فريق التحقيقات في “جسر”
” السطو على منازل المواطنين من قبل عناصر يرتدون الزي العسكري وغيره، يحدث ايضا في نيويورك، كما في معظم بلدان العالم” هذا ما يقوله مدير مكتب العلاقات العامة لقسد في اقليم الفرات يونس عبد العزيز، رداً على سؤال لجسر، لا بل ويضيف أن “ذلك لا يعد مؤشراً على انفلات أمني بل هي خروقات قد تحدث”.
اقرار مسؤول العلاقات العامة عبد العزيز بوقوع “بعض التعديات لعناصر يرتدون الزي العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، على ارزاق وممتلكات المواطنين، وتوقيف عدد مجموعات منهم ان كانوا مدنيين او عسكريين” ترافق مع تبرير، بأن البلاد في حالة حرب، ملمحاً إلى (مؤامرة) تقوم بها المخابرات التركية والايرانية واستخبارات النظام، للنيل من مكتسبات قوات سورية الديمقراطية على الأرض، عبر إظهارهم “كقوة ضعيفة، وتعاني من انفلات أمني في مناطق سيطرتها، بينما في الواقع لا يوجد سوى بعض الخروقات”.
فريق التحقيقات في “جسر” قام باستقصاء الواقع، واستمع الى شكاوى مواطنين “ضحايا خروقات عناصر قسد” مع ما يحملونه من اوراق ووثائق، وضعها أمام المسؤولين في قسد، واستشار خبيراً قانونياً، في محاولة للوقوف على حقيقة الحالة.
سلب في وضح النهار والقضاء عاجز
المواطن كاسر الطعمة نازح من مدينة دير الزور كان يسكن بقرية الحصوة التابعة لبلدية الحصان أبان خضوع الريف الغربي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، يعمل في مجال إصلاح السيارات والآليات الزراعية وبيع قطع التبديل، وانتقل مع بدء الهجوم على هذا الريف من قبل (قسد) المدعومة بقوات التحالف الدولي، إلى بلدة محيميدة خوفاً من دخول ميلشيات النظام القريبة إلى بلدة الحصان، واستأجر منزلاً يعود للمواطن نوري الموسى، وأودع فيه بضائعه من قطع تبديل سيارات ومعدات تصليح محركات وغيرها.
وفي يوم ٢٠/١٠/٢٠١٧، وهو اليوم الأول لدخول قسد قرية محيميدة، قامت مجموعة بقيادة طلال فلوح المعروف بالاسم الحركي العكيد هارون باقتحام المنزل الذي استأجره الطعمة، وسرقة هذا البضائع والمعدات التي تقدر قيمتها بـين 50 إلى 70 ألف دولار.
يقول الطعمة “بعد حادثة السرقة هذه انتقلت المجموعة باتجاه قرية الجنينة واتخذت من منزل جاسم الهايس مركزاً لها، وبمساعدة اشخاص ذوي مكانة اجتماعية تمت مفاوضتهم على إرجاع المعدات مقابل ٢٠٠٠ دولار لكنهم رفضوا“.
ضغطوا عليه ليصمت أمام قوات التحالف
ويضيف الطعمة: “تقدمت بأكثر من شكوى رسمية إلى العلاقات العامة ومجلس دير الزور المدني والمستشار العام لمقاطعة الجزيرة ومحكمة الجزرة ومحكمة الصور – المويلح ومحكمة الشدادي، وحصلت على مذكرات إحضار للمطلوبين ولكن دونما فائدة“.(صور الوثائق مرفقة هنا)
وأضاف الطعمة أنه حاول طرح مشكلته على اجتماع ضم قياديين أكراد وضباط من قوات التحالف الدولي، إلا أن القياديين الاكراد ضغطوا عليه ووعدوه بأنهم سيتدخلون لحلّ مشكلته بشكل شخصي مقابل أن يصمت، وبالفعل صمت، لكن أي من وعودهم لم تتحقق.
مذكرات إحضار بلا جدوى
حالات التعدي كانت أكثر علنية وأوسع نطاقاً في حالات أخرى، وكانت كراجات البولمان في دير الزور مسرحاً لإحداها، وأمام اعين المسافرين والسائقين.
يصف أحد ضحايا تلك الواقعة لجسر ماحدث على النحو التالي: “في يوم ١٩/١١/٢٠١٧ وفي الساعة العاشرة والنصف ليلاً، وصلت إلى كراج البولمان، الكائن في بلدة سفيرة سيارتي كيا موتورز وفان ابيض، تقل نحو ١٥ رجلاً ملثمين يرتدون الزي العسكري، حاصروا المكان ثم بدؤوا بإطلاق النار في الهواء والضرب والصراخ، وجمعوا كافة السائقين والركاب وفتشوهم بشكل دقيق، وسلبهم ما الأموال التي بحوزتهم وأجهزة الهاتف محمولة، والوثائق الشخصية مثل بطاقات الهوية وجوازات السفر وغيرها، حيث قدر مجموع الخسائر بخمسة عشر مليون ليرة سورية”.
أخبر المتضررون الجهات المعنية، وتم فتح تحقيق واسع تبين من خلاله أن المجموعة تعود لإمرة “العكيد هارون” وسعيد المحمد، لكن لم تجر محاكمة أي من المتهمين باعتبارهم قادة عسكريين في قسد، وأحليت الشكوى من العلاقات العامة الى المحكمة العسكرية بالصور – المويلح، دون أي نتائج، واضطر المتضررون إلى متابعة الشكوى لدى القاضي المدني بالجزرة فأصدر مذكرتي إحضاره بحق المتهمين، لكن لم تتمكن (السلطة القضائية) من جلبهم للمثول أمامها حتى الآن.
مسؤول في الإدارة الذاتية: لدينا تجاوزات ككل الدول ونحن مازلنا نحارب داعش
وفي اتصال هاتفي لجسر مع رئيس المجلس المدني في دير الزور غسان اليوسف طلب أن يقوم الأشخاص الذين تواصلوا مع جسر وعرضوا شكواهم، بالتواصل مع مكاتب “الإدارية الذاتية” لحل مشكلاتهم.
ولم ينف اليوسف وجود بعض الأخطاء لدى الإدارة الذاتية، مثلها مثل كل (دول العالم) وقال لـ”جسر”: ” هناك أخطاء وتجاوزات وهذا يحدث في جميع دول العالم، ولكن المحاسبة جارية من قبل القضاء العسكري والقضاء المدني”. لافتاً إلى “صعوبة المرحلة التي نمر بها، خاصة في ظل وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش، فالحرب معهم لم تنته بعد” وفق تعبيره.
“امسك الحرامية وتعا خبرنا”
ولا يختلف حال الرقة كثيراً عن حال دير الزور، إذ شهدت المدينة منذ سيطرة قسد عليها العديد من التعديات على أملاك المواطنين من قبل عسكريين ينتمون أو يتذرعون بالانتماء إلى قوات سوريا الديمقراطية، دون التمكن من استرجاعها حتى الآن.
فوفقاً لمعلومات حصل عليها مراسل “جسر” وصلت مجموعة مسلحة تستقل سيارة فان مكونة من عدة عناصر يتحدثون اللغة الكردية إلى منزل الطبيب “أحمد محمود الصالح” في قرية طاوي رمان التابعة لمحافظة الرقة، وطلبوا دخول المنزل بحجة وجود حالة إسعافية عاجلة معهم، وعند قيام الطبيب بفتح الباب، اقتحمت الدورية المنزل وقامت بتفتيشه وسلب مبلغ يقدر بخمسة عشر آلاف دولار، ونصف كيلو من الذهب، وعدد من الأجهزة المحمولة، وكل ذلك تحت تهديد السلاح.
ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة من نوعها في المنطقة، فقد اقتحمت عدة دوريات خلال الشهر الماضي منازل بحجة البحث عن السلاح أو الممنوعات، حيث قال المواطن (محمد .ح)لـ “جسر”: “منذ عدة أشهر اقتحم حوالي عشرة مسلحين يرتدون لباس قسد منزلنا بحجة التفتيش عن سلاح، ثم قاموا بجمع أفراد العائلة في غرفة وأغلقوا الباب علينا، وبعد حوالي ربع ساعة وعند تلاشي اصواتهم، خرجنا لنجد أنهم سرقوا جهاز الحاسوب وأجهزة الهاتف النقالة ومصوغات ذهبية لوالدتي”. وتابع “توجهنا في اليوم التالي إلى الأمن العام قالوا لنا بالحرف (امسك الحرامية وتعا خبرنا).
قسد: محض افتراءات
ما ذكرناه من حوادث في الرقة، طرحناه على مدير مكتب العلاقات العامة لإقليم الفرات يونس عبد العزيز الذي رد قائلاً: “مكاتبنا مفتوحة للمواطنين على مدار الأربع وعشرين ساعة وليس فقط في أوقات الدوام الرسمي، وهواتفنا أيضا موجودة لدى المواطنين بإمكانهم التقدم بشكاوى عندها نقوم بحل مشاكلهم، وكل ما يشاع بأننا نطالب المواطن البحث عن السارق هو كذب وافتراء لتشويه سمعه قوات سورية الديمقراطية”.
لكن مصادر جسر في الرقة أفادت بتسجيل أكثر من ست حالات سرقة بهذه الطريقة في حيي المشلب والمختلطة وأربع حالات في حي رميلة حيث تم استهداف تجار الأغنام بهذه العمليات، دون أن تقوم سلطات قسد بأي إجراء. من بينها تلك حالة تاجر الاغنام (حسين الحمشك)، الذي سرق منه ما يقدر بعشرة ملايين ليرة إضافة إلى مجوهرات، وتاجر الاغنام (أبو عدنان البدوي) الذي قدرت قيمة مسروقاته بأربع ملايين ليرة، وصائغ يتحدر من عائلة (الناصيف) سرق منه ما يقدر بـ ٦٠ ألف دولار فضلاً عن المجوهرات وذلك في حي هشام بن عبد الملك.
رديف مصطفى: مؤسساتهم لا تختلف عن مثيلاتها لدى نظام الاسد
ورغم إصرار الإدارة الذاتية على القول أنها تبذل كامل جهدها لحل مشاكل المواطنين وصيانة حقوقهم، إلا أن أعضاء مؤسسات مجتمع مدني، ومعارضون لقسد يتهمونها بانتهاك حقوق الانسان.
بدوره نائب رابطة المستقلين الكرد المحامي رديف مصطفى قال لـ”جسر”:” إن الإدارة الذاتية تعتدي على حقين أساسيين من حقوق الإنسان، أولهما الحق في الحياة، ويتمثل ذلك بقمع الحريات والتفرد بالسلطة بالقوة، وممارسة انتهاكات ترتقي إلى كونها جرائم كتجنيد القصر، والقتل والتعذيب والاعتقال التعسفي والاختطاف، وثانيهما حق الإنسان في الملكية بما قامت به من أعمال سلب ونهب سواء في ريف كوباني الغربي وتل أبيض وريفها والرقة ومناطق في ريف الحسكة ودير الزور، كما استولت على منازل معارضين بالقوة ـ وصادرت الأراضي، في ظل غياب لسلطتي القانون والقضاء”.
واعتبر مصطفي أن الهياكل القانونية والقضائية التابعة للإدارة الذاتيه لا تختلف عن الهيئات التي عرفتها سورية في عهد نظام الأسد، داعياً إلى تقديم كل مسؤول عن أي انتهاك إلى محاكمة عادلة لينال جزاءه.
محمد صبرا: الأمن مسؤولية قسد اياً كان ارتباط المعتدين
من ناحيته، وصف المحامي محمد صبرا، كبير المفاوضين السابق لدى الهيئة العليا للمفاوضات السورية، الحالة القانونية لسلطة الإدارة الذاتية، ومسؤوليتها القانونية، وقال لـ”جسر”: “في حالة الأمن الداخلي في شرق الفرات لدينا حالتين متناقضتين ،الأولى تتمثل بالقوة التي تسيطر على منطقة شرق الفرات وهي قوات سوريا الديمقراطية التي عليها أن تلتزم وفقاً لأحكام القانون الدولي بضرورة حماية السكان المدنيين وضمان عدم تأثرهم بالنزاع العسكري، وذلك طبقاً للحقين الأول والثاني لعام ١٩٧٧ الملحقين باتفاقيات جنيف الأربعة، حيث أن مجموع الالتزامات وفق أحكام القانون الدولي مفروضة طبقاً للمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف والتي تنص على تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني في النزاعات العسكرية التي لا تحمل طابعاً دولياً”.
وتابع صبرا “وفي الحق الثاني لاتفاقيات جنيف (البروتوكول الثاني ) نصت المادة الأولى منه على تطبيق القواعد الواردة فيه في حالة النزاع العسكري الدائر في إقليم إحدى الدول المتعاقدة بين القوات المسلحة لهذه الدولة وبين جماعات عسكرية نظامية أو منشقة تعمل تحت قيادة مسؤولة، ويمكنها القيام بعمليات عسكرية منسقة، هذه المادة تعني امتداد أحكام القانون الدولي الإنساني إلى النزاعات المحلية ـ أي التي لا تحمل طابعاَ دولياً- وهو الأمر الذي يعني مسؤولية قوات سورية الديمقراطية عن حماية الأمن بمفهومه الشامل لتوافر كل العناصر الواجبة طبقا للحق الثاني فيها، وإذا كان من الصحيح أن الجمهورية العربية السورية وقعت اتفاقيات جنيف الأربع لكنها لم توقع على البروتوكولين الإضافيين الملحقين بهذه الاتفاقيات، فإن القواعد العرفية التي أرساها الحقان تبقى موجبات عامة واجبة الاحترام من قبل كل الأطراف”.
واعتبر صبرا أنه بالرغم من أن الاعتداء على الملكية الشخصية للمواطنين لم ينص عليها الحق الثاني بشكل مباشر وصريح إلا أن حماية الأشخاص وممتلكاتهم وأمنهم تدخل ضمن إطار الحماية القانونية الشاملة التي يوفرها القانون الدولي لهؤلاء الأشخاص، وأيا كان ارتباط عصابات السرقة والنهب التي تنشط في منطقة شرق الفرات، فإن مسؤولية قوات سورية الديمقراطية باعتبارها الجهة المسيطرة التي تعمل تحت قيادة مسؤولة وتتخذ زيا مميزا تبقى ثابتة بحكم سيطرتها، لذا فمهمة توفير الأمن تقع على عاتقها وتتحمل مسؤولية أي خلل، خاصة إذا لم تتمكن أجهزة تطبيق القانون من الوصول إلى الجناة، وتطبيق قواعد العدالة بحقهم.
حال كلّ السوريين “من بعضه”
إن تناول معاناة وشكوى المواطنين في هذا الجزء من سوريا، لا يعني بحال من الأحوال أن باقي المناطق هي بحال أفضل، فالجريمة المنظمة بما فيها السطو المسلح، تجتاح البلاد من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، من مناطق سيطرة نظام الأسد والميلشيات الايرانية، إلى مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية في شمال سورية واخيراً وليس آخراً مناطق سيطرة فصائل الجيش الحر في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وكل تلك الجرائم والاعتداءات تنفذها غالبا عصابات محلية تستند الى نفوذ او ارتباط بالجهات المسيطرة بحكم الأمر الواقع، وهذا ما سنحاول أن نتناوله في تحقيقات صحفية لاحقة.