حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

شارك

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

حرائق الأمازون: الشعور بالذنب؟

جسر: متابعات:

الأشجار المتفحمة، فيلا نوفا صموئيل، الطريق المؤدي إلى غابة جاكلون الوطنية بالقرب من مدينة بورتو فيلهو بولاية روندونيا أمس. AP Photo / Eraldo Peres

رئة العالم تحترق، كارثة بيئية ضخمة تضرب غابات الأمازون. مادونا، وليوناردو دي كابريو، وعدد من النجوم يلفتون نظر الرأي العام لفداحة الحادثة. وباستثناء الرئيس الفرنسي، ردود الأفعال الرسمية حول العالم تبدو شديدة التواضع.

تنبري وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس البرازيلي، بولسونارو. فالجنرال السابق، الآتي من أقصى اليمين يتبنى خطاباً معادياً لسياسات البيئية، كما لا يخفي عداءه لحقوق السكان الأصليين. وفي الساحة السياسية الأميركية، توظَّف الحرائق للهجوم على ترامب، فنقاط التشابه بينه وبين الرئيس البرازيلي المعروف بـ”ترامب الاستوائي”، كافية لوضع الرئيس الأميركي محل اتهام، و لو بشكل تضامني. في شبكات التواصل الاجتماعي، يتداول المستخدمون صوراً للكارثة، ملتقطة من أعلى، مشاهد حزينة للحياة البرية المدمرة، والحيوانات المذعورة أو المحترقة. يترافق هذا مع قدر لا بأس به من التأنيب، فالمقارنات تُعقد بين حريق كاتدرائية نوتردام وبين حريق الأمازون، والفوارق بين ردود الأفعال وقتها والآن. وأطلق البعض بعدها دعوات لمقاطعة منتجات البرازيل، أو فرض العقوبات على حكومتها، بسبب تدمير البيئة ومستقبل الأرض.

ووسط هذا كله، لا يُسمع سوى القليل عما يحدث فعلاً. فحرائق غابات، بفعل فاعل، لم تبدأ مع بولسونارو. صحيح أن تصريحاته وأجندته السياسية شجعت ارتفاع معدلات الحرائق بنسبة 85% عن العام الماضي، لكن عدد الحرائق هذا العام يظل قريباً من عددها في 2016. وفي بوليفيا، التي يحكمها أقصى اليسار، ارتفعت معدلات حرائق الغابات بنسبة 114% في عام واحد، وهي أعلى بكثير من البرازيل. وفي فنزويلا اليسارية أيضاً، ارتفعت حرائق الغابات بنسبة 20%، لتصبح صاحبة أعلى معدل على مستوى القارة في عدد حرائق الغابات بالنسبة إلى المساحة الكلية.

يشير موقع “بلومبرغ”، في مقال نشره قبل يومين، إلى أن حرب ترامب التجارية مع الصين ربما تسرّع من وتيرة حرق الغابات البرازيلية. فالصينيون يسعون إلى تعويض الصويا التي يستوردونها من الولايات المتحدة. تبدو تلك فرضية وجيهة بالطبع، لكن بعيداً من هذا كله، ومن قبل ظهور ترامب في الساحة السياسية، كانت حرائق الغابات في أميركا اللاتينية وغيرها من دول الجنوب، مرتبطة بغياب التنمية المستدامة. حيث يتعمد أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة ورعاة قطعان الماشية، إشعال الحرائق لتوسيع مساحات الزراعة والرعي، بطريقة تتحايل على القانون. ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الشعبوي، تُستغل عمليات إزالة الغابات والتغاضي عنها، بشكل قصير النظر، لتعويض تعثر سياسات التنمية وغياب الاستثمارات، ورفع مستويات المعيشة، وكسب الأصوات الانتخابية، وأحياناً للنفخ في نيران النعرات الوطنية. فبولسونارو على سبيل المثال، واجه الانتقادات التي طاولته من الخارج بسبب الحرائق الأخيرة، بالدفع بخطاب الاستقلال الوطني البرازيلي، ورفض التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي. وفي الصين، تستخدم السلطات التاريخ الاستعماري، للرد على اتهامها بالتراخي في الحد من الانبعاثات الكربونية. الحجة الجاهزة هي أن الغرب بعد الثورة الصناعية، ولمدة قرنين على الأقل، استهلك موارد الكوكب، وخرّبها بشكل ممنهج وواسع، وفي المجمل يظل نصيب الصين تاريخياً في نسبة الانبعاثات الكربونية منخفضاً مقارنة بالدول الغربية.

تميل شريحة من أنصار من الخطاب الأخضر واليساري، إلى شخصنة المعضلة البيئية. فالسياسات المخربة للتوازن الطبيعي تقع مسؤولياتها على عدد من الزعماء اليمينيين. أما المتعاطفون من الأفراد حول العالم، فلا يجدون أمامهم سوى الشعور العميق بالذنب أو الهلع من نهاية العالم، وفي أفضل الأحوال، اللجوء لحلول فردية، تقترب من طقوس التطهر الروحية، وتتعلق بعمليات فصل القمامة، وتدويرها، وشراء منتجات بعينها تحمل الختم الأخلاقي، أو خفض الاستهلاك بوجه عام. ويبدو أن غالبية تلك الممارسات ذات الطابع الفردي، تأثيرها متواضع. على سبيل المثال، اتضح خلال العامين الماضيين، أن نسبة تفوق النصف من البلاستيك المفروز لإعادة التدوير في بريطانيا، يتم حرقه في النهاية. وفي قضية كحرائق الغابات، تبدو الحلول الفردية محدودة جداً، وستقود إلى معاقبة الفئات الأكثر تهميشاً في شبكات الإنتاج المعولمة.

ما يتم الاعتراف به، لكن يتم تجاهله كثيراً، هو أن انعدام المساواة بين الشمال والجنوب يقع في قلب المسألة البيئية. وإنه من دون مواجهة تلك الاختلالات العميقة في توزيع الثروات حول العالم، فإن أي خطاب بيئي سيكون موجهاً ضد الفقراء في المدى القصير، باسم الحفاظ على الكوكب في المدى الطويل. وتبدو هنا الإشارة إلى “الكوكب” بوصفه الواقع الحالي من انعدام العدالة، ولصالح المستفيدين منه. وفي تلك المعادلة، يربح الخطاب الشعبوي المعادي للبيئة في اجتذاب أصوات قطاعات من الفقراء ومن شرائح الطبقات المتوسطة أيضاً.

لا يعني هذا، أن حرائق الأمازون لا يجب أن تثير ردود الأفعال لدينا، نحن أبناء الجنوب. لكن شعوراً بالذنب ربما لا يكون رد الفعل الأنسب، بل ربما الغضب. وفي وقت يظل معظمنا عاجزاً عن المساهمة في اتخاذ القرار حتى على مستوى محلي، ودعنا من المستوي العالمي. فلعل الخطوة الأولي للانخراط في المسألة البيئية المصيرية، تبدأ من الداخل، بالحصول على الحق في اختيار حكوماتنا، والتشارك في الموارد وتقرير طرق استغلالها وتوزيعها.

٭كاتب وباحث مصري

المدن 27 آب/أغسطس 2019

شارك