محمد الخلف/ نقلاً عن المدن
عندما قرر تحقيق حلمه بالحصول على بيت ليتزوج فيه، خلال فترة قصيرة، ترك محمد صالح الصبيخ، 23 عاماً، عمله في مخبز بلدة أبو حمام بريف ديرالزور الشرقي مطلع العام 2019، والتحق بقوات الاسايش، الذراع الأمني لـ”وحدات حماية الشعب”. وبذلك، بات محمد يقبض شهرياً 120 ألف ليرة سورية (230 دولاراً)، بدلاً من 50 ألف ليرة كان يجنيها من عمله السابق. كما يحصل منتسبو الأسايش على سلال غذائية وثياب أيضاً.
لكن تلك الخطوة الانتقالية، قرّبت محمد من حتفه فقط. إذ قُتِلَ بعد أقل من ثلاثة شهور، مع اثنين من رفاقه، عند هاجمت خلية يُعتقد أنها من تنظيم “الدولة الإسلامية”، نقطتهم العسكرية في بلدة أبو حردوب.
إجراءات انتساب سهلة
محمد، واحد من آلاف الشبان العرب الذين التحقوا بـ”قوات سوريا الديموقراطية” و”الأسايش”. والانتساب لصفوف “قسد” و”الأسايش” ليس معقداً، والأوراق المطلوبة هي صورة عن شهادة التخرج من الجامعة أو المعهد أو الثانوية، إن وجدت، وصورة شخصية، وصورة عن بطاقة الهوية الشخصية. ويحق لمن بلغ الـ18 تقديم طلب انتساب، ليتبع مباشرة دورة تدريب عسكري، تتفاوت مدتها حسب التخصص، ولكنها لا تزيد عن 45 يوماً في جميع الأحوال. ويزج بعدها المنتسبون بالعمل العسكري أو الأمني.
ومعظم القتلى في صفوف “قسد” و”الأسايش”، بحسب ما تشير قوائم قتلاهما، هم من الشبان في مقتبل العمر، ومعظمهم من مواليد منتصف التسعينيات، أي ممن لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة.
عشائر “قسد”
لا توجد احصاءات رسمية لأعداد العرب المنتسبين إلى “قسد” أو “الأسايش”، إلا أن مصدراً عسكرياً قال لـ”المدن”، إن “أعدادهم تجاوزت 18 ألفاً من محافظات ديرالزور والرقة والحسكة، والرقم بازدياد، رغم اقتراب المعركة مع داعش من نهايتها، وربما بسبب ذلك أيضاً”، ويضيف المصدر: “كان الخوف من التنظيم يلجم أعداداً كبيرة من الراغبين، ويمنعهم من الانضمام”.
وأشار المصدر إلى أن المنتسبين العرب هم من قبائل المنطقة الكبرى، وياتي في الصدارة قبيلة البكارة، التي يُشكّل افرادها نحو 70% من منتسبي محافظة الحسكة. بينما تحتل قبيلة العكيدات في ديرالزور الصدارة بنسبة مشابهة تقريباً، ويشغل أبناء هذه القبيلة التي دارت كافة المعارك مع التنظيم في مناطقها، المواقع القيادية العربية في “قسد”، وعلى رأسهم قائد “مجلس ديرالزور العسكري” أحمد الخبيل المعروف بـ”أبي خولة”، وإبراهيم العاصي المعروف بـ”أبي الحارث”، القيادي في استخبارات “قسد” ومسؤول التفاوض مع “داعش”، ومحمد الجبر..
مصدر محلي قال لـ”المدن”، إن “أبناء عشيرة الشعيطات، وهم جزء من قبيلة العكيدات، هم أبرز المجموعات القبلية التي تقاتل اليوم في صفوف قسد ضد داعش، وبواقع 1200 مقاتل، منهم نحو 700 مقاتل في لواء خابات”.
أسباب اقتصادية
بينما تقود الايديولوجيا أو الانتماء العرقي الأكراد للانتساب لـ”قسد” وغيرها من القوات التي يشرف عليها “الاتحاد الديموقراطي” سياسياً، والمرتبط فكريا وتنظيمياً بحزب “العمال الكردستاني”، فإن العامل الاقتصادي هو أساس انتساب معظم المقاتلين العرب. إذ تعاني مجتمعات العرب من عملية افقار شديدة، رغم أن مناطقهم تتمتع بأكبر مخزون نفطي وموارد مائية واراض صالحة للزراعة في البلاد.
يقول “أبو وائل”، أحد المنتسبين العرب لـ”قسد”: “بعد تدمير منزلي في بلدة المجاودة من قبل الطائرات الروسية في أيلول 2017، نزحت وعائلتي إلى بلدة هجين مطلع العام 2018 ومن ثم إلى البصيرة، وهناك لم أجد ما أفعله لتأمين لقمة العيش، فالتحقت بقوات الأسايش وأنا أعمل الآن بسبب حاجتي للمال وأحصل على راتب بـ120 ألف ليرة”.
ويضيف: “اتمنى أن أجد عملاً أفضل في الأيام المقبلة، فأنا أشعر بالخطر يلاحقني حتى في الإجازة الشهرية التي أحصل عليها، لكن لا سبيل إلى تحصيل هذا المبلغ بغير هذه الطريقة، فكل الاعمال متوقفة”.
الثأر
لا تخلو دوافع انتساب العرب لـ”قسد” من عوامل الثأر والانتقام، خاصة أن المنطقة قبلية، وارتكبت فيها “داعش” ما لا يحصى من الجرائم الوحشية. أحد أبناء بلدة غرانيج، قال لـ”المدن”: “ذبح عنصر ليبي في داعش شقيقي الوحيد أمام أمي، وبتهمة أنه من أبناء قبيلة الشعيطات، فقد اعتبروا كل القبيلة مرتدين، وأنا الآن أقاتلهم بعدما اخذت عهداً على نفسي أن ألاحقهم أينما وجدوا، ولن اشعر بالارتياح، وبأنني ثأرت لشقيقي، حتى يفنى آخر عنصر منهم”.
مقاتلات عربيات
الظاهرة الملفتة هي انتساب فتيات عربيات لـ”قسد”، ولـ”الاسايش” خصوصاً. يقول مصدر مطلع في الحسكة، لـ”المدن”، إن نحو 450 فتاة عربية انتسبن إلى مختلف القوى العسكرية التابعة لـ”قسد”. وأحصى نحو 75 فتاة منتسبة إلى تلك القوات في منطقة السكن الشبابي في الحسكة، وهي تضم خليطاً من نازحين عرب من مناطق متعددة. كما تكشف المواقع التابعة لـ”قسد” و”الاسايش” أن عدداً من الفتيات قد قتلن بالفعل اثناء الخدمة.
العرب هم الأكثر تعرضاً للاغتيالات
أحصى ناشط في مجال التوثيق نحو 345 حالة اغتيال طالت عناصر “قسد” منذ مطلع العام 2018، بينهم 290 عربياً، بعضهم قياديون في مواقع مهمة. وفي تفسيره لهذا العدد الكبير بين المنتسبين العرب، قال الناشط لـ”المدن”: “يعود ذلك لسهولة وصول داعش لهؤلاء العناصر الذين تدور المعارك في مناطقهم، فهم غالباً ما يعودون إلى ذويهم في اجازات أو للمبيت، حيث تترصدهم خلايا داعش النائمة في كل بلدة وقرية تقريبا، وتقوم بخطفهم أو قتلهم، كما أن قيادات داعش التي ما تزال تنظر إلى المكون العربي على أنه جمهور طبيعي لها، تحاول قدر المستطاع أن ترهب هذا الجماعة وتبقيها تحت رحمتها، علها تتمكن من العودة للعمل بين صفوفها بشكل علني في مرحلة ما، واستعادة السطوة والسيطرة عليها”.