محمد حجيري
قيل الكثير من التأويلات والتخمينات والتفسيرات، حول توزير مقدم برامج المسابقات والحوارات الاجتماعية، جورج قرداحي، في حكومة نجيب ميقاتي، ووضع توزيره أو توليه وزارة الإعلام خلفاً لمنال عبد الصمد، في خانة التحوّل الاستراتيجي في لبنان وسوريا والشرق الأوسط. ومردّ التأويلات والتخمينات والتفسيرات، تبعية أو ولاء الرجل المعروف بجُملة “بتحب تستعين بصديق؟”، للرئيس السوري بشار الأسد، والتحدث بلغته وتمجيده حتى بعد تعيينه وزيراً للإعلام.
بدا لكثيرين أن قرداحي يتحدث بلغة الأسد ويستعير شعاراته (الأمل للعمل)، ويتصرف كأنه في “جمهورية البعث” وفي نظام يصدر صحيفتي “تشرين” و”الثورة”. ففي أول تصريح له، توجه قرداحي بكلمة الى “بعض الجهابذة والمحللين الذين ظهروا عبر شاشات الوسائل الإعلامية خلال اليومين الماضيين وحللوا تشكيل الحكومة والمحاصصة”، وقال: “فلسيمحوا لنا وليهدأوا قليلاً”، متمنياً على وسائل الإعلام “عدم استضافتهم لأن الحكومة حديثة الولادة”. والتمني القرداحوي هو بمرتبة الدعوة الى الاسكات والمنع، ومبرره أن الحكومة “حديثة الولادة”… مع العلم أن الحكومة إرث منظومة بائسة، ميليشيوية ومالية وقبلية وحربية، تعيد انتاج نفسها منذ عقود، وهي المسؤولة عن خرابنا وإفلاسنا ودمارنا. ويكرر صاحب عبارة “جواب نهائي” في الجلسة الحكومية الأولى: “أنا متّهم بالمس بالحريات الإعلامية، بس حدا بيصدّق؟ كلامي كان واضحًا بالأمس وتمنّيت على وسائل الإعلام أنْ تمتنع عن استقبال الضيوف الذين يصوّرون البلد وكأنه ذاهب إلى الخراب”، متناسياً أن رئيس جمهوريته قال “رايحين ع جهنم”، غاضاً النظر عن طوابير البنزين وأسعار الدولار والمحروقات والمواد الغذائية.
على أنّ الاندفاع الصحافي للتركيز على توزير قرداحي واعتباره حصة “سوريا الأسد” في الحكومة الميقاتية، وأحد أركان “التطبيع” مع النظام الأسدي، و”رسالة أسدية إلى الغرب والمجتمع الدوليّ” فيه شيء من الشطح والشطط. ففي الحكومة، هناك وكلاء لأقطاب سياسيين، هم أسديون أكثر من الأسد، من وزراء عون إلى وزراء حزب الله. وربما يكون توزير قرداحي نوعاً من المبارزة في التقرّب من الأسد.. بين صديق آل الأسد، سليمان فرنجية، المَرَدي الزغرتاوي، الذي يعتبر قرداحي من حصته في الحكومة.. وحليف آل الأسد، جبران باسيل، البتروني، الذي يزايد على النظام البعثي في مواقفة الشوفينية والعنصرية والأقلوية. وكلاهما، البتروني والزغرتاوي، مرشّح نافذ لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ويتبارزان في تمجيد “السيد حسن” و”سيادة الرئيس”.
وربما يكون دور مقدّم “من سيربح المليون”، مثل دور ميشال سماحة قبل انتهائه في السجن. فناقل المتفجرات أنيط به التواصل مع الإعلام الغربي، وفعل فعله في تركيب الملفات. وحين كان الأسد في ذروة أعماله المشينة في حق شعبه، من المجازر إلى الكيماوي، كان مقدم “المسامح كريم” يحاول تبييض صورته، وقال قرداحي ضمن برنامج “المليونير” عبر MBC، إن هناك وسائل إعلام تتآمر على سوريا، وامتدح شخص رئيس النظام ووالده في لقاء تلفزيوني عبر قناة OTV، واختاره رجل العام 2018، وقال “إنه بصموده أمام الحرب الكونية التي تعرضت لها سوريا، أثبت أنه رجل من طينة أخرى”. وأردف قائلاً، في ذلك الوقت: “لولا صمود هذا الرجل، لراحت سوريا، ورحنا، إحنا كمان في لبنان، وكان راح الأردن، ويمكن راح الخليج”… وتذكرنا عبارة “لولا” هذه، بعبارات أخرى من خطاب “حزب الله” تقول أنه “لولا المقاومة لكانت داعش في جونيه”.
ومقاربة قرداحي، جزء من ثقافة الأبد الأسدية، وجزء من هذيان ربط مصير بلد بمصير شخص، ووهم خلاصي روّج له حلف الأقليات في الشرق الأوسط، ولم ينتبه مُقترِح “حذف إجابتين”، أن سوريا راحت وبقي الأسد على كومة خراب ودويلات ومشيليات متعددة الجنسيات…. وفي أحد البرامج، أعلن قرداحي أنّه ألتقى بشار الأسد وقال له: “سيأتي يوم ويعتذر منك الجميع”.
في مساره، يبدو قرداحي أقرب الى البزنس الاعلاني، وهو الكسرواني المفتون “بالسيد الرئيس”، والمَرَدي والخازني والعوني والمؤيد لحزب الله، والمهلل لمحمد بن سلمان وبعض الشيوخ والرؤساء، وزائر خامنئي في إيران لمناقشة قضايا مختلفة، والمبتسم له ابتسامة المتيم في صورة واسعة الانتشار…
وفي الثقافة السياسية، غرق قرداحي في منطق برنامجه “المسامح كريم”، و”حبوا بعض” وشعبويات الوحدة الوطنية. فهو في مقابلة مع نيشان ديرهاروتيونيان، قال أنّه وجد مسيحيته في القرآن الكريم الذي اطلع عليه وفهمه جيداً وحفظ بعض أجزائه، وقال قرداحي إنّه بعد اطلاعه على دين الإسلام جيداً، وجد أنّ الإسلام والمسيحية دين واحد، ولا اختلاف بينهما.
المصدر: المدن