إياس اليوسف
يأتي عنوان رواية عمامة وجسد لدلال زين الدين جاذب للقارئ وغامض الدلالة في الوقت ذاته رغم وضوحه كمعنى في ذهن متلقيه، فعمامة تحيلنا إلى رجل دين ، و لفظة جسد تحيلنا إلى إنسان ما ، والكلمتان نكرتان لانعرف صاحبيهما، مما يدفع القارئ إلى مزيد من الفضول للدخول إلى النص لمعرفة لمن هذه العمامة ومن هو صاحب الجسد المربوط بواو العطف مع معتمر العمامة.
إذاً نحن أمام عنوان واضح كمفهوم وغامض كدلالة، وما علينا إلا الإبحار نحو عمق النص لنتوضح حقيقة عمامة وجسد الصادرة عن دار (نرد) للنشر والتوزيع سنة 2022 الذي تسرده علينا الراوية والبطلة ليلى ذات الستة عشر ربيعا حين تروي لنا مذكراتها الذاتية عن علاقتها الجنسية مع شيخ شيعي وقائد في الجنوب اللبناني حين يتزوجها بفتوى سادته وآياته اﻹيرانيين التي أطلقوا عليها زواج المتعة، فيستبيح جسدها المراهق لفترة زمنية حددها هو وقبلت هي مبهورة بالعمامة واللحية والبلاغة والمنابر والقيادة والمال والمرسيدس والشقق الفخمة.ومشدودة نحوه بقوة بحبال اليتم والفقر والبؤس.
ولابد من الإشارة في البداية إلى أن النص يتأرجح بين جنسين أدبيين هما السرد الروائي والمذكرات الذاتية وقد عمدت الكاتبة إلى ذلك ليسهل عليها استرجاع ذكريات مضى عليها نحو خمس وعشرين سنة، ولتمزج في سردها لأحداث الرواية ما بين الحقيقة والخيال، فنراها حين تتحدث عن فكر الطائفة الشيعية اللبنانية المتأثرة بل المنفذة لمبادئ ومخططات آيات وملالي إيران الفرس في المنطقة (كما وصفتهم) فتلجأ إلى أسلوب المذكرات الذاتية، وحين تضفي على الأحداث والشخصيات خيالاً يتحول سردها إلى أسلوب روائي ليتسع الفضاء الروائي للرؤى والخيال هنا كون فضاء المذكرات الذاتية لايسمح بالتحليق بعيدا عن أرض الواقع..
الرواية وإن بدت تتحدث عن جانب نسوي أذل المرأة واستباح جسدها. من خلال فتوى زواج المتعة الذي كما قيل في كتب التراث أنه كان جائزا في بداية الدعوة الإسلامية ثم أبطله الرسول… ولكن الشيعة اﻹثنا عشرية الإيرانية لايزالون يعملون بها حتى اللحظة ويصدرونها إلى أتباعهم في لبنان وسورية والعراق، لكنها في الحقيقة كانت فكرة بل وسيلة لفضح ما يمارسونه من أكاذيب وما اقترفوه من تزوير للمبادئ الدينيّة في دول المنطقة التي يتواجدون على أرضها…فكانت أقذرها وأوضحها هي هذه الفتوى التي اتخذت من المرأة وسيلة وسلعة للمتعة لمعتنقي المذهب الشيعي، وامتيازا ومكافأة لقادتهم لقيامهم بدور المحرض على قتال السوريين ومن ينافسهم من اللبنانيين على النفوذ،حتى لو كانوا من حزب شيعي آخر فحاربوا حركةأمل، في لبنان 1976.
ولكن الرؤى التي تبثها (ليلى) الشخصية الرئيسة في النص.فضحت الفكر الشيعي الذي يقوم على التزوير والأكاذيب الدينية والسياسية.
(بعمامتك البيضاء وعباءتك الملطخة بتعاليم الحوزة العلمية.. لقد جاءني حبك في أحرج الظروف في ذلك الزمن المزدحم بالاضطرابات والحروب..) وتقول عن قادة الشيعة: “كم يؤلمني تذكرهم. أولئك الذين كانوا يركبون الدين كما يركب الرجال عاهرات الليل) لكنها في الحقيقة كانت فكرة بل وسيلة لفضح ما يمارسونه من أكاذيب وما اقترفوه من تزوير للمبادئ الدينيّة في لبنان وسورية والعراق…”.
لقد فضحت الكاتبة ممارسات قادة الشيعة اللبنانيين المرتهنين لآيات وحجج إيران من خلال استعراضها لأفعال الشيخ علي (الشخصية المحورية الثانية في الرواية بعد ليلى) من مثل تشويهه للدين وكذبه على شباب الشيعة بملئ عقولهم بمبادئ العقيدة الشيعية البعيدة عن حقيقة الدين القويم، كالثأر لمقتل الحسن والحسين وحماية المراقد الشيعية في سوريا وتحريضهم لقتل السوريين الثائرين على النظام واستباحة وتدمير مدنهم وقراهم.. واستخدامهم وقودا للفتن والحروب في لبنان ودول المنطقة(سوريا العراق اليمن).
أما هو وأمثاله من المشايخ القادة(فيعتلون النساء بزواج متعة كما يعتلون المنابر الدينية في المناسبات بكل جرأة توازي اعتلاء أجساد نساء المتعة المثيرة)، ويحللون لمحضياتهم البائسات شرب الخمرة.
تسأل ليلى الشيخ علي (هل تشرب الخمر؟ لالقد اشتريته من أجلك ، هناك حالات استثنائية يجب علينا مراعاتها في الشرع،لم أفهم !!). وبعد خمسة وعشرين عاما يتواصل الشيخ علي مع ليلى عبر الفيسبوك بعد أن هاجرت إلى استنبول مع زوجها وأصبحت أما لطفل ويطلب منها اللقاء باستنبول فتوافق ويتواعدان فيأتي من بيروت فتذهب للقائه، ولكنها تتراجع عن ذلك رغم أنها وصلت إلى مكان اللقاء ولم يعد يفصلهما عن بعضهما سوى بضعة أمتار والضحايا من عائلتها وجيرانها،(ذاكرة لئيمة كأجهزة المخابرات في عالمنا العربي تصر على نبش ملفاتنا السرية والعلنية…
ذاكرة تلزمنا بالرجوع إلى الخلف قليلا..).
لقد استطاعت الكاتبة من خلال عمامة الشيخ علي المليئة بالفتاوى الكاذبة وجسد ليلى المستباح بما أطلقوا عليه زورا بزواج المتعة أن تفضح أكاذيب الشيعة التي يتنطعون بها خلال إلقائهم للخطب مستثمرين في ذلك المناسبات الدينية وطقوس موت الشباب في معارك أشعلتها شهوات السلطة وعشق النفوذ وحب السيطرة ،والولاءات باسم الدين للولي الطاغوت، كما تميزت دلال زين الدين بسردها وتصويرها الجريء للكثير من اللحظات الحميمية بين الشيخ علي وليلى في خلواتهما المتعية..أما اللغة الروائية فكانت أقرب إلى الشعرية كالتي نلاحظها في روايات الجزائرية أحلام مستغانمي مما أضفى على النص سمة جمالية خففت من قبح الواقع البائس الذي عاشته شخصياتها.
لقد كانت الرواية حقيقتنا التي لا يعرفها أحد غيرنا (كما ذكرت في الرواية).. والكتابة شكل من أشكال الصلاة (كما قال كافكا)، لذا كانت الروائية إماما للقراء في صلاتها الجهرية حيث تلت عليهم ما تيسر لها من أي الحقائق.. المجلية لظلام هذا الواقع البائس.