صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

شارك

صداع روسيا الليبي

صداع روسيا الليبي

جسر: صحافة:

Getty

يبدي إعلام الكرملين هذه الأيام حساسية مفرطة حيال أنباء إنسحاب المرتزقة الروس من جنوب العاصمة الليبية طرابلس أمام التقدم الذي تحرزه قوات حكومة الوفاق الوطني، مدعومة من تركيا. وينفي هذا الإعلام أن يكون انسحاب المرتزقة الروس قد بدّل من موقف موسكو، التي تقول بالحل السلمي للصراع الليبي، وتجاهر في الوقت عينه بدعمها للجنرال خليفة حفتر بالمرتزقة والسلاح. واللافت في هذا الموقف هو صمت المسؤولين الروس حيال هذا الإنسحاب، والذي لم يخرقه سوى تصريح النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما ديمتري نوفيكوف، الذي استنكر اتهام الولايات المتحدة لموسكو بطباعة كمية من العملة الليبية “المزورة” لصالح حفتر، كانت قد صادرتها سلطات جزيرة مالطا. 

في سياق نشرها لتصريح نوفيكوف، لم تنسَ وكالة نوفوستي التذكير باتهام موسكو الدائم للولايات المتحدة بالمسؤولية عن القضاء على القذافي، وذكّرت بتصريح سابق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن روسيا لا تلتزم بموقف أي من طرفي النزاع الليبي، وتسعى لاحلال السلام والأمن على جميع الأراضي الليبية.

ردة فعل القوميين الروس في صحيفتهم “ps” كانت الأكثر انفعالاً من بين القليل الذي نشره الإعلام الروسي عن انسحاب المرتزقة الروس من طرابلس، وركزت انفعالها على مقالة نُشرت في موقع عربي ناطق بالإنكليزية، استوحت منها عنوان نصها ” جبهة الشرق الأوسط تمت خسارتها : روسيا تفر من ليبيا. سوريا التالية”، مع عنوان ثانوي “كيف نفهم التوقف المفاجئ لمساعدة حفتر”. وشرحت الصحيفة ما يقصده الموقع العربي بالقول بأن إجلاء مقاتلي “فاغنر” من منطقة العمليات الحربية في ليبيا، وتراجع الجيش الوطني الليبي، يشير إلى أن روسيا قد تنتظرها قريباً مشاكل في سوريا. وقالت بأن الموقع يعتبر بأن تبدل ميزان القوى في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني لايرتبط بالعمليات التركية، بقدر ما يرتبط بتأثير الولايات المتحدة، مستنداً بذلك إلى اتصال هاتفي بين الرئيسين الأميركي والتركي ناقشا خلاله الوضع في ليبيا وسوريا، واتفقا على التعاون السياسي والعسكري، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة حددت موقفها المناهض لروسيا. 

وقالت الصحيفة بأن كاتب النص في الموقع المذكور يعتبر، بأن روسيا هي في وضع خاسر في سوريا، إذ من جهة يصبح واضحاً لموسكو أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد بوسعه تأمين مصالحها، ومن جهة أخرى لا تستطيع روسيا مغادرة سوريا بسهولة، لما يلحقه هذا الأمر من تقويض لهيبة رئيسها داخل روسيا وخارجها. 

تترك الصحيفة أمر التعليق على مقالة الموقع المعني لرئيس مركز الدراسات الإسلامية في معهد روسي كيريل سيمونوف، وللخبير العسكري يوري سيليفانوف. يقول الأول بأن المرتزقة الروس لم يتم سحبهم من ليبيا، بل من جوار طرابلس فقط، وذلك لإجبار حفتر على العودة إلى المفاوضات. والولايات المتحدة تخشى، برأيه، أن تلعب روسيا وتركيا الورقة الليبية  لصالحهما، ولذا تعمد إلى عرقلة الصفقة الروسية التركية المفترضة. 

ويقول سيمونوف بأن الولايات المتحدة قد تبدأ العمل ضد إيران بعدوانية أشد، لكن هذا الأمر لا يعني روسيا مطلقاً. فكما أن موسكو لا تحشر نفسها في الخلافات السورية الإسرائيلية، من المستبعد أن تحشر نفسها أيضاً في الخلافات الإيرانية الأميركية. 

أما الخبير العسكري سيليفانوف فيقول، بأن السؤال الذي يعنيه حين قراءة أي نص تحليلي، هو معرفة من الكاتب. ويقول، بأن كاتب النص في الموقع المعني هي الدكتورة دانيا قليلات خطيب العضو المراسل في مركز عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. ويتوجه إلى الصحيفة الروسية بعد ذلك بالقول :”هل بقيت لديكم أية أسئلة في ما يتعلق بالجهة، التي تعمل لصالحها هذه السيدة؟”. ويستغرب بعد ذلك كيف تنقل صحف روسية مثل “هذه النصوص المحايدة”، وتتظاهر بعدم معرفتها بالحرب السياسية النفسية الواسعة، التي تُخاض ضد روسيا المعاصرة، والخالية من أية أيديولوجية، لأن الغرب تخلى عن مُثله الديموقراطية، ولم يعد يعرف سوى الكذب المبتذل، على قوله.

صحيفة الكرملين “vz” لم ترض بمهمة لروسيا أقل من مهمة إنقاذ أوروبا في ليبيا. فقد كتبت في نهاية الشهر المنصرم حول الحدث الليبي مقالة بعنوان “هل تنقذ روسيا أوروبا في ليبيا”، قال كاتبها بأن بعض الصحافيين والكتاب السياسيين أخذ يصف الصراع الليبي، بأنه “أهم حرب بالوكالة في الشرق الأوسط”، ويعتبر أنهم على حق في ذلك، لأن الحرب السورية قد فقدت منذ مدة بعيدة صفة “الحرب الأهم”، وتحددت قائمة اللاعبين الخارجيين الخاسرين فيها، ولم يبق سوى معرفة مصير البعض منهم. أما في ليبيا فإن اللعبة الكبرى هي في ذروتها الآن، وتشارك فيها كل من تركيا والجزائر وفرنسا ومصر والسعودية والإمارات وقطر والولايات المتحدة و…بالطبع روسيا. والسؤال الأهم هو لماذا حشرت موسكو نفسها هناك، وما الذي ستناله مقابل ذلك. ويقول بأن روسيا، شكلياً، تتواصل مع طرفي النزاع (حكومة فايز سراج وجيش الفيلدمارشال خليفة حفتر)، إلا أنها، في الواقع، تقدم الدعم السياسي العسكري للأخير. 

ويقول بأن موسكو، وبأموال الإمارات العربية المتحدة، تمد حفتر بالسلاح، ويحارب إلى جانبه مقاتلو “مرتزقة فاغنر” الروس. لكن مستوى إنخراط روسيا في الصراع الليبي، لا يقارن مطلقاً مع مستوى إنخراطها في الحملة السورية. فقد كان الكرملين يرفض بأدب طلب حفتر إرسال قوات تدخل سريع إلى هناك، علماً أن “الجيش الوطني الليبي” لم يكن بحاجة إليها، إذ كان ينتزع من حكومة الوفاق الوطني المدينة تلو الأخرى. 

لكن الوضع تبدل الآن. فما لم تقم به روسيا، قامت به تركيا لصالح فايز سراج، وأرسلت له مقاتلين أتراك، وإرهابيين سوريين، وكذلك طائرات مسيرة أثبتت كفاءتها الممتازة في سوريا، وكانت نتيجة “الطرد” المرسل هذا محزنة  بالنسبة لحفتر، حيث وجه الأتراك له سلسلة من الهزائم. ويقول الكاتب، بأن ال”واشنطن بوست” محقة في القول بأن مصير ليبيا يتوقف الآن على ما تقوم به تركيا وروسيا. 

وبعد أن يسترسل الكاتب في الحديث عن الإمكانيات، التي تتمتع بها روسيا في ليبيا دون غيرها من الأطراف الأخرى، وعن مخاوف أوروبا من تحقق هذه الإمكانيات، وبعد أن يقلل من أهمية النفط والغاز الليبيين، يقول بأنه ليس لدى موسكو الرغبة في القتال من أجل ليبيا لا مع تركيا، ولا مع إيطاليا وفرنسا. ولا يريد الكرملين سوى حصته الضئيلة من النفوذ في شمال إفريقيا، والعقود لإعادة إعمار ليبيا وسواها، مما يمكن الحصول عليه من خلال التوصل إلى حل وسط بين أطراف النزاع.

وينتهي الكاتب إلى القول، بأن لدى تركيا مخططات أكثر طموحاً من ذلك بكثير، وأكثر تهديداً لمصالح أوروبا، وبما أن لدى روسيا وحدها اليوم الإمكانيات لدفن هذه المخططات، فمن صالح الأوروبيين ليس إنتقاد موسكو، بل تحفيزها لتعزيز وجودها في ليبيا.

تقول الكاتبة السياسية الشهيرة في صحيفة “Novaya” المعارضة يوليا لاتانينا، بأن الكرملين يجد دائماً مخططاً فاشلاً، حيث يمكن تبذير الأموال، سواء كان في نفط فنزويلا، أو في الفاشل الأبدي خليفة حفتر، الذي يحلم منذ 50 عاماً بأن يصبح ديكتاتور ليبيا.

_____________________________________________________________________________________

*نشر في المدن اﻷربعاء 3 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

شارك