جسر: ثقافة:
يُحتفى بين فترة وأُخرى في المواقع الثقافية العربية بذكرى اختيار أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين، وهي القائمة التي اختارها “اتحاد الكتّاب العرب” في سورية، ويبدو في إعادة نشرها مراراً تأكيد على أنها تشمل عقدين من القرن الواحد والعشرين، أي أن ما أسبغ عليها لم يطرأ عليه حذف أو إضافة، فالثقة بقيمتها مستمرة، ولا حاجة لقائمة معدّلة على الرغم من صدور مئات الروايات طوال عشرين عاماً من بداية القرن حتى الآن، ازدهرت خلاله الرواية على نحو لافت. للأمانة، ألحق بقائمة الـ100 رواية، خمس روايات ترضية لبعض الروائيين، فأصبحت قائمة الـ 105، وإن احتفظت بعنوانها (قائمة المائة) كأنها التصقت بالخلود.
بالتعريج على القائمة، طوى الزمن عدداً من الروايات، ولم يتابع بعض الكُتّاب مسيرتهم الروائية، كانت رواياتهم تجربة عابرة. أما عن التساؤل حول خلود القائمة، فـ”اتحاد الكتاب” أصيب بلعنة النظام السوري المغرم بالثوابت، فدمغ القائمة بالثبات، مع أن كثيرين أبدوا عدم ثقتهم به وبها، إذ لا يستبعد ورود اسم كاتب يُعدّ من رجال النظام، أو يندسّ فيها روائي صديق لأجهزة الأمن، ما دام رئيس الاتحاد في ذلك الوقت لا يقل عن دكتاتور، لديه بطانة لا تقل عن جهاز أمني، وما لجأ إليه ليس نهجاً مبتكراً، فالأنظمة الدكتاتورية تعمل على تقليد الأخ الأكبر، البلد الشمولي روسيا الشيوعية التي أسقطت من سجلاتها عشرات من الأدباء الكبار، سواء بالمنافي أو بالإعدامات.
إذا كان الاتحاد لم يتقن الاختيار، فلأنه لم يعمل حساباً للفن الروائي، بل انتهج حسابات أخرى، فالأعضاء المتنفذون في الاتحادات الشقيقة كان لهم نصيب في القائمة، ما حقق التوازن الجغرافي، بعدم إهمال أي بلد عربي، فالوحدة العربية تتطلب إفراد حصة لهم، ما يفيد بتبادل الدعوات إلى المعارض والمهرجانات الأدبية، وفنادق النجوم الخمسة.
الحسنة الجيدة، لم ينسوا إفراد حصة للروائيين الكبار مثل، نجيب محفوظ والطيب صالح وحنا مينه وغائب طعمة فرمان… لسبب جوهري لا تقوم من دونه قائمة، فهذه الأسماء تضع الجميع على قدم المساواة، فلا فرق أو ميزة بين عبد الرحمن منيف، وروائي موظف في “الاتحاد” نشر رواية ليحجز مكاناً له فيها.
مشكلة القوائم الثابتة أنه لا يجوز إصلاحها، ثباتها يُعزى لزمانها، قد تحتكر الماضي لا الحاضر، من سيئاتها خضوعها لمزاج عصرها والظروف الاجتماعية والسياسية، فمن الطبيعي منع إدراج كاتب معارض في قائمة بلد دكتاتوري، لذلك ليس بلا سبب دوام أو انتكاسة قائمة “اتحاد الكتاب”، وربما لو لم تحتف بها بعض المواقع عن عدم دراية، لذهبت إلى النسيان، ما دام أنها في النسيان.
بل قد نجد في حال محاولة إدخال أو إخراج روايات منها، أننا سنخضع لظروف مشابهة، فالبيروسترويكا أطاحت الكثير من الكتّاب السوفييت بعد سقوط الأيديولوجية الشيوعية، كذلك في الدول الاشتراكية، استعاد الأدباء المنشقون مكانتهم، واحتلوا الكراسي التي أُخليت ممن غادروها. ومثلما حدث في بلداننا، جُنّد الأدب التقدمي لقمع ما دعي بالأدب الرجعي. مع بداية القرن، غض النظر عنه، واختفى الأدب التقدمي. وفي الحقيقة لم يعد هناك ما يميز بينهما.
نشطت قوائم الرواية، ولم تعد تظهر كل عدة سنوات، أصبحت كل سنة أو شهر، وأحياناً كل أسبوع، والأصح بلا توقيت، وهي ظاهرة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، فتكاثرت دون الأخذ بالاعتبار الأخطاء المرتكبة في “القائمة الأم”، التي طالت نصف قرن من عمر الرواية، بينما القوائم الجديدة، تتدفّق بلا مناسبة حسب تسارع الترجمة والنشر، يمكن التسامح معها، طالما وراءها مجموعات صغيرة من هواة القراءة، فالاختيارات شخصية، وربما مزاجية، لكن بعضها يصدر عن جهات وتجمّعات ثقافية، يُفترض أنها مسؤولة أو موثوقة. عموماً لم تشذ عما أصبح متعارفاً عليه وسارياً، فوصف القوائم الجديدة بأنها أعظم، أفضل، أحسن، أروع… إلخ، مع أن الروايات المدرجة فيها اختفت خلال أشهر، إن لم يكن أيام، طوتها قوائم أخرى، فالقوائم تتلاحق، ولا شأن لها بالمصداقية.
لئلا نبالغ، يمكن رد الغياب السريع للكثير من الروايات إلى عدم تسليط الأضواء عليها، وتركها في العراء دونما مراجعات نقدية، أو تعريف بها يشير إلى أهمّيتها في مضمار فن ينتشر بقوة، مما لا يحفظ لها استمرارها على قيود القراءة، ما دامت القوائم توضع للدعاية، دونما الالتفات إلى قيمتها.
ما دليل القارئ إلى الكتاب الجيّد؟ تقييم أدبي، يعتمد منهجيات صارمة، لا تفرضها ظروف عابرة اجتماعية أو سياسية، وإلا تحكّمت به اعتبارات طارئة مهما امتدت، لا علاقة لها بالأدب. أما الأعمال العظيمة، فلا خوف عليها، سوف تثبت عظمتها مع الزمن.
العربي الجديد ١٣ تشرين الأول/اكتوبر ٢٠٢٠