جسر: ثقافة:
تخزين فريد للقطع الأثرية، حفظ لوحات الفسيفساء، ترميم، توثيق أثري، تسجيل وغير ذلك. كان عمل فريق متكاتف قام بما تعجز عنه مؤسسات تعمل للحفاظ على الإرث الحضاري السوري، إنه فريق مشروع حماية التراث الثقافي السوري. ذلك الفريق الذي أخذ على عاتقه إنقاذ الآثار السورية في معرة النعمان والحفاظ عليها.
إنه فريق من الشباب الغيور استطاع أن يحافظ على آثار معرة النعمان وآثار متحفها(1) منذ بداية مشروع حماية التراث الثقافي السوري في عام 2013 المرافق لسنوات الصراع في سوريا، حيث بُدئ بالعمل بشكل فعلي في عام 2014، وقد تبنى الفريق العمل المنهجي الأصيل وفق محاور ثلاثة هي: الحماية، التوثيق، التدخل الإسعافي، مستهدفاً المباني الأثرية التي تعرضت أو تتعرض للقصف والتدمير. حيث عمل الفريق على التوثيق وبشكل دوري من قبل حرّاس يتوزعون على المواقع والمباني الأثرية، كما عملوا على حماية القطع الأثرية بوضعها في أكياس خاصة وإدخالها إلى المستودعات مع توثيق المحفوظات، وحماية الفسيفساء العائدة لمنطقة المدن الميتة والتي تعود للقرن الثالث وحتى السادس الميلادي، وتُعتبر من أهم مجموعات الفسيفساء الرومانية والبيزنطية في الشرق الأوسط، فقام الفريق بعزل اللوحات الفسيفسائية بطبقتين من القماش لكيلا تتعرض للتفكك فيما إذا تعرض المبنى للقصف، وبلغت مساحة اللوحات الفسيفسائية ما مجموعه 2700م2 ، عُرض منها 1700م2 وخُزّن منها 1000م2.
تعرّض متحف المعرة لثلاث غارات جوية في اﻷعوام 2015، 2016، 2018، والتي كانت الأقسى على المبنى، عدا عن ضربات متفرقة حيث أُلقيت حاوية مُتفجرة في محيطه، فأصابت الجزء الشرقي منه حيث تم تدمير التكية والمسجد القريب، بالإضافة إلى أضرار كثيرة في الجزء الشرقي من رواق المتحف. وفي ضربة أخرى على الجزء الغربي، ولولا كميات الرمال التي حفظ الفريق من خلالها اللوحات الفسيفسائية من خلال تغطيته لها، لكانت نسبة التدمير أكبر من أن تُحصى. وعلى الرغم من فداحة الأضرار في محيط المتحف إلا أن نسبة الأضرار نتيجة القصف لم تتجاوز 6%، وتُعد نسبة لا تُذكر بالمقارنة مع حجم القصف الذي لحق بالمنطقة، وتعود ضآلة هذه النسبة لحالة الحفظ الممتازة التي قام بها الفريق للقطع الأثرية وطريقة تخزينها والحفاظ عليها، كما لم تقتصر أعمال الحفظ على الآثار، بل وشملت الأضابير والوثائق وجميع المصنفات والمستندات العائدة لمتحف معرة النعمان. وفي الحقيقة فإن المجتمع المحلي عموماً والمجلس المحلي بشكل خاص قدموا المساعدة التي كان يأملها الفريق من أعمال ترحيل للأنقاض وغيرها، عدا عن أعمال الفريق في حماية متحف أفاميا؛ كتنظيف القاعات، وترحيل الحجارة المنهارة، وإغلاق فتحات السقف نتيجة الضربات العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المبادرات التي أخذت على عاتقها حماية الآثار السورية أثبتت نجاحاً كبيراً في المدينة، بالإضافة إلى تضافر جهود الأهالي لحماية المواقع التراثية والثقافية، ويُشير المهندس عبد الرحمن يحيى إلى أنه، وعلى الرغم من سيطرة الجهاديين على المدينة تحت قيادة هيئة تحرير الشام في عام 2019، إلا ان مجلس المدينة المحلي احتفظ بسيطرته على المتحف رافضاً تسليمه للمسؤولين من “حكومة الإنقاذ”.
وقد أصدرت العديد من المنظمات بيانات متفرقة، أهمها منظمة TDA، تُشيد بالجهود الفردية الرامية لحماية المتاحف والمواقع والمعالم الأخرى في مدينة المعرة وما حولها. وحتى المديرية العامة للآثار والمتاحف، وبعد أن سيطرت قوات النظام على مدينة المعرة ومتحفها، أشادت بالجهود التي بذلها هذا الفريق في الحفاظ على التراث الثقافي السوري، وكذلك بدور المجتمع المحلي الذي كان له دور إيجابي في الحفاظ على المتحف ومحتوياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كان خاناً؛ خان مراد باشا المبني عام 1563 والذي أصبح متحفاً في عام 1983