنى استقدام الأطفال فقط.
واجتمعت لجنتا حزبي اﻻتحاد الديمقراطي المسيحي-CDU واﻻشتراكي الديمقراطي-SPD في الصباح لإجراء مداولات منتظمة مع مرشح الأخير لمنصب المستشار، وزير المالية أولاف شولتز. كما دعا المنافس السابق لزعيم الحزب اليساري يوم السبت إلى مشاركة أوروبية أقوى، ولكن بحذر أكبر، مستبعداً استعداداً ألمانياً (مطلوباً) لاستقبال المزيد من اللاجئين.
ووفقاً لمعلومات “ديرشبيغل” فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يطالب بالمساعدة السريعة في المخيم، وقبول المزيد من اللاجئين، علاوة على الـ150 طفلاً الذين تم تحديدهم، وأن يكون هناك المزيد من الالتزام من الحكومة لحل أوروبي. وأنه من المهم الآن التعاون الوثيق مع الحكومة اليونانية، وتقديم مساعدات إنسانية سريعة لنزع فتيل المأساة الإنسانية على الأرض، فالسرعة هي الجوهر. وعلى المستوى الأوروبي يطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأنه لا ينبغي بعد الآن القبول بأن حل قضية اللاجئين يعوقه توزيعهم بين الدول.
مخيم جديد بديل
بدورها دعت أنالينا بربوك زعيمة حزب الخضر إلى إجلاء اللاجئين من جزيرة ليسبوس وإظهار المزيد من الالتزام الأوروبي والألماني تجاه مصيرهم. ولم تكن ترغب في تكرار بيان سابق لها على موقع تويتر، والذي كان مفهوماً أنه يعني “جميع المهاجرين في موريا والبالغ عددهم 12 ألفًا يجب أن يأتوا إلى ألمانيا”. وتحدثت كاترين غورينغ إيكاردت، رئيسة مجموعة الحزب البرلمانية، لصحيفة “فيلت” عن جهد ألماني منفرد لاستضافة اللاجئين، فالعديد من المدن والبلديات جاهزة، والقدرات موجودة. يجب على ألمانيا أن تتصرف الآن وتستوعب أولئك الذين يطلبون الحماية.
ما هو عدد الأشخاص الذين تستقبلهم ألمانيا من مخيم موريا المحترق للاجئين؟
يتجادل ممثلو أحزاب اﻻئتلاف الحكومي حول هذا السؤال حالياً؛ حزب SPD على عهده بالدفاع عن سياسته إزاء اللاجئين، وقد طالبت رئيسته “ساسكيا إسكين” بالالتزام بجلب عدة آلاف إلى ألمانيا، وقالت لقناة ZDF إنه يجب أن يكون الرقم مكوناً من أربع خانات، وهي تقصد عدة آلاف ققط. ومن وجهة نظر ماركوس سودر، رئيس CSU، يجب على الحكومة الفيدرالية تأمين “زيادة كبيرة” في نسبة من سيتم قبولهم. وصرح لـ “بيلد” بأنه “كان من الممكن لألمانيا أن تضم نسبة أعلى بكثير” دون أن يعطي رقما.
موريا “جرح مفتوح”
لكن وزير الداخلية زيهوفر سيواجه “رياحاً معاكسة” من حزب CDU، فيما جدد السياسي والمتقدم لرئاسة الحزب، نوربرت روتجن، مطالبته بقبول 5000 لاجئ من موريا في ألمانيا، وقال لصحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونج”: “سيقلل 5000 شخص من الوضع الكارثي في اليونان إلى حد كبير وهذا مانسعى إليه الآن” بغض النظر عن “حقيقة أننا بحاجة ماسة إلى التوصل إلى نتائج عملية في سياسة اللاجئين الأوروبية”.
ووصف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ موريا بأنها “جرح مفتوح في سياسة اللاجئين الأوروبية”، حتى قبل الحريق، فقد كانت هناك كارثة بشرية، وقال روتجن: “نتيجة للحريق، هناك الآن معاناة شديدة هناك”، مضيفاً أنه لا يرى خطراً أو أزمة مثلما حدث في أزمة اللاجئين عام 2015؛ هناك حماية أفضل للحدود الخارجية والاتفاقيات مع الدول الأخرى. وقال: “إذا قمنا بعمل إنساني الآن في وضع استثنائي، فعلينا أن نوضح أنه لا توجد مخاطر من ذلك”.
الفشل التام لوزير الداخلية
هكذا عنونت صحيفة ” تاغز شاو شبيل” في انتقادها لوزير الداخلية، وقالت الصحيفة أن الوزير هورست زيهوفر يتعرض لضغوط متزايدة بسبب سياسته الخاصة باللاجئين، فقد تم انتقاد عرض ممثلي CSU لاستقبال 150 قاصراً من مخيم موريا اليوناني المحترق باعتباره غير كافٍ، حتى في حزبه. 150، أي واحد على ثمانين من أصل 12000 شخص أصبحوا بلا مأوى منذ حريق ليسبوس.
ودعت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية واللاجئين “إيلفا يوهانسون” الدول الأعضاء إلى تقديم مساعدات سريعة وتضامن أوروبي، مرحبة “بكل ممثل عام على المستوى المحلي والإقليمي والوطني يعمل على جعل التضامن الذي يربط أوروبا متماسكاً ملموسا وحقيقياً”، وقالت: “اللاجئون المشردون الآن هم فوق كل شيء، وبالتالي أكثر من مجرد تسمية مهاجر أو وضع طالب لجوء”. وحذرت يوهانسون من أنهم بحاجة إلى الغذاء والمأوى والرعاية الصحية على الفور.