مراسل الحسكة: جسر
“شهيد الفزعة” أحد مزارعي ريف الحسكة بلال المحمود “ابو سليمان” كان مستلقيا في منزله الطيني يأخذ قسطا من الراحة وقت الظهيرة حين سمع نداء الفزعة، فهب مسرعا حاملاً “البطانية” التي كان يتغطى بها ليخمد النيران التي نشبت في أراضي الضيعة، حارب ألسنة اللهب المستعرة، محاولاً إبعادها عن رزقه ورزق أبناء قريته، قبل أن تحاصره النيران، ويرحل تاركاً خلفه زوجتين وسبعة أطفال أكبرهم لا يتجاوز 17 عاماً.
أبو سليمان من أهالي قرية “بوير البوعاصي” بريف القامشلي يبلغ من العمر أربعين عاماً، معروف لدى سكان قريته بالنخوة والحمية، لقد كان مستلقياً في بيته الطيني حين سمع صراخ النساء والاطفال حريق حريق… نهض من قيلولته مسرعاً حاملاً بيده بطانيته بعد أن بللها بالماء ليواجه النيران التي تلتهم اراضي القرية الزراعية وتتجه نحو أرضه.
كغيره من رجال القرية هبوا لانقاذ محاصيلهم الزراعية وبدأو باخماد الحرائق التي أخذت تلتهم محاصيلهم، لكن “ابو سليمان” المنهمك في مهمته، وجد نفسه محاصرا بالنيران من كل اتجاه، كان اشبه بمقاتل شرس وسط جموع الاعداء لكن بسبب استنشاقه لكمية كبيرة من للدخان الصادر عن النار، اغمي عليه وسقط أرضا والنار تحيط به، استغرق الامر عدة دقائق الى ان انتبه اليه أهالي القرية، فاذا به يحترق فقاموا بإطفائه على الفور واسعافه الى المشفى لكن النار نالت من جسده الصلب واصيب بحروق خطيرة.
بعد اصابته قام أهله بإسعافه الى مشفى السلام الخاص بالقامشلي لكن المشفى لم يستقبلهم لان الحروق كانت من الدرجة الثالثة ولا توجد غرف معقمة في المشفى خاصة لهذه الحالة، فقاموا بنقله الى المشفى الوطني بالقامشلي، وقدم له الاطباء اسعافات أولية واخبروهم بأن حالته حرجة ويجب نقله الى مشافي دمشق.
لكن وضع الاهل المادي صعب ولا يسمح لهم بنقله على نفقتهم، فبادر أحد أقاربه بالتواصل مع منظمة الهلال الاحمر والتي استجابت على الفور وخصصت له سيارة اسعاف مع ممرض مرافق لتنقله الى دمشق على نفقة المنظمة، وتم نقله إلى دمشق لكن القدر كان اسرع ليفارق الحياة في الطريق بالقرب من محافظة حمص.
“بعد أن التهمت النيران سنابل قمحه التهمت روحه أيضا”، هذا ما يقوله شقيقه لجسر ويتابع “احرقت النيران ما يقارب 500 دونما من اراضي القرية بينها نحو 50 دونما لابي سليمان والباقي لاهالي القرية، الذين احزنهم فراق ابو سليمان أشد من حزنهم على خسائرهم في المحاصيل التي احترقت، وقد قالها رجال الضيعة فيما بينهم بهمسات: لو احترقت أراضي القرية بأكملها ولم يرحل ابو سليمان وسط اجواء يسودها الحزن والألم على فراقه”.
وهذا وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لبطاقته الشخصية “الهوية” التي كانت في جيبه اثناء احتراقه وهي محترقة ولم يبق فيها شيئاً واضحاً الا اسمه ويعتبر “المحمود” أول ضحية بشرية للحرائق في منطقة القامشلي وأطلق عليه أهالي القرية “شهيد السنابل” لأنه توفي وهو يخمد النيران التي كانت تأكل سنابل محاصيلهم.
هذا وكانت صحيفة جسر نقلت قبل أيام أخبار الحرائق في قرى جنوب القامشلي والواقعة تحت سيطرة النظام بدأ من قرية خربة جدوع واتجهت شرقا بفعل الرياح الى قرى بوير البوعاصي والسويدية وتل عنبر والطويل وخراب العسكر، واشارت الى تعرض ابي سليمان بلال المحمود اثناء اطفاء الحرائق لحروق بليغة في محاولة منه منع تقدم النيران باتجاه محصوله.