جسر – صحافة
في شهر آذار/ مارس الماضي، أعلن تنظيم الدولة “داعش”، مقتل زعيمه” أبو إبراهيم القرشي”، بعد أكثر من شهر على إعلان الولايات المتحدة الأميركية مقتله في عملية عسكرية في محافظة إدلب السورية، وتعيين “أبو الحسن الهاشمي القرشي” خلفاً له، لينهي بذلك التنظيم أزمة اختيار الخليفة الثالث له، التي كشفت حالة الخلاف داخل أروقة التنظيم، وانتهت لصالح التيار العراقي الداعي لبقاء زمام سلطة التنظيم بأيدي عراقية، يمثلها “بقايا الرعيل الأول” الصامد حتى الآن من قادته.
زعامة التنظيم الجديدة، لم تفتتح عهدها بالأساليب الكلاسيكية التي دأب زعامات التنظيم المتتالية على انتهاجها، من مساعي لترتيب صفوف التنظيم وإعادة جمع شتات مقاتليه وترتيب البنية الهيكلية والتنسيق بين مجموعاته وخلاياه المنتشرة في العديد من دول العالم، إضافة للبحث عن مصادر للتمويل.. جاءت انطلاقة عهد الخليفة الثالث، بإعلان التنظيم الحرب ضد الأطراف المناوئة له، ما يعطي الكثير من المؤشرات على شخصية الزعيم الثالث، وما يحمله من تغيير داخل عقلية التنظيم.
حرب التنظيم المعلنة جاءت مختلفة عن سابقاتها، وتميّزت في عدة أمور، أولها، أنها حرب غير نمطية، على المستوى المحلي والدولي، وكانت أول إشارات تلك الحرب غير النمطية، هجمات تنظيم “الدولة” التي نفذت داخل العمق الإسرائيلي الذي يفترض أنه آمن ومحصّن، حيث نفذ مقاتلو التنظيم هجومين منفصلين الأول جاء في 23 آذار/ مارس الماضي داخل مدينة بئر السبع ونفذه محمد أبو القيعان، اضافة الى هجوم الخضيرة في مدينة حيفا في 27 آذار/ مارس، وأسفرت عن مقتل 6 اسرائيليين وعدد من الجرحى، حسب بيان التنظيم الرسمي.
هجمات التنظيم داخل العمق الإسرائيلي، تشير الى مساعي التنظيم وزعيمه “أبو الحسن القرشي”، لنقل القضية الفلسطينية من حالة خطابية رمزية، إلى حالة أكثر عملية ومشروع مستقبلي لوجود التنظيم توفر تأمين استمراريته. ويعد ذلك تطويراً على السردية الجهادية الخاصة بفلسطين ضمن أدبياته.
هذا المسعى كان قد رسمه الزعيم السابق للتنظيم “أبو إبراهيم القرشي”، فخلال عهده أعلن التنظيم في 27 كانون الثاني/ يناير2020، اطلاق مرحلة جديدة “تستهدف المستعمرات اليهودية”، وذلك في تسجيل صوتي صدر عن “مؤسسة الفرقان الإعلامية” بعنوان” دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها”، ودعا فيه المتحدث باسم التنظيم وقتها “أبو الحمزة القرشي” إلى إفشال “صفقة القرن”.
توجه تنظيم “الدولة” إلى فلسطين والقضية الفلسطينية، يشكل تحولاً كبيراً على الصعيد الإيديولوجي والاستراتيجي، ويهدف من خلال هذا التحوّل الى جذب الأنصار والعمل على تشكيل ولاية له، مستفيداً من تنامي الشعور المحلي فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، “بوجود مؤامرة غربية بمشاركة عربية لتصفية القضية الفلسطينية”، فيما يعتبر انتكاس البدائل المحلية، تعزيزاً لحلم التنظيم وهدفه.
حرب التنظيم غير النمطية لم تقتصر على فلسطين بل امتدت لتطال دول أخرى، ففي 18 نيسان/ إبريل الحالي، شن مقاتلو التنظيم هجوماً بعشرات صواريخ الكاتيوشا، استهدف القوات الأوزباكستانية في مدينة ترمذ، وتلاها إفشال القوات التركية هجوماً للتنظيم كان يستهدف قواتها المتواجدة في سوريا، إضافة الى الهجمات المستمرة لعناصره في افريقيا وأفغانستان ودول شرق آسيا وفي سوريا والعراق وسيناء المصرية.
الميزة الثانية لحرب التنظيم في العهد الثالث، هي حرب اختبار القدرات في دول المركز، حيث أعلن التنظيم في نيسان / إبريل الحالي، عبر المتحدث الرسمي باسمه “أبو عمر المهاجر”، في كلمة صوتية بثتها “مؤسسة الفرقان”، عن انطلاق معركة “الثأر للشيخين”. وبحسب الناطق باسم التنظيم، “فإن المعركة تأتي ثأراً لمقتل زعيم التنظيم السابق أبو إبراهيم القرشي والناطق السابق باسم التنظيم أبو حمزة القرشي”، داعياً إلى تكثيف الهجمات ضد “الكفار والمرتدين” كما أسماهم.
والحال أن معركة التنظيم، وإن أخذت مسمى الثأر، إلا انها لا تعدو كونها وسيلة لفحص قدرات وإمكانية مقاتلي التنظيم، والتعرّف على قدرات القوى المعادية له من قوات عراقية والنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، ومن جهة ثانية تقوم بفحص دقيق لقدرات التحالف الدولي الذي لطالما شكل قوة ردع للتنظيم في سوريا والعراق، لفهم تلك القدرات ورسم خطط جديدة تتناسب مع النتائج المستخلصة.
الميزة الثالثة لحرب التنظيم وعهده الثالث، التهديد باستهدف أوروبا والولايات المتحدة، وهذا ما دعا له الناطق الرسمي للتنظيم “أبو عمر المهاجر” في كلمته الصوتية الأخيرة التي صدرت عن مؤسسة الفرقان بعنوان “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم”، عبر دعوة الشباب لتنفيذ عمليات منفردة تستهدف تلك الدول، من خلال عمليات الدهس والطعن واستهداف الأفراد والمنشآت.
والواقع إن التمعن في سياسة التنظيم الجديدة التي يرسمها خليفة التنظيم الثالث تعطي عدداً من الدلالات على حالة التغيير داخل التنظيم، أول تلك الدلالات تخلي التنظيم خلال المرحلة الحالية عن فكرة الدولة بمفهومها المكاني والعودة إلى حالة التنظيم العالمي، في عودة لتجربة التنظيم الأم، تنظيم القاعدة، وأدبياته التي ارساها أسامة بن لادن، وهذا ما يفسر حالة توجهه لتوسيع نشاطه العسكري في مختلف دول العالم.
الدلالة الثانية التي توضحها حرب التنظيم، هي قدرة زعيمه الحالي على المستوى القيادي وعلاقاته الواسعة، التي أمنت خلال فترة قصيرة عودة نشاط التنظيم عالمياً وفي أماكن حساسة كتلك التي استهدفت العمق الإسرائيلي، ما يؤكد علاقاته الواسعة داخل الجماعات والأوساط الجهادية العالمية والتي قد تمكّنه في المستقبل باستعادة نشاط التنظيم عالمياً من خلال عمليات كبيرة قد تطال دولاً غربية.
المصدر: موقع المدن