جسر: خاص:
يبدو أن العد التنازلي لإسقاط نظام اﻷسد وبداية نهايته في سوريا قد انطلقا بالفعل، وربما لن يستطيع أحد إيقافه في ظل جدية الموقف الأمريكي بعد صدور قانون قيصر وتحديد موعد البدء بتطبيقه على النظام وداعميه مطلع حزيران/يونيو القادم، كما أن الموقف الأمريكي بشكل عام صدّ اندفاعات بعض الدول والأطراف نحو بناء علاقات مع النظام، وعزز من الضغوط المفروضة عليه، ولم يُخفِ وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الأخيرة لإسرائيل أن محادثاته مع نتنياهو ستتمحور حول تنسيق العمليات العسكرية المقبلة بين الحليفين، في مرحلة طرد إيران من سوريا.
يتزامن ذلك مع نجاح القوى الكردية السورية في شمال شرقي البلاد، بدعم أميركي وفرنسي، في التوصل إلى رؤية سياسية تضمنت 5 نقاط؛ الاتفاق الذي عارضته تركيا على لسان وزير خارجيتها “مولود جاويش أوغلو” مبررا ذلك بعدم سماح بلاده بشرعنة وجود “وحدات حماية الشعب” (YPG) و”حزب العمال الكردستاني” (PKK)، وإدخالهما ضمن المسار السياسي السوري تحت اسم السوريين الكرد. كما أنها تستمر بإدخال الأرتال العسكرية إلى إدلب وتنتشر في مساحات واسعة ومناطق استراتيجية منها؛ في قواعدها التي بلغ عددها 59 قاعدة، وتضم هذه الأرتال الجنود والآليات، والعربات والمدرعات والذخائر، والأسلحة، وغيرها من الأمور اللوجستية.
وكانت روسيا قد بدأت حملة إعلامية تدرجت في انتقادها للنظام إلى أن وصلت إلى التأكيد على فشله في إدارة المرحلة السياسية الراهنة، وعجزه عن مواجهة الوضع المتفاقم، إضافة إلى ما يشهده النظام من خلافات داخلية ضمن الحلقة الضيقة الداعمة له، يأتي على رأسها خلافاته مع رامي مخلوف التي يُعلن عنها الأخير عبر تسجيلات مصورة بين الفينة والأخرى؛ تنذر جميع المؤشرات السابقة بمواقف واصطفافات جديدة.
انفكاك عقد التحالف
تجري اليوم في سوريا عملية فرز بين أقطاب المحور الواحد؛ النظام وداعميه وعلى أسهم روسيا وإيران، وهو فرز قد يكون بطيئا في بدايات تطوره، وإن كان متوقعا منذ البداية. وتبين مواقف هذه الأطراف وتحركاتهم أن النظام اختار اﻻصطفاف إلى جانب إيران في هذا الفرز، بدليل زيارة وزير الخارجية الإيراني لرأس النظام بتاريخ 20 نيسان/أبريل الماضي، وما صرح به نصرالله حول استحالة خروج ميليشياته من سوريا، ونفي المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان الأخبار المتداولة عن اتفاق روسي ـ إيراني حول دفع بشار الأسد إلى الاستقالة.
وما التهديدات التي أطلقها النظام ضد روسيا عبر أبواقه إلا رسالة تحمل الجدية في مضمونها، وتُذكر الروس باستهدافهم في حميميم من قبل ميليشيات “أيمن جابر” رجل الأعمال السوري الموالي لإيران أواخر العام 2019. وتنتشر إيران اليوم عبر ميليشيا حزب الله في غربي درعا، لترسل رسالة إلى روسيا مضمونها “قدرتها على خلط الاوراق” بتهديد إسرائيل، لأنها عملت خلال الفترة السابقة تحت أنظار الروس على إنشاء خط دفاع لها من منطقة الحرمون وحتى معبر نصيب، وكل ذلك بهدف استخدام ما بيدها من أوراق لتحسين وضعها عبر التفاوض.
الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد حوراني اعتبر أن التحالف بين إيران وروسيا بدأ بالانفراط، وستعمل روسيا على تحجيم إيران مستفيدة من أمرين؛ أولهما الإجماع الدولي على تحجيم دورها في المنطقة وضرورة إخراجها من سوريا، وما الضربات الجوية المعلومة والمجهولة المصدر التي تطال مقرات ميليشياتها المنتشرة على الأرض السورية إلا دليل على جدية هذا التوجه، وثانيهما ستعمل روسيا على الاستثمار في الرفض الشعبي لدى السوريين بعدم قبولهم بالميليشيات الإيرانية.
وفي المقابل قد تلجأ إيران إلى أحد الخيارين أو كلاهما معا؛ الأول التصعيد وإعادة انتشار ميليشياتها لإرسال الرسائل لكافة الأطراف بقدرتها على التأثير الميداني في الجغرافيا السورية، أما الثاني فهو التفاوض والمناورة مستفيدة من دورها في سوريا وحجمه إضافة إلى أدوار وأوراق أخرى لها في المنطقة، على غرار ما فعلت في العراق من خلال قبولها بترشيح مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء في العراق نتيجة مساومة مع الولايات المتحدة، وافقت فيها طهران على دعم رئيس المخابرات السابق الموالي لأمريكا مقابل رفع الولايات المتحدة التجميد عن بعض أصولها المستهدفة بالعقوبات، دون أن تغير أمريكا من ممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران، التي تندرج في إجراءات وخطوات مرحلية وصولا إلى الهدف الأكبر المتمثل بتحجيم إيران وتقليم أظافرها.
وأوضح مصدر من مكتب المبعوث الخاص إلى سوريا “غير بيدرسون” لصحيفة جسر، رفض الكشف عن اسمه، أن إشارات جدية من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، تدل على عدم الاعتراف بشرعية الأسد في انتخابات 2021، وهو أمر فهمته روسيا وبدأت العمل بخطى متسارعة لتهيئة الأجواء للحل السياسي.