فارس خشان
ما كاد يومان يمرّان على “زيارة الوساطة” التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، يوم السبت الماضي الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى أعلن “الحرس الثوري الإيراني”، يوم الإثنين الواقع فيه الثامن من مارس 2022 مقتل ضابطين رفيعين تابعين له في ضربة صاروخية إسرائيلية استهدفت قاعدة عسكرية إيرانية قرب العاصمة السورية دمشق.
لا علاقة لـ”قانون الصدفة” بين الحدثين، فإسرائيل، على الرغم من أنّها “حليفة الغرب”، تحاول أن تبعد نفسها، بالحد الأقصى الممكن، عن الاصطفاف الدولي الكبير ضد روسيا في حربها على أوكرانيا، بهدف أن تترك لها موسكو ما يكفي من حرية عمل ضد إيران وأذرعها وأسلحتها وقواعدها، في سوريا.
وثمّة من يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أنّ روسيا ساهمت في إنجاح هجوم إسرائيل على القاعدة العسكرية قرب دمشق، حتى لا تفكّر طهران، لوهلة، أنّ حرب القيصر الصعبة في أوكرانيا سوف تسمح لها بتوسيع نفوذها في سوريا.
وهذا يعيد التذكير بما دوّنه جون بولتون، في كتابه الأخير، عن نص رسالة شفوية حمّله إياها فلاديمير بوتين، حين زاره في الكرملين، إلى نظيره الأميركي، في حينه، دونالد ترامب: “ليس لروسيا أي مصلحة في أن يكون للإيرانيين نفوذ في سوريا”.
في الوقت نفسه، كانت موسكو، في الخامس من مارس الجاري قد فاجأت طهران والعواصم التي تتشارك معها مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، حين سارعت إلى محاولة فرض شروطها الخاصة، لتسير بالاتفاق الذي كان قد قطع أشواطاً حاسمة نحو نهاية “إيجابية”.
لم تهتم موسكو لاستياء طهران من خطوتها هذه التي أثلجت صدور الإسرائيليين وبعض الدول الخليجية، فهي لن تسمح للغرب أن يرتاح لمصدر جديد للغاز سوف يكون متوافراً، بأقصى مدى، قبل حلول الشتاء المقبل، يضاف الى الانفراجات الأميركية مع فنزويلا النفطية، فيما يضيّق الخناق، بالعقوبات على نفطها وشركاتها ومداخيلها.
لقد اشترط وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ما بدا مستحيلاً، في إعلانه عدم موافقة بلاده على التوقيع على اتفاق إحياء الاتفاق النووي الذي كان على قاب قوسين أو أدنى من الإعلان عنه، إذ طالب بـ”ضمانات مكتوبة بأنّ العقوبات الجديدة لن تؤثّر على حق روسيا الكامل في التعاون التجاري والاستثماري والعسكري والتقني مع إيران”.
قبل ذلك، وفي الأوّل من مارس الجاري، وقفت روسيا في مجلس الأمن الدولي إلى جانب قرار كبير نسّقته مع دولة الإمارات العربية المتحدة، أزعج إيران كثيراً، عندما أعلنت تأييدها لقرار يدرج “حوثيي اليمن” في لائحة المنظّمات الإرهابية.
وهذا يفيد بأنّ الحرب الروسية على أوكرانيا، وخلافاً لما يذهب إليه “حلف الممانعة”، لا تنفعه ولا تعزّزه ولا تقوّيه، ذلك أنّ موسكو، في الخطة التي وضعتها لمواجهة العقوبات الغربية التي تنهال عليها من كلّ حدب وصوب، بحاجة إلى دول الشرق الأوسط التي تربطها بالغرب أحلاف واتفاقيات ومصالح، ولا سيّما منها الدول القوية، مثل إسرائيل، والثرية، مثل مجلس التعاون الخليجي، وهي بغنى عن دخول “الانتهازية” الإيرانية المتعطّشة لدولارات الأسواق العالمية، على الخط.
وعليه، فإنّ موسكو لن تضحّي بنفسها من أجل تقوية نفوذ “حلف الممانعة” الذي تقوده إيران، فتناغم بسيط بينها وبين أهم دول “اوبيك بلاس” كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يكسبها أكثر بكثير من كل ما يجعلها على تقاطع “إزعاجي” مع هذا الحلف، على اعتبار أنّ سعر برميل النفط لم يعد، بالنسبة إليها سعراً اقتصاديا، بقدر ما أضحى “مسألة وجودية” في صراعها الذي فتحته على مصراعيه حربها ضد أوكرانيا مع الغرب عموماً ومع “الإتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً.
وعليه، فإنّ “حلف الممانعة”، ونتيجة لانعكاسات الحرب الأوكرانية، تراجع خطوات نوعية إلى الوراء، فيما تقدّمت الدول التي يعاديها، خطوات نوعية الى الأمام.
ولعلّ أهمّ حدث مزعج لهذا الحلف، تمثّل في نتائج القمة السعودية-المصرية التي شهدتها الرياض، يوم الثلاثاء الماضي، حيث بدا التناغم الخليجي-العربي في أوْجِه، شاملاً كلّ الملفات ولا سيّما الملف اللبناني.
وقد جاء الجزء اللبناني من البيان المشترك، بمثابة اختصار “تأكيدي” لما كانت قد تضمنته الورقة الخليجية-العربية-الدولية التي سبق أن نقلها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان، في الثاني والعشرين من يناير الأخير.
وهذا الاختصار التأكيدي يعني أنّ كلّاً من الرياض والقاهرة رميا جانباً الجواب اللبناني الذي كان قد حمله وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب إلى الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد أخيراً في الكويت.
وقد جدّد البيان السعودي-المصري التأكيد على وجوب ألّا يكون لبنان “منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدّرات”.
وفي القاموس الخليجي-العربي فإنّ المقصود بهذه العبارات هو “حزب الله” تحديداً الذي أضافت محكمة الاستئناف في “المحكمة الخاصة بلبنان”، في قرار أصدرته أمس، شريكين جديدين للمسؤول الأمني فيه سليم عيّاش، في تنفيذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005.
وعلى الرغم من أنّ هذه الهجمة على “محور الممانعة” في المنطقة وعلى “حزب الله” في لبنان، تحاول الاستفادة من حاجة موسكو الى ما يوصف بـ”دول الاعتدال” في الشرق الأوسط، فإنّها تتقاطع مع ما تريده، في غالبية الأحيان، الولايات المتحدة الأميركية التي واظبت على فرض عقوبات ضد مموّلي “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” والقادة الحوثيين في اليمن.
ولعلّ هذه التطورات المهمة المتلاحقة، أشعرت السلطة التنفيذية في لبنان بوجود هامش يسمح لها بـ”التمرّد”، ولو نسبياً، على إرادة “حزب الله”، الأمر الذي أخرج الأمين العام للحزب حسن نصرالله عن تحفّظاته عندما يتناول شخصيات سياسية مرتبطة برئيس الجمهورية ميشال عون، فشنّ هجوماً على وزارة الخارجية اللبنانية التي هي بعهدة بو حبيب المقرّب جداً من عون، متّهماً إيّاها بنشر بيان عن الحرب الروسية على أوكرانيا جرت كتابته في السفارة الأميركية في لبنان.
هدف نصرالله الحقيقي من هجومه “غير المسبوق” لم يكن البيان بذاته، بقدر ما كان محاولة منه لضبط “حلفائه” حتى لا تقودهم التطوّرات المتلاحقة في المنطقة والتغييرات الجيوستراتيجية إلى حدود المواجهة معه، لأنّه، وقبل أيّ مرجعية أخرى، يدرك أنّه لم يعد هناك في لبنان من يسير معه عن قناعة، بل الغالبية العظمى ممّن يسايرونه إنّما يفعلون ذلك، إمّا خوفاً وإمّا انتفاعاً.
إنّ المفارقة التي يمكن تسجيلها أنّ مؤيدي “حلف الممانعة” يرفعون، عالياً، لواء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يسارع، من جهته، إلى شبك يده بيد تلك الدول التي تعادي هذا المحور وتعمل على تقزيمه وقطع أذرعه.
إنّ هذا الحلف، وفق المعطيات المتراكمة، يلحس، في الواقع، مبرد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
المصدر: الحرة