جسر – متابعات
أثار مشروع بناء بيوت مصنوعة من الطوب شمال غرب سوريا التي تعتزم تركيا تنفيذه لإعادة مليون لاجئ سوري، سخطاً شعبياً وجدلاً واسعاً في الأوساط السورية، وتركز الجدل في أحد جوانبه على “إغفال حقيقة وجود آلاف العائلات التي تعيش في مخيمات عشوائية في الداخل السوري وأحقيتهم في الحصول على مساكن تضمن كرامتهم”.
وفي رسالة مصورة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تحضيرات لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لأكثر من مليون شخص مقيم في تركيا، مؤكداً أن العودة ستكون إلى بيئة آمنة وبطريقة مشرّفة، مشيراً إلى أن المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات تركية ودولية أهمها “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”.
وسينفذ المشروع الجديد في ثلاث عشرة منطقة أبرزها في مناطق العمليات التركية في اعزاز والباب وجرابلس في ريفي حلب الشمالي والشرقي وتل أبيض في ريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.
وذكر موقع تلفزيون “a haber” التركي أن الولايات والمدن الأكثر كثافة سكانية، ستكون لها الأولوية في نقل اللاجئين منها، ومن ضمنها اسطنبول وأنقرة وأضنة وقونيا وغازي عينتاب، وذلك بعد إنشاء مدن آمنة ومستقرة في الشمال السوري على ثماني مراحل.
الشمال السوري
ويعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غرب سوريا ما يقارب الخمسة ملايين نسمة، أكثر من نصفهم يعيشون في منطقة ادلب. فيما يتجاوز عدد سكان مدن تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة “مناطق نبع السلام” 300 ألف نسمة بحسب احصائيات 2019.
وكان فريق “منسقو الاستجابة السريعة في سوريا”، قد نشر في العام الماضي احصائية أظهرت أن عدد المخيمات في مناطق شمال غرب سوريا بلغ 1137 مخيماً، يعيش فيها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة. وفي الموازاة، ذكرت إحصائية صادرة عن مكتب اللاجئيين التابع للائتلاف الوطني، أن هذه المخيمات تضم نحو مليون و700 ألف شخص، ويشكلون 321 ألف عائلة، بينهم 45 ألف من ذوي الاحتياجات الخاصة.
غياب الأولويات
ويعتبر كثيرون من السوريين، أن الأولوية في هذا المشروع يجب أن تكون للنازحين المقيمين في المخيمات الذين يعيشون ظروفاً مأساوية لجهة انعدام الأمن واستمرار حركة نزوح المدنيين جراء تهديدات قوات النظام من خلال عمليات القصف بين الفينة والأخرى، فضلاً عن غياب المقومات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن حياتهم.
ويؤكد وائل نبهان عضو مجلس إدارة منظمة أبرار للإغاثة والتنمية، أن المنطقة لا تستطيع تحمل الأعداد التي تريد أنقرة إعادتها، خصوصاً وأن المسؤولين الأتراك تحدثوا عن وضع خطة لبناء نحو مئتين وخمسين ألف منزل بمساحات مختلفة بين 40 و60 و80 متر مربع.
ويقول: “المخيمات تغطي اليوم كامل المناطق المحررة، ومنها ما هو على بعد أميال من معسكرات جيش النظام كما هو الحال مع مخيم بنش بريف ادلب الذي يبعد مسافة لا تتجاوز الثلاثين كيلومتراً عن مناطق تمركز الجيش، ويعيش فيها النازحون مضطرين بسبب اكتظاظ المنطقة”.
ويضيف: “الأولوية يجب أن تكون لنازحي الداخل في هذا المشروع، والعمل على تنمية المنطقة أولاً، من خلال بناء مجمعات اقتصادية وتوفير أرضية صناعية مناسبة وبنية تحتية لافتتاح ورش تصنيع صغيرة وإنشاء سوق حرة لتصدير المنتجات، ما يجعلها أكثر تقبلاً للعائدين الجدد”. ولفت إلى أن ” إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري في وضعه الحالي، تعني ببساطة إضافة مليون عاطل عن العمل إلى قائمة المحتاجين والمعرضين للموت في أي لحظة بسبب الوضع الأمني، ومعهم القضاء على دخول آلاف العائلات التي تعيش على مايرسله هؤلاء من حوالات مالية”.
لماذا اللاجئيين؟
غياب المقومات، عزز الاعتقاد بأن الخطة التركية لا تتعدى التصريحات الإعلامية للتخفيف من احتقان الشارع التركي مع ارتفاع حدة خطاب إعلام المعارضة تجاه اللاجئين السوريين واستخدامه كورقة ضغط ضد الحكومة مع اقتراب موعد الإنتخابات العام القادم. بينما يعتبر محللون أن هذه الأسباب تجعل منه أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي في حديثه لـ”المدن”، إن هدف الحكومة التركية الحالي يتمثل بسحب ورقة اللاجئين من يد أحزاب المعارضة التي تتهم حكومة حزب العدالة والتنمية بفشل إدارتها في ملف اللاجئين.
وأضاف: “يعتبر الملفان الاقتصادي واللاجئين، هما الأبرز في ساحة التنافس حالياً بين الأحزاب التركية في الانتخابات الرئاسية القادمة”، مشيراً الى ان “الحكومة الحالية تريد التخفيف من تداعيات مشاكل اللجوء السوري في تركيا قبل موعد إجرائها العام المقبل، وفي حال تحسن الوضع المعيشي والاقتصادي في تركيا فإن ورقة اللاجئين سيتضاءل تأثيرها”.
ويشير معراوي إلى أن “أنقرة لا تمانع من توافد المقيمين في أراضيها إلى مناطق سيطرة المعارضة رغم الكثافة السكانية التي تعاني منها المنطقة، بهدف تقليل أعداد اللاجئين السوريين وإعادة ثقة الشارع بها”.
في هذا الوقت، يشكك سوريون بواقعية العودة الطوعية، رغم التطمينات الحكومية والحديث عن تواجد موظفين تابعين للأمم المتحدة في مراكز استقبال طلبات العودة، خصوصاً بعد تشديد الإجراءات التي تتخذها الحكومة التركية بحق السوريين المقيمين في أراضيها وعمليات الترحيل القسري الذي يتعرض له عشرات اللاجئين بشكل شبه يومي.
وبدأت منظمات حقوقية تركية وسورية بالتحرك لمنع ترحيل اللاجئين السوريين وفق الخطة التركية، خاصة وأن إعادتهم تعارض القانون الدولي والمادة السادسة من قانون “الحماية المؤقتة”، إلا أن هذه التحركات لاتقلل مخاوف السوريين إن كان المقيمين على الأراضي التركية من ترحيلهم وتوطينهم في مناطق غير مناطقهم، أو سوريو الداخل من زيادة الكثافة السكانية وتضخم المشاكل والأزمات التي تعاني منها مناطقهم.
المصدر: موقع المدن