صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

شارك

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

صورة الثورة السورية في رواية فواز حداد “يوم الحساب”

إياس اليوسف

يبدو فواز حداد في رواياته، خاصة التي كتبها بعد العام 2011 مؤرخا للحياة السورية في زمن الثورة والحرب، ككاتب عايش أحداثها في الداخل والخارج، ويعتبر واحداً من الكتاب السوريين الذين تعمقوا في الوضع السوري، وأرخو للواقع، وفككوا تركيبة النظام ومدى انعكاسه على الواقع السياسي والاجتماعي. كتب العديد من الروايات في هذه الفترة (2011-2021): “السوريون الأعداء” و “الشاعر وجامع الهوامش” و”تفسير اللاشيء”، ثم روايته الأخيرة “يوم الحساب” الصادرة في حزيران 2021 عن دار رياض الريس، التي تعتبر أكثر صراحة وتصدياً من سابقاتها لموضوع الثورة بالذات، من خلال تصويره ما يلقاه المواطن السوري من الاضطهاد والألم والشعور باليأس والإحباط على يد جلادي النظام، محللاً بنية النظام المافياوية وتغلغلها في العمق الثقافي والاجتماعي ومدى طغيانها المسلح على الشعب من خلال خطط محكمة، وضعها خبراء متمكنون في عالم الإجرام.

تتحدث الرواية عن مقولة حماية النظام للمسيحيين السوريين، ليس كما يروج لها النظام على أنه حامي الأقليات، ورغم أنها من المحاور الهامة في الرواية، لكن ما يهمنا في هذا العرض تلك الرؤى التي حملها الراوي حسان، أو لنقل الرسائل التي بثها الكاتب من خلاله، في تعقيبه على الثورة، وما آلت إليه من حرب مأساوية مدمرة (لم تعد دمشق مكانا صالحا للعيش، إنها معسكر اعتقال) فدمشق هنا رمز لسوريا بما فيها من مدن وأرياف (الحرب مزقت المجتمع، المسيحيون يريدون إنقاذ المسيحيين، السنة مثلهم، والدروز أيضا، ولا ننسى العلويين) يتأسف حسان لانقسام المجتمع وتفتته، على الرغم من سلبيته تجاه الوطن (ليس أكثر من وهم عذب وشاق)، ويعزم على الرحيل تاركا حبيبته ريما عالقة في الداخل، فالبلد (لم يبق منها سوى ضحايا ولاجئين). أما العالم (فلم يعد يهتم لموت السوريين، وما آلت إليه حياتهم، قضية سوريا اليوم خاسرة، بات الوطن مادة للعذاب).
لا يترك حداد فرصة في السرد أو الحوار إلا ويضمنه رؤية سلبية لنتائج الثورة التي (غُدر وفُرط بها) ويتهم الجميع، قاصدا المعارضة بكافة أطيافها الدينية والعلمانية، كما يغمز من قناة العلمانيين الذين وقفوا مع النظام، ومالوا سراً الى المعارضة أو بالعكس، ولا يوفر اليساريين أيضاً (لا يعرفون ماذا يريدون، يزعمون ان لديهم مشكله مع المساجد مع ان مشكلتهم مع الثورة) ملمحا بهذا إلى مواقفهم السلبية.

تحت وطأة ما يحمله حسان من رؤية غير إيجابية لما آلت إليه الثورة، يتهم ريما بقصر النظر (ريما عنيدة تعتقد انه مازال هناك ما تفعله) ويدين الذين يفكرون بعاطفية (غالبا ما كانت العاطفة دليلاً سيئاً)، ما يصل إلى حد مغبة الاستمرار بالثورة (ما جدوى التعلق بما نعرف ألا أمل منه). لكنه في الجانب العاطفي، يرى أن الثورة كانت أروع حدث في حياتنا (الإحساس بأننا أحرار نصرخ بملء أفواهنا بسقوط النظام. لأول مره التقينا بالشعب. في الثورة كان موجودا، في الثورة كان هو الثورة)، لكنه يعود بعد هذا الحماس ليدين بقوة ووضوح من ركبوا على الثورة من المعارضة، واتكالها على الخارج لنصرتها، فلا يكتم غضبه: (وكأننا لم نستحق هذه الثورة العظيمة التي جاد بها الناس.. كذلك المعارضة لم تكن أهلا لها، راهنت على الامريكان والأوروبيين)، ويصفها رغم انهزامها (كانت انتصاراً مؤلما…كانت عظيمة في عفويتها وتلقائيتها وتضحياتها) كما يصور ما آل إليه الوطن بواقعية صادمة (هذا وطن مرعب، إنه للناس المكرهين على القبول به كيفما كان.. إنه مكان للجوع والموت).

حملت شخصيات “يوم الحساب” رؤى حداد العميقة وأفكاره الانتقادية وما فيها من اجحاف على الرغم من إنسانيتها وواقعيتها، خصوصا من خلال شخصية حسان صورة الثورة والثوريين وصورة المعارضة البائسة المنقسمة المتقاعسة، وما أصاب الكثير من شباب الثورة من اليأس ما جعلهم يرحلون عن الوطن (قبل أن يأتي يوم لا نجد فيه من نودعهم) ومقابل شخصية حسان المأزومة، نجد شخصيات إيجابية كشخصية ريما وصديقه سومر الشاب العلوي الذي آمن بالثورة وتمسك بها، ولم يتخل عنها، ولا عن الوطن الذي غادره لفترة، وعاد إليه لينخرط ثانية في العمل السري، بعدما لم يجد معنى لحياته في الخارج، خلاف حسان الكافر بالوطن، واليائس من النصر: (المهين أن النظام ربح معركته ضد الجميع، زرع العداوة في نفوس الناس العاديين حتى أصبحت تفوق ما أراده وما طمح إليه، لم يعد ينفع شيئا، سورية بلد غير قابل للشفاء، بلد يتفتت تنخر فيه احقاد أديان ومذاهب)لكن سومر يصر على البقاء ( نحن من أجل ان نغير هذا كله).

ترمز شخصيه ريما بإيمانها المطلق بالثورة الى استمراريتها، وتظل وفية لها، وتحث حسان على البقاء مع ما تبقى من الرفاق، وتحاول أن تثنيه عن الرحيل عن دمشق.

ومن الشخصيات النسائية الإيجابية عدا ريما، نجد شخصيتي رحاب وأم جورج. الأولى ورغم اغترابها الطويل منذ الطفولة إلى فرنسا وحيازتها الجنسية الفرنسية تحن إلى سورية وتتعاطف مع السوريين في ثورتهم وتشاركهم الهم الوطني، حين تأتي من باريس إلى دمشق للبحث عن طالبها السوري جورج أيقوني بعد أن ترك الدراسة في باريس ليلتحق بالثورة، وتحاول المساهمة فيها بما تملك من إمكانيات وخبرات علمية وصحفية، بتوثيق ما جرى ويجري في البلاد في ظل الحرب من انتهاك جميع القوانين الإنسانية. والثانية أم جورج التي تمثل شخصية المرأة القوية التي تواجه الجميع، وتصر على معرفة المصير الذي انتهى إليه ولدها جورج بجرأة، بدءاً من الأب جبرائيل ممثل كنيستها بدمشق، وانتهاء بممثلي النظام من رجال أمن وغيرهم، لتكتشف في النهاية أن ابنها استشهد مع صديقه المسلم وضمهما قبر واحد وكفن واحد، جمع بينهما مصير مشترك، وكانت في مواقفها امتداد لدور ابنها الشهيد ليشكلا صورة جميلة لمتانة النسيج الاجتماعي بين المسلمين والمسيحيين، ولا يفرقهما اختلاف الدين، بل يجمعهما حتى الشهادة.

وعلى الرغم من كل ذلك، لم تخل الصورة الثورية من سوداوية، سيما حين يرسم الكاتب لنا الواقع السوري المعاش وما وصل اليه الحال من بؤس في وصف الثورة :(كانت تتماوت بالفعل وخلفت ملايين الضحايا ودمار حوّل مدن وأرياف إلى ركام هائل، وكأننا لم نستحق هذه الثورة العظيمة التي جاد بها الناس) ويلقي باللائمة على المعارضة الممولة من الخارج والتي (أضاعت بلدا كاد ان يتحرر).

هذه مناخات الرواية حول نهاية الثورة، وهي أقوال أبطالها، بينما حداد الروائي والمحلل لما يجري في واقعنا السوري لا يخرج عن موضوعيته المعهودة في أعماله، نراه ينصف الثورة فيصفها بما يليق بها وبما كانته (رغم أنها انهزمت كانت انتصارا مؤلماً، ألم تبتدع مأثره الخروج من المساجد آوتنا جميعا بأدياننا ومذاهبنا).

أخيراً، لا بد من الوقوف عند دلالة عنوان الرواية الذي يحمل دلالتين: الأولى عن الحساب الأرضي الذي سيحصل في يوم ما. والثانية ما جاء على لسان حسان، كان حسابا او لنقل مراجعه للثورة والمعارضة.

رواية “يوم الحساب” عمل إبداعي عن إرادة العيش رغم الموت، في وقت صعب (ينظر إلينا العالم على اننا لسنا بشرا لمجرد اننا أصبحنا لاجئين على ابوابه). لا تخفي الرواية أن سورية عاشت أعظم ثورة في تاريخها المعاصر. ثورة مازالت في بداياتها تشق طريقها في الظلام نحو النور … كما وصفها حداد في حواراته ولقاءاته الصحفية المتفرقة.

وبهذا تكون رواية يوم الحساب صورة لانعكاس واقع الثورة على المجتمع السوري المعاصر وتأريخ ما جرى وما يجري الآن على الأرض السورية.

شارك