سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

شارك

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

سوريا 2022: القتل أقل لكن المعاناة أعمق

جسر – صحافة

عبد الناصر العايد

افادت أرقام برنامج “بيانات الصراعات” في جامعة أوبسالا السويدية، إلى انه بحلول نهاية العام 2020، انخفض عدد القتلى في المعارك عالمياً بشكل ملحوظ، وأرجعت مجلة “فورين بوليسي” ذلك “إلى تراجع المذابح المروعة في سوريا إلى حد كبير”. وقد استمرت تلك الأرقام في الانخفاض في العام 2021، وستوالي على الأرجح الانخفاض في العام 2022، لكن هذا لا يعد مؤشراً على تعافي البلاد وأهلها، بل على العكس من ذلك تماماً، إنه يشير إلى تهالك قوى الأطراف كافة، الأمر الذي سيعمق الأزمة المعيشية والإنسانية للسكان المدنيين.
فالمتعطشون للدماء من أمراء الحرب وتجارها، الذين اكتسبوا نفوذهم خلال العقد الماضي من خلال القتل، سيصبحون أكثر شراهة للمال والثروة، كسبيل وحيد لبقائهم في مواقعهم، وفي ظل شح الموارد وتوقف الامدادات الخارجية التي كانت تغذي الصراع، سيلتفتون إلى المجتمعات الواقعة تحت سلطتهم لإحكام السيطرة عليها، وانتزاع رأس مالها المتواضع، من خلال الأنشطة الاجرامية كالاتجار بالمخدرات أو الابتزاز الأمني السافر، وستبرز تبعاً لذلك مظاهر من التسلطية المطلقة على المجتمعات المحلية على مختلف ضفاف الصراع.
لقد استنزفت عمليات القتل والتدمير المجتمع السوري المعارض للنظام. ومع تراجع التأييد والدعم لقوى الثورة السورية من المجتمع الدولي والإقليمي، لم تعد هذه قادرة على أخذ زمام المبادرة وشن الحرب، وهي تحاول ما استطاعت التمسك بالمناطق التي ما زالت في حوزتها، بغطاء إقليمي أو دولي يحمي مناطق النفوذ، لكنه يرفض بالمطلق توسيعها أو جعلها منطلقاً لهجمات عريضة جديدة، هي غير ممكنة واقعياً كما أسلفنا.
من ناحيته يعاني النظام أيضاً نتائج المقتلة التي ورط قواعده الاجتماعية فيها، ولا يبدو شن الحرب من طرفه مقبولاً لمؤيديه المنهكين، بعد تراجع أو ضعف التهديدات التي كان يشكلها الجهاديون وغيرهم على حاضنته الطائفية، وهي البعبع الذي اتخذه النظام ذريعة للتجنيد الشامل ومبرراً للخسائر البشرية الفادحة التي وقعت في صفوف الفئة الشابة على وجه التحديد من اتباعه.
أما الدول الأربع المنخرطة عسكرياً في النزاع السوري وتتحكم في مسار الأحداث، وهي أميركا وروسيا وتركيا وإيران، فهي بدورها لا ترغب في مزيد من القتال بعدما حصل كل منها على حصته المأمولة من التدخل، أو أقل قليلاً، فشنّ الحرب لن يجلب سوى الخسائر للأطراف كافة، بعدما استقر اطاره الاستراتيجي.
تنسحب حالة عدم الرغبة في إطلاق حرب واسعة النطاق على أمراء الحرب المتحكمين بالقوى السورية على الأرض من الأطراف كافة. فعدا عن تقيدهم جميعاً بتعليمات داعميهم الدوليين أو الإقليميين، فإن خشيتهم على مكاسبهم التي راكموها خلال سنوات القتال، تمنعهم من التفكير في أي مغامرة تهدد مكاسبهم الخاصة. وينطبق ذلك على المليشيات التابعة للنظام، وتجار الحرب المتحكمين في المجتمع الموالي، كما ينطبق على الفصائل المعارضة المرتبطة بتركيا، بل وعلى الجولاني وإمارته رغم ما يبدو عليه من استقلالية، وهو ينطبق بلا شك على قوات سوريا الديموقراطية.
لكن هذا لا يعني أن باب الاحتمالات مغلق. فإن شَعر أحد الأطراف بالقوة أو بفرصة سانحة ما جراء تقلب الأحداث، فقد تنفجر حرب هنا أو هناك، بين طرفين أو أكثر، لكنها ستكون منخفضة الوتيرة وسيتم احتواؤها، والأكثر احتمالاً هو أن تنفجر صراعات داخل المعسكر الواحد، بسبب النزاع على المكاسب وحدودها التي لم تستقر.
على هذه الخلفية، سيشهد العام 2022 اتفاقيات وصفقات عابرة لخطوط التماس، اقتصادية الطابع ويقودها تجار الحرب الذين سيواصلون استغلال المحنة الإنسانية للمدنيين، وستزداد الهوة بين المتنفذين وعامة السكان، ويرتفع التوتر داخل كافة “الدويلات” التي تنتشر في الأرض السورية، بينما تنخفض على حدودها.
يمكننا تلخيص المشهد السوري المحتمل في العام المقبل، بأنه العام الذي ستتفسخ فيه “الجيوش” لتتحول إلى عصابات أمنية ذات طابع مالي مافيوي، وسيزداد القمع العام بالتوازي مع تعمق بؤس الأحوال المعيشية وتدهورها، وستحافظ الدول الأربع المتحكمة على الأرض على مكاسبها بالتواطؤ بين بعضها البعض، وستضبط هذه الدول سلوك أدواتها المحلية بحزم، وتمنع دخول لاعبين جدد إلى الميدان السوري، وستكون عمليات القتل مقيدة، لكنها مركزة ومحدودة، تستهدف الخصوم والمنافسين وترويع المجتمع لإخضاعه.
أما ملايين السوريين الذين حملوا عبء التغيير وحلمه طوال عقد من الزمان، فهم يقبعون بصمت على هامش المشهد كجمهور منفعل بالأحداث وغير مؤثر، فاقد للاتجاه وللوعي الذاتي بقوته وقدرته على الفعل التاريخي. لكن هذا ليس حتمياً أيضاً. فرغم تمزق البلاد واستشراء الفساد والانهيار الاقتصادي والشلل السياسي، فإن المجتمع السوري ما زال القوة الأكبر وزناً في الساحة، والأقدر على كسر الجمود، بشرط واحد على ما نرى، هو صعود الوطنية السورية مجدداً، ووعي مختلف فئات السوريين لمصلحتهم المشتركة، مع سقوط أقنعة القوى الداخلية الخارجية التي تتاجر بمحنتهم، والتي راحت تقلب لهم ظهر المجنّ بلا أي اقنعة.

المصدر: موقع المدن 

شارك