فواز حداد
الملاحظ في الأسبوعين الماضيين تراجع الاحتجاجات في العديد من المدن الصينية الكبرى، والتي كانت اعتراضا على فرض قيود صارمة وتدابير إغلاق منعاً لانتشار كورونا، بعد الإعلان عن تخفيف الإجراءات الصارمة لتنفيذ عملية “سياسة صفر كوفيد”. وكان من تأثير الاحتجاجات أن اضطرت السلطات الصينية إلى الحد من إلزامية اختبارات الحمض النووي، وإصدار تعليمات جديدة تسمح للمصابين بأعراض خفيفة أو دون أعراض، بالحجر الصحي المنزلي. بالتالي لم تعد نتائج اختبار الحمض النووي والرمز الصحي، مطلوبة بعد الآن للسفر عبر الأقاليم.
كانت هذه التحولات انتصارا للمحتجين، وبات مفهوما تراجع السلطات الصينية عن إجراءاتها القاسية التي طالت حياة الصينين الشخصية، وانعكست آثارها على السفر والتوظيف. لذلك لم يكن غريباً أن بدأت الأسواق في الصين التي عانت من الانكماش، أن تشهد موجة من الانتعاش.
في إيران، الجانب الآخر من العالم، شهدت المدن الإيرانية موجة عارمة من المظاهرات قادتها النساء. تحت تأثير قوة تصاعدها، أعلنت النيابة العامة حل “شرطة الأخلاق” التي طالتها الاتهامات، وهي نوع مختلق من الشرطة لا تشبهها أية شرطة في العالم، ارتكبت تجاوزات، كانت مؤخرا مقتل الشابة مهسا أميني إثر اعتقالها على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامي. المعروف عن سطوة “شرطة الأخلاق” أن النساء اللواتي لا يتقيدن به، يواجهن خطر اقتيادهن في واحدة من السيارات البيضاء والخضراء، لتلقي محاضرات حول كيفية ارتداء الحجاب أو حتى التعرض للضرب المبرح.
ولقد كان لإعلان مجلس الشورى والسلطة القضائية أنهما سيعملان على مراجعة القانون الذي يلزم النساء على ارتداء الحجاب وملابس فضفاضة في الأماكن العامة.؛ صدى كبير، إذ تعتبر قضية الحجاب مسألة حساسة في إيران، يتواجه فيها المحافظون الذين يصرون على بقاء القانون، والتقدميون الذين يريدون منح المرأة الحق في اختيار ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه. ولم يعرف بعد ماذا ستكون النتيجة حول الحجاب، بالنظر إلى أنه بات أيقونة أيديولوجية إسلامية، تتميز به إيران كقانون ملزم. هل النظام الإيراني قادر على مغامرة تبدو وكأنها تنتزع أيديولوجية تعتبر من أركان المظاهر الإيرانية الراديكالية؟
يمثل النظامان، الصيني والإيراني، نماذج صالحة لتكون من أكثر الأنظمة شمولية تمثيلا في العالم، على الرغم من الاختلافات بينهما في المرجعيات الدينية واللادينية، تبدو في إقدامهما على خطوات كانت تراجعات أمام الاحتجاجات الجماهيرية، أنها محاولة للاستماع إلى صوت شعوبهم، ويمكن تفسيرها بأنها بكل جلاء الحق في الحياة، والحق في اختيار أسلوب العيش، تحت عنوان الحرية والعدالة، تلك التي تنكرها سلطات الاستبداد.
من دون الذهاب بعيدا في التفسير، لا توحي طبيعة هذه الأنظمة بالتفاؤل، طالما أنها محاولة تبدو فيها أنها تخلع جلدها من دون التخلي عنه، وإلا فقدت مظاهر وجودها. خاصة أن ما اتخذته من إجراءات كان تحت ضغط حركة الشارع في وقت كان قابلا بحكم المناخ المسيطر على العالم انتشارها، إن لم تقمع أو إيجاد حلول لها، وفي الربيع العربي، المثال الناصع ليس على انتشارها فحسب بل وامتدادها إلى حد فقدان السيطرة عليها، خاصة في بلد كالصين أو حتى إيران، تشير إن لم تلب، أن الانفجار متوقع، والأغلب ألا تتوقف عند حدود التظاهر طالما هناك دول كبرى وإقليمية لا تخفي نوازعها في التدخل.
هذه الأنظمة، ربما نجت من تصاعد المظاهرات وانقلابها إلى قلاقل، وربما انتفاضة، ولا يستبعد ثورة، لكن إلى متى؟ ليس إلى زمن بعيد مادام القمع هو السياسة. لذلك لا تعدو الاستجابة لها أكثر من لعبة المراوغة ريثما ترضيهم ببعض التنازلات.
لعبة المراوغة والتنازلات، أخفق فيها النظام السوري في لحظة فاصلة في آذار 2011، بإعلان الأسد الحرب على الشعب، مستجيباً في ذلك الوقت إلى النصائح الإيرانية والأجهزة الأمنية، كانت حسب تقديرات النظام فرصة سانحة لتلقين الشعب درسا في القبول بدولة وراثية شمولية، لا تسمح بأي معارضة، لكنها حصدت كارثة يعيشها السوريون منذ أحد عشر عاماً ولا تبدو إلى انتهاء قريب، بقدر ما هي ماضية قدما إلى زمن لا يمكن تقديره إلا على نحو متشائم.
تعتبر الكارثة الحاصلة في سوريا اليوم، بالنسبة للأنظمة الشمولية مثالا يوفر الاصطدام مع الشعب من خلال التهدئة، والتلويح بالتهديد منعا للتصعيد، إنها المراوحة بين الوعد والوعيد، لا يمكن لهذه الدول التخلي عن النهج البوليسي القمعي، إنه سبب بقائها، وما العودة التدريجية للإعدامات في إيران إلا هذا الأسلوب الذي يعتمد الجزرة والعصا.
على الهامش، حقق النظام السوري شيئا في النهاية، أصبح درساً في الإخفاق الذريع، تتعلم منه الأنظمة الشبيهة به، ما أثبت أنه كان حقلا للتجارب السيئة.
المصدر: تلفزيون سوريا