المصدر: صحيفة المدن-٢ آذار ٢٠١٩
فجّر “أبو عائشة المصري” حزامه الناسف، وسط عائلته وعناصر استخبارات “قوات سوريا الديموقراطية”، في شباط/فبراير، عندما اكتشف أن المُهرّب قد قاده إلى المقر الأمني لـ”قسد” في بلدة الكسرة غربي ديرالزور، بدل أن يأخذه إلى الحدود كما جرى الاتفاق.
“أبو عائشة”، القيادي المصري في تنظيم “الدولة الإسلامية” كان قد فرّ مؤخراً من الباغوز المحاصرة، وربما استعجل الامور قليلاً. لو صبر “أبو عائشة”، وسلّم نفسه لعناصر ذلك المقر، لكان قد وصل الى الحدود بطريقة أفضل، وبرعاية عناصر استخبارات “قسد” الذين حاول قتلهم. فقد تم تهريب المئات، وربما الآلاف من رفاق “أبو عائشة”، بالطريقة المُيسرة والسلسة ذاتها.
ثلاثة طرق للمغادرة
وفق مصادر محلية في منطقة “شرق الفرات”، فإن خروج عناصر “داعش” من سوريا بُعيد هزيمة التنظيم، تتم بأحد ثلاثة طرق؛ اعتماد العنصر على نفسه وشق طريقه إلى الحدود من دون الاستعانة بمهرّب، وبالاعتماد على وثائق مزورة ومعارف سابقين فقط، وهذا سبيل محفوف بالمخاطر. والطريقة الثانية هي اندساس المطلوب بين السكان المحليين، والبحث بهدوء عن مُهرّب مكفول، يتم الاتفاق معه لإيصاله إلى الحدود بغطاء من وثائق أمنية صادرة عن “قسد”. الطريقة الثالثة، والأكثر أمناً اليوم، هي أن يقوم منتسب “داعش” بتسليم نفسه لـ”قسد”، التي تنقله إلى مخيم الهول، ومن هناك يتواصل معه عناصر محددون ليبرموا معه اتفاق التهريب. ويتضمن الاتفاق، اخراج العنصر المتشدد من المخيم، ونقله إلى حدود منطقة سيطرة القوات التركية والفصائل المعارضة المحلية التابعة لها، ليواصلوا من هناك طريقهم إلى الحدود التركية-السورية.
من أدخلهم… يخرجهم؟
تشير مصادر في منطقة “درع الفرات”، إلى أن 10 إلى 15 عنصراً أجنبياً في “داعش”، تم تهريبهم من مناطق سيطرة “قسد” عبر نقاط تهريب أشهرها: العون، أم جلود، الحلونجي، السكرية، الجطل. وهناك يستقبلهم مهرّبون آخرون، ينقلونهم إلى مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، ومنها يتم نقلهم عبر الحدود إلى الأراضي التركية عبر نقاط تهريب أهمها: حور، حمام في جنديرس، جرابلس، الريحانية، ومنطقة ادلب. مصادر “المدن” تشير إلى أن المهربين الذين يخرجون الجهاديين اليوم، هم ذاتهم الذين ادخلوهم قبل سنوات. إذ قد يلجأ الداعشي أو شبكته، إلى المهربين أنفسهم مرة أخرى.
من يدفع؟
وتتفاوت المبالغ التي تدفع لتهريب هؤلاء العناصر وعائلاتهم، بحسب جنس وجنسية وموقع الداعشي المطلوب تهريبه. ويتقاضى المُهرّب نحو ألف دولار لقاء تهريب طفل أو امرأة من عائلات التنظيم. تكاليف تهريب المقاتل السوري والشرق أسيوي في “داعش” تصل إلى ألف دولار، بينما العراقي 3 آلاف، و10 آلاف للأوربي. أحد المصادر قال لـ”المدن” إنه شهد إتفاقاً لتهريب مقاتل خليجي مقابل 25 ألف دولار.
وتكررت عمليات تسليم المُهربين لعناصر “داعش” الذين دفعوا المبالغ المتفق عليه سلفاً، إلى استخبارات “قسد”، فيضطرون حينها لابرام اتفاقات جديدة. أحياناً، إذا كان الدفع سلفاً، يُقدم المُهرّب على قتل الداعشي والاستيلاء على ما يحمله من مال. لكن طريقة الدفع المعتمدة اليوم، كما هو الحال في مخيم الهول، تتلخص بأن يقوم الداعشي بالاتصال بشخص ما خارج الحدود يكفل دفع كامل تكاليف تهريبه، وذلك بعد وصول الداعشي إلى الحدود حصراً. وأحياناً يتم الاتفاق على أي مبلغ يطلبه المهربون. وأصبح بعض هؤلاء الكفلاء الخارجيين، ماركة مسجلة لدى المُهرّبين كضامنين لأي عملية تهريب. وتقول مصادر “المدن” إن عناصر “قسد” الذين يزاولون هذا العمل، قد يتواصلون أحياناً بأنفسهم مع كفلاء باتوا معروفين خارج الحدود، لإعطائهم أسماء اشخاص معتقلين في مخيم الهول قد يمكنهم تهريبهم. وهكذا يتفقون على المبلغ وطريقة إرساله، نظراً للثقة المتبادلة بين الطرفين، بعد انجاز عمليات ناجحة.
إلى أين؟
تركيا ليست وجهة التهريب الوحيدة، وإن كانت الأبرز، هناك وجهات أخرى، ابرزها نحو الحدود العراقية السورية، وإلى مناطق سيطرة النظام السوري غربي الفرات، حيث ما زال التنظيم يسيطر على جيوب متعددة في بادية الشامية.
وكانت صحيفة “در شبيغل” الألمانية قد نشرت منتصف العام 2018، خبراً يستند إلى بيانات المخابرات الألمانية يقول إن تنظيم “داعش” أنشأ موقعاً على الانترنت لإرشاد المقاتلين إلى طرق الهرب من سوريا والعودة إلى أوروبا تحديداً، وأبرز نصائحهم كانت عدم استعمال جوازات سفر مزورة، والاستعاضة عنها بوثائق حقيقية، أو التخلي عن كل أنواع الوثائق، مع ترك كل الأغراض التي قد تدل على وجودهم سابقاً في سوريا. كما ينصح الموقع بعدم الخوض في نقاش حول “داعش” مع الغرباء.
سياسة “ممنهجة”
اختفت قبل أيام الفتاة البريطانية المثيرة للجدل، شميمة بيجوم، التي عرفت بلقب “عروس داعش”، مع طفلها المولود حديثاً، من مخيم الهول للاجئين الذي تديره “قسد”. وكانت السلطات البريطانية قد اسقطت الجنسية عن الفتاة، بسبب إنضمامها للتنظيم الإرهابي ورفضت عودتها إلى المملكة المتحدة. فكيف لفتاة تم تداول قضيتها على نطاق واسع في بلادها والعالم، أن تفلت من الحراسة المفروضة على هذا المعتقل الأمني الذي يضم عناصر وعائلات “داعش”، والذي يفترض أن يخضع لحراسة استثنائية، لتتمكن من الهرب رغم ظرفها الصحي المتمثل بظروف ما بعد الولادة؟
لا يمكن فهم ما يحدث سوى بوجود “تسهيلات” معينة على الأقل، من طرف أو أكثر، لتهريب هؤلاء العناصر، وقد ترقى إلى مستوى “سياسة ممنهجة”، لنقلهم إلى مناطق جديدة، واستثمارهم في قضايا وصراعات أخرى. وهذا ما يطرح السؤال الجديد القديم: هل تم جلب هؤلاء إلى سوريا بطريقة “ممنهجة” لإجهاض الثورة الشعبية؟