حصل العالم السوري الشاب مأمون طاهر على جائزة الملك السويدي للعلوم والتكنولوجيا لعام ٢٠١٩ نتيجة جهوده في مجال النانوتكنولوجي.
ونشر الدكتور المهندس مأمون طاهر صوراً من حفل تسلم الجائزة التي جاءت بعد عام واحد على تكريمه من قبل قبل الأمير السويدي كارل فيليب بعد النجاحات التي حققه في مجال هندسة المواد وتقديمه مضروعاً رائداً لشركة فولكس فاغن السويدية.
يذكر أن طاهر من مواليد سورية وحاصل على شهادة الهندسة من جامعة حلب، وفيما يلي لقاء معه للتعرف عليه بشكل أكبر:
الجمعية السورية للبحث العلمي في لقاء مع الدكتور مأمون طاهر مطور مادة آروس غرافين Aros Graphene
في إطار إعداد سلسلة باحثون ومخترعون سوريون، نقدم لكم ضيفنا اليوم الدكتور مأمون طاهر، حصل على شهادة البكالوريوس في هندسة علوم المواد ما بين عامي 2002-2007، وشهادة الماجستير في الهندسة الطبية الحيويّة بين عامي 2007-2009 من جامعة حلب في سورية، وشهادة ماجستير أوروبية مشتركة في هندسة علوم المواد الهندسيّة المتقدّمة AMASE بين عامي 2009-2011 من جامعتي السارلاند Saarland University في ألمانيا وجامعة لوليو Luleå University التقنية في السويد، وحصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية من جامعة لوليو التقنية في السويد، و أتم بحث درجة ما بعد الدكتوراه الصناعية في معهد إنغستروم Institute Ångström في جامعة أوبسالا Uppsala University ومركز أبحاث شركة ABB الرائدة في مجالات الطاقة، والتحكم الآلي والروبوتات الصناعية. الدكتور مأمون طاهر عضو في الجمعية السوريّة للبحث العلمي، ويعمل مديراً تنفيذياً لشركة أسسها تدعى Graphmatech المتخصصة في تكنولوجيا الغرافين والمواد الهندسية المتقدمة، وإضافة لذلك يعمل أستاذاً مساعداً في قسم كيمياء المواد الهندسية في جامعة أوبسالا السويدية.
– بداية أُرحب بك د. مأمون وأودّ أن أشكرك جزيل الشكر على إتاحة الفرصة لنا للقائك، علمنا وجميع الأوساط العلميّة بإنجازك الكبير عن اكتشافك لمادة جديدة، هل لنا أن نأخذ فكرة عن ماهية هذه المادة؟
أود بداية أن أتوجّه بالشكر الجزيل للجمعية السورية للبحث العلميّ على جهودها القيمة في تسليط الضوء على إنجازات الباحثين السوريين.
المادة المكتشفة مادة مركبّة هجينة مؤلّفة من الغرافين وجزيئات مصمّمة للفصل بين طبقات الغرافين، مشكّلة بذلك مادة متعدّدة الطبقات. الغرافين مادة كربونية ثنائية البعد وسماكتها كسماكة ذرة الكربون، تمتاز هذه المادة بخصائص هندسية فريدة كمتانتها العالية؛ فهي أقوى من الفولاذ نحو 200 مرّة، وذات ناقلية عالية جداً للكهرباء والحرارة، كما أنها تمتاز بخفة وزنها ومساحتها السطحية الكبيرة بالنسبة لوزنها؛ فغرام واحد من هذه المادة يكفي لتغطية ملعب كرة قدم. تم فصل الغرافين لأوّل مرّة عام 2004، وحصل العالمان Andre Geim و Konstantin Novoselov من جامعة مانشستر على جائزة نوبل للفيزياء لاكتشافهما هذه المادة، منذ ذلك الحين بنيتُ آمالاً كبيرة على هذه المادة بأنها ستحدث ثورة صناعية في قطاعات عديدة، كما أنّ كثيراً من المواد الهندسية كانت عملية استخدامها في الصناعة صعبة للغاية، حيث إن هذه المادة تميل لفقدان خصائصها الهندسية بمجرد تطبيقها في المنتجات الصناعية، والسبب الرئيس لخسران الخصائص هو الالتصاق بين طبقات الغرافين ثنائية البعد والرقيقة المتحوّلة إلى الغرافيت، وهي المادة المستخدمة في رؤوس أقلام الرصاص.
أما ما قمت باكتشافه فهو طريقة تمنع هذا الالتصاق من خلال تصميم طبقة فاصلة من الجزيئات الأيونية، فنتج عن ذلك مادة مركبة تحتفظ بخصائص الغرافين حتى على مقاييس صناعية كبيرة، أطلقت اسم Aros Graphene على المادة الجديدة، فكلمة Aros كلمة سويدية قديمة ومشتركة بين اسمي الفايكنغ القديمين لمدينتي أوبسالا Östra Aros وفيستروس Västra Aros السويديتين، وتمّ بهما اكتشافي وتطويري لهذه المادة.
– هل لك أن تعرّفنا على ميّزات المادة التي طوّرتها، وما مدى كفاءتها؟ وما الجدوى الاقتصادية للمادّة؟ وما إمكانية تسويقها تجارياً؟
تحتفظ المادة الجديدة بنسبة كبيرة من خصائص الغرافين مع إضافة خصائص إضافية كالتزييت الذاتي، وإمكانية تغيير الطور حسب درجة حرارة الوسط المحيط، تسمح هذه المادة أيضاً بإنتاج الغرافين من الغرافيت الطبيعي بكميات كبيرة وبتكلفة منخفضة ومقبولة صناعياً.
نعمل حالياً في شركة Graphmatech على تطوير وتسويق هذه المادة واستخدامها لإيجاد حلول لتحديات ومشاكل صناعية مختلفة، وكذلك الأمر لتطوير الأجيال القادمة من المنتجات الصناعية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر تستخدم هذه المادة كمبردات للإلكترونيات وتخزين الطاقة والقطع الميكانيكية ذاتية التزييت للسيارات والروبوتات، فلدينا العديد من المشاريع الصناعية مع شركات عالمية رائدة كشركات:
Ercisson, ABB, Kongsberg Automotive, Nolato Silicon Technik
– ما أهمّ المراحل التي مررت بها قبل أن تصل إلى اختراعك، وماذا بشأن الفريق الذي عمل معك، وما مقدار تكيفك معه؟
مراحل عديدة كالبحث، وقراءة العديد من الأبحاث العالمية في هذا المجال، كما أنني مررت بمرحلة التجريب والخطأ وتسخير الخبرات البحثية السابقة لإيجاد حلّ لمشكلة تقف عائقاً أمام استخدام مادة الغرافين في الصناعة، فأنا أؤمن دوماً بالتفكير خارج الصندوق، وتجريب ما يعتقد الناس أنه مستحيل، فلا بأس ببعض الشك والتجريب بما قيل عنه إنه مستحيل في السابق.
عملت مع فريق متميّز من الباحثين الأكاديميين في جامعة أوبسالا والصناعيين في مركز أبحاث شركة ABB، وهذا المزيج من الأكاديميين الصناعيين أعطى بعداً إضافياً لطريقة تفكيري لإيجاد حلّ للمشكلة، فهذا ساهم في ترسيخ إيماني بأنَ أي اكتشاف أو اختراع يجب أن يكون مقبولاً أخلاقياً وبيئياً وصناعياً وبتكلفة منطقية، وكان للمركز الأوروبي للإبداع ومركز الإبداع في جامعة أوبسالا الدور الكبير في دعمي لتحويل هذا الاكتشاف إلى واقع.
– ما الجهات البحثية التي تواصلت معها أثناء تطوير المادة؟ ما الأبحاث التي تود التركيز عليها في المستقبل؟
جامعة أوبسالا السويدية ومركز أبحاث شركة ABB.
تتركّز أبحاثي الحالية حول مواد هندسية ذكية لاستخدامها في مجالات تطبيقات الطاقة كمواد تخزين الطاقة مثل البطاريات والمكثفات عالية السعة، وكذلك كمواد توفير الطاقة في الأنظمة الميكانيكية مثل مواد ذاتية التزييت أي دون الحاجة لوسط تزييت. كما أنني أعمل على تطوير مواد لتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومستقبلاً سأعمل على تطوير مواد ذات بنى هندسية مستوحاة من الطبيعة biomimetics.
– كتبت واحدة من كبرى الصحف السويدية مقالاً عن المادة الجديدة التي اخترعتها مؤخراً وعن شركتك الجديدة، ما مدى أهمية ذلك وماذا يُضيف لك؟
تسليط الضوء على أيّ نجاح شيءٌ ايجابيٌ؛ فبالنسبة لنا كان هذا التسليط ذا أهمية كبيرة لتعريف العالم بإنجازنا، والحصول على مشاريع صناعية مع كبرى الشركات العالمية، وكذلك الأمر للحصول على دعم القطاعات الحكومية والخاصة لاستقدام التمويل اللازم من أجل الاستمرار في عمليات تطوير الأبحاث وإنشاء المخابر الخاصة.
– أنت باحث سوري مغترب، هل يوجد تنسيق بينك وبين الباحثين السوريين الموزعين في أنحاء العالم؟
اليوم لا يوجد مثل هذا التنسيق، ولكنني بالتأكيد أرحب بأيّ تعاون في المستقبل.
– هل ترغب بتوجيه رسالة لطلبة البحث العلمي؟
رسالتي لطلبة البحث العلمي هي الاطلاع على آخر الأبحاث العلمية في مجالات بحثهم، ووضع خطة بحثية واضحة الأهداف ذات جدول زمني، وأن تكون ذات صلة بالواقع العمليّ، ومن ثم يأتي الإيمان بقدراتهم والمحاولة مراراً وتكراراً وإعطاء الاهتمام للنتائج كافة حتى لغير المتوقع منها، فحتى النتائج التي ننظر إليها على أنها غير ذات أهمية قد تكون مدخلاً لاكتشاف ما أو موضوعاً لبحث جديد. وممّا لا شك فيه أنه ليس لأيّ باحث الوقت الكافي للبحث في جميع الأفكار التي تخطر في ذهنه وتطبيقها، ولكن قد يكون كتابتها والاحتفاظ بها للرجوع لها في المستقبل أمراً إيجابياً. تجريب أفكار غريبة وميؤوس منها في نظر الكثيرين في مجالك لربما ينتج عنه أفكار عبقرية تقود لنجاح مذهل، وبالتأكيد يجب أن تكون التجارب مبنية على أساس علميّ وبعد دراسة وتحليل المخاطر الناتجة عن التجربة. وأخيراً لا ننسى أن الربط بين الأبحاث والواقع له أهمية كبيرة في ترجمة الأفكار إلى حلول. فالباحث الناجح هو الذي يسخّر أبحاثه لإيجاد وتطوير حلول لتحديات ومشاكل فعلية على أرض الواقع.